الصحافة

ما بعد زيارة البابا التاريخية للبنان

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

إنّ زيارة قداسة البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان قلبت مشهدنا الداخلي، الإقليمي والدولي. إنّ هذه الأيام الثلاثة التاريخية، أعادت تسليط الضوء على لبنان كمنصّة الحضارات ومثل العيش المشترك، وأعادت لبنان على سلّم أولويات الدول العظمى: فما هي السيناريوهات المرتقبة والتوقعات ما بعد هذه الزيارة، على المدى القصير، المتوسط والبعيد؟ علماً أنّ لبنان على مفترق طرق ولديه خيارات مصيرية لمستقبله.

علينا أن نتوقف عند مشهدية هذه الزيارة البابوية التي جمعت وبنت الإلتفاف البارز والفريد، من كل الطوائف والمذاهب والأحزاب والسياسيِّين والأمنيِّين، والمؤمنين والشباب. فكل شرائح الشعب اللبناني التفّت حول هذه الشخصية الفريدة من نوعها.

إنّ أهمّ رسائل قداسة البابا تركّزت على المحبّة والتسامح، والإحترام والتواضع والإيمان، وخصوصاً السلام.

لقد منحتنا هذه الزيارة تثبيت ركائز لبنان، وهي أرض القداسة والقدّيسين، والرسالة الأهم التي بقِيَت في القلوب والأذهان هي أنّ الحروب لا تبني الأوطان، لا بل السلام هو الذي يبني الأجيال والمستقبل. فجَذبَ قداسة البابا لاوون بخشوعه وتواضعه وإيمانه كل الشعب اللبناني في مختلف أعماره، وفي كل المناطق والطوائف، كما جذب السياسيِّين الذين صبّوا كل كلماتهم حول الخط الذي رسمه.

فهناك لبنان ما قبل هذه الزيارة، ولبنان ما بعد هذه الزيارة المقدّسة التي أعادت إليه الأمل المفقود، وبناء الإيمان الصلب والثقة المهدورة، وأيقظت الضمائر، ورمت في الآفاق حمائم السلام التي دارت في الأجواء مع أغصان شجر الزيتون.

فالسيناريو الأول والإيجابي، متابعة هذا المناخ الجامع، وتوعية الضمائر لاستكمال كل الرسائل، ولا سيما خطة الطريق التي رُسمت في الأيام الثلاثة التاريخية للزيارة، التي واكبتها تغطية أكثر من 1200 صحافي دولي، وكانت أول زيارة رسمية لقداسة البابا من بعد تولّيه السدّة البابوية، في 8 أيار 2025 خلفاً للبابا الراحل فرنسيس.

أمّا السيناريو الثاني الذي يرتبط بالتداعيات الإقتصادية، فبإعادة بناء الأمل والثقة. إذ نأمل ونتوقع إعادة الإستثمار، والإنماء المشلول منذ سنوات، لذا هناك فرصة ذهبية لإعادة بناء لبنان، كمنصّة إقتصادية إقليمية واستقطاب الإستثمارات الخارجية الجديدة.

أمّا السيناريو الأهم، فهو وضع لبنان على سكّة السلام، وبدء الحديث الرسمي والشفّاف بالمفاوضات المباشرة أو غير المباشرة، لبناء سلام مستدام. فكان واضحاً جداً التغيُّر الجذري في كل المبادرات الرسمية والأحاديث التي بدأت تصبُّ وتركّز على بناء السلام وبلسمة جراح الحروب في كل المناطق اللبنانية، ولا سيما في جنوب لبنان المدمّر.

لا شك في أنّ الطريق نحو السلام ستكون صعبة وشائكة، لكن لا شك أيضاً في أنّ الرسائل المباشرة وغير المباشرة التي سمعناها، لها صدى دولي ودعم إقليمي وعالمي أيضاً. والكلام عن مخاطر السلاح وضرورة نزعه من الأذهان والقلوب، كان من أهم الرسائل التي سمعناها ونتمنّى تحقيقها.

أمّا السيناريو الأخير والأقل إيجابية، فهو ضرورة الإستفادة السياسية من هذه الزيارة، فلا يعود التشنُّج السياسي والحزبي و"لا ترجع حليمة إلى عادتها القديمة"، فنرجع بالحلقة المقفلة نفسها المدمّرة والمقلقة، فتُستخدم هذه الزيارة البابوية لأهداف سياسية، طائفية وحزبية في المجال الضيّق، وأن تمرّ من دون ثمار تُذكر، وأن نرجع إلى الستاتيكو القديم - الجديد، أكان في الداخل كما في جنوب لبنان من خلال القصف العشوائي المتوالي والجمود الداخلي.

في المحصّلة، إنّ الزيارة البابوية الثالثة لم تكن صدفة ولا نقطة في البحر، إنّها أساس مشروع ورؤية جديدة لبلدنا لبنان. فنحن على مفترق طرق، إمّا نلحق في تنفيذ هذه الرسائل المباشرة وغير المباشرة، ونبني على هذه الصورة الجامعة والإلتفاف حول مشروع السلام وإعادة بناء البلاد والدولة، وإمّا أن نعود إلى ماضينا المؤسف والمؤلم المبني على الحروب والتدمير الذاتي وإنهاء الآخرين بطلب من الخارج.

د. فؤاد زمكحل - الجمهورية

 

 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا