محليات

بين صعود "الميكانيزم" وضغط واشنطن.. بري يعيد تثبيت شروط اللعبة في الجنوب

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في وقتٍ تتسارع الحركة السياسية في بيروت، في سياق ما يصحّ وصفه بـ"الاستنفار" الإقليمي والدولي، على وقع السباق المتجدّد بين الخيارات الدبلوماسية والعسكرية جنوبًا، تتكثف الرسائل التي تبدو "متشابكة" على أكثر من مستوى، فالانفتاح على خيار التفاوض مثلاً، الذي تجلّى في اجتماع "الميكانيزم" الأخير، لا يترجم مرونة إسرائيلية، بل على العكس من ذلك، يبدو أنّ تل أبيب مصرّة على معادلتها الجديدة: "النار فوق التفاوض".

في هذا المناخ، برزت المواقف المتقدّمة التي أطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي رفع السقف بوضوح في مواجهة ما اعتبره "تهديدًا" للبنانيين، ومحدّدًا في الوقت نفسه "مسلّمات" لا يمكن لأي عملية تفاوض أن تتجاوزها. وبين الموقفين، بدا أن رئيس المجلس يوجّه خطابًا مزدوجًا: واحد نحو الأميركيين عنوانه رفض الضغوط، وآخر نحو الداخل مفاده أنّ التفاوض في الجنوب ليس ورقة سائبة بيد أحد.

ما يتّضح اليوم هو أنّ خطَّين يسيران بالتوازي: واشنطن تدفع نحو إعادة هندسة آليات إدارة الجنوب، فيما تمضي إسرائيل في مقاربتها القائمة على استمرار الضغط الميداني، وبينهما يسعى بري إلى تثبيت قواعد اللعبة التي لا تسمح بانزلاق المفاوضات إلى صيغة تقيّد الدولة. ومن بيئة هذا الاشتباك السياسي – الدبلوماسي، يتقدّم ملف "الميكانيزم" ليصبح مركز الحركة بدلًا من "اليونيفيل"، في انعكاس واضح لتوازنات جديدة يتمّ بناؤها على مهل، فهل تتأثّر الجبهة؟!

صعود الميكانيزم وتراجع اليونيفيل

صحيح أنّ لجنة "الميكانيزم" استُحدِثت منذ إبرام اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل قبل أكثر من عام، ولو بقي حبرًا على ورق، لكنّ الصحيح أيضًا أنّ هذه اللجنة تقدّمت في الأيام الأخيرة بوصفها الآلية الأكثر حضورًا لبحث ترتيبات ما بعد وقف إطلاق النار، ولا سيما أنّ تغييرًا "نوعيًا" طرأ على مهمّتها في الأيام الأخيرة، لم تعد بموجبه مجرد قناة تقنية، بل تحوّلت إلى إطار لإدارة النزاع وفضّ الاشتباكات، وتحديد المناطق الحسّاسة، والتعامل مع الخروق.

المفارقة أنّ صعود دور الميكانيزم جاء في وقت تتقلّص فيه قدرة "اليونيفيل" على لعب دورها التقليدي كما كان في السنوات الماضية، إذ إنّ الضغوط الميدانية عليها تتزايد، وآخرها تعرّض إحدى دورياتها لإطلاق نار من الجيش الإسرائيلي، وهو ما يفسّره البعض بحقيقة أنّ المزاج الدولي يتّجه إلى صيغة تعتبر أن وجود "مرآة تفاوضية" متخصّصة قد يكون أكثر فاعلية في المرحلة المقبلة من قوّة مراقبة تنتشر في مساحة حسّاسة، وتصبح أحيانًا جزءًا من الاشتباك بدلًا من أن تكون عنصر ضبط له.

في موازاة ذلك، أرسل السفير الأميركي في بيروت إشارة لافتة في حديث صحافي حين قال إن إسرائيل تفصل بين المسار التفاوضي والضربات العسكرية، ما يعني ضمنًا أن أي تقدّم في "الميكانيزم" أو في اجتماعات الناقورة لن ينعكس تلقائيًا على تخفيف الهجمات. بهذا المعنى، تبدو الرسالة الفعلية أن على لبنان أن يمضي في مسار الترتيبات الحدودية والالتزامات جنوبًا، فيما تبقي تل أبيب لنفسها هامش الاستمرار في الضغط الميداني تماماً كما فعلت حين كرّست لنفسها "حرية الحركة" رغم اتفاق وقف إطلاق النار، من دون أن يردعها رادع.

 

بري على خط المواجهة

هكذا تتقاطع، وفق ما يقول العارفون، إرادةُ واشنطن في إعادة تنظيم الآليات الدولية مع محاولة تكريس ميزان قوى لمصلحة إسرائيل على الأرض. وفي هذا السياق تحديدًا، يمكن قراءة موقف الرئيس نبيه بري كردّ مباشر على التصريحات الأميركية الأخيرة وما نُقل عن الموفد توم براك، والتي رأت فيها عين التينة محاولة غير مقبولة للضغط على اللبنانيين، علمًا أنّ بري لم يكتفِ بالاعتراض الدبلوماسي، بل أعاد تظهير دوره كحارس للسقف التفاوضي حين قال بوضوح: "لا أحد يهدّد اللبنانيين".

بحسب المقرّبين من رئيس المجلس، فإنّ هذه الجملة بدت بمثابة تثبيت لمعادلة تقول إن التفاوض في الجنوب لن يتمّ تحت الضغط الأميركي ولا تحت إيقاع الغارات الإسرائيلية.وفي خلفية هذا الموقف، يضع بري ثلاث "مسلّمات" يعتبرها خطًا أحمر: الانسحاب الإسرائيلي من المناطق التي تحتلّها، انتشار الجيش اللبناني في المواقع المتّفق عليها، وحصر السلاح جنوب الليطاني بالمؤسسة العسكرية وفق القرار 1701.

هذه المسلّمات ليست جديدة في الخطاب الرسمي، لكنها اكتسبت وزنًا إضافيًا اليوم لأنها تأتي في لحظة تعمل فيها القوى الدولية على إعادة تشكيل المشهد الجنوبي عبر الميكانيزم، ومع نقاش متجدد حول دور اليونيفيل وحدود حركتها. لكنّ الرسالة الأهمّ بحسب هؤلاء، تبقى في رفض بري التعامل مع الجنوب كما لو أنه ملفّ منفصل عن توازنات الداخل، وكأنّه أراد القول إنّ أي طرح دولي لإعادة رسم خطوط الجنوب يجب أن يمرّ عبر الدولة، لا عبر قنوات جانبية أو تفاهمات موضعية.

باختصار، يبدو أنّ المشهد الجنوبي يدخل مرحلة جديدة بعد عام على ما سُمّي اتفاقًا لوقف إطلاق النار: "الميكانيزم" يتقدّم بوصفه العصب الفعلي لإدارة النزاع، و"اليونيفيل" تتراجع تحت ضغط الوقائع الميدانية، وإسرائيل تواصل مقاربة تقوم على التفاوض من جهة واستمرار الضربات من جهة أخرى، فيما تحاول واشنطن إعادة تنظيم الآليات بما ينسجم مع هذا الواقع. في المقابل، يرفع بري صوته لتثبيت موقعه كمرجعية تفاوضية لا يمكن تجاوزها، ولترسيم حدود ما يقبل به لبنان وما يرفضه.

السؤال الآن هو ما إذا كان لبنان قادرًا على أن يفرض إيقاعه الخاص في المفاوضات المقبلة، أم أن الواقع الميداني سيبقى هو الحاكم، فيما تتحوّل الآليات الجديدة إلى إطار يكرّس ميزان القوى بدلًا من تعديله. الجواب ستحدّده الأسابيع المقبلة، مع استمرار الاجتماعات في الناقورة، ومع اختبار قدرة "الميكانيزم" على أن يكون فعلًا أداة تفاوض، لا مجرّد عنوان جديد لمرحلة أشدّ تعقيدًا في الجنوب.

حسين خليفة - "لبنان 24"

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا