الصحافة

لماذا المشروع اللبناني في أفضل مراحله منذ نصف قرن؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

صحيح أن التغيير الفعليّ كان ولا يزال صعبًا من دون تقاطع الداخل مع الخارج. فقد أثبتت التجربة اللبنانية، أن أيّ تحوّل كبير لا يمكن أن يتحقق من دون تلاقي تطوّرات إقليميّة ودوليّة من جهة، مع جهوزية داخليّة من جهة أخرى. وصحيح أيضًا، في المقابل، أن انهيار لبنان وتعطّل الدولة كانا صعبين من دون هذا التقاطع نفسه، أي تقاطع بيئة داخلية مع مشروع خارجيّ، وذلك في ظلّ التعدّدية اللبنانية وغياب التوافق النهائيّ، حتى اللحظة، على ولاء واحد للبنان، وعلى عنوانين واضحين: الدولة أولًا ولبنان أولًا.

ولا شكّ أن التحوّلات البنيوية التي شهدتها المنطقة مع حرب "طوفان الأقصى"، وما سبقها من تطوّرات لبنانية وإقليمية ودولية، وضعت المشروع اللبناني أمام فرصة حقيقية للإنقاذ وإعادة التأسيس، ولحظة مفصلية غير مسبوقة منذ نصف قرن، للأسباب التالية:

السّبب الأول، شكّلت سوريا تاريخيًا الخاصرة الرخوة للبنان، الذي كان شديد التأثر بالوضع السوري، وبنظام الأسد تحديدًا، سواء لجهة عقيدته البعثيّة التوسّعية، أم لناحية أطماعه المزمنة بلبنان، أم حاجته إلى التوسّع لإحكام السيطرة على الداخل السوري وسط أكثرية سنيّة. وقد لعب الأسد دورًا أساسيًا ورئيسيًا في جرّ لبنان إلى الحرب. وعلى الرغم من خروج جيش الأسد عام 2005، لم يعرف بلد الأرز الراحة، بسبب استمرار تدخلاته وتحوّله إلى نفق للتدخل الإيراني.

إن زوال نظام الأسد يُعدّ تطوّرًا تاريخيًا غير مسبوق منذ أكثر من خمسين عامًا، ولبنان من دون الأسد يختلف جذريًا عن لبنان مع الأسد. وتكمن أهمية النظام الجديد في سوريا في أنّها، للمرة الأولى، تكون في المعسكر الغربي لا الشرقي، وحليفة لواشنطن والرياض لا لموسكو وطهران، كما تكمن أهميته في رفضه التدخل في الشأن اللبناني وتقاطعه مع لبنان على تموضع إقليميّ ودوليّ واحد.

السبب الثاني، تفكّك المشروع الإيراني الممانع وتحطّمه. فالهزيمة التي مُني بها "حزب اللّه" في لبنان، بالتوازي مع انقطاع شريانه الحيوي عبر دمشق، شكّلت ضربة قاصمة لقدرة هذا المشروع على التحكّم بالساحة اللبنانية. ولم يعد "الحزب" قادرًا على فرض معادلاته السابقة، ولا على جرّ لبنان إلى الحروب في هذا الاتجاه أو ذاك، ولا على استخدام سلاحه في الداخل. وهذا التحوّل، بحدّ ذاته، يشكّل انقلابًا استراتيجيًا على واقع هيمنة الممانعة على لبنان منذ عام 1990.

السبب الثالث، يتمثل في التحوّل المجتمعي على مستوى الوعي اللبناني. فللمرة الأولى، تصل غالبية اللبنانيين، بمختلف انتماءاتهم، إلى قناعة راسخة بأن لبنان هو الوطن النهائي: كصيغة، وكدولة، وكديمقراطية، وكحالة تعدّدية. ولم يعد ساحة صراعات وحروب، بل بات الملجأ الوحيد الممكن لجميع مكوّناته، بعدما سقطت الرهانات الخارجية، وتعاظم تعطّش الناس إلى الدولة والاستقرار والازدهار.

السبب الرابع، القناعة الدولية المتزايدة بضرورة إخراج لبنان من كونه ساحة. فالمجتمع الدولي، بعد تجارب مريرة، بات أكثر صرامة في رفض استخدام لبنان منصّة لتصفية الصراعات الإقليمية، وورقة استخدامية في هذا الاتجاه أو ذاك، وأكثر ميلًا إلى دعم استقراره ضمن حدود الدولة ومؤسساتها، لأن خطأ ترك لبنان ساحة تجاوزت تداعياته حدود لبنان، وتحوّل إلى بؤرة عدم استقرار على مستوى المنطقة. وبالتالي، فإن الخطأ الذي ارتُكب عام 1990 بعدم الضغط الدولي لتطبيق اتفاق الطائف شكّل عامل عدم استقرار إقليمي، لا لبناني فحسب.

السبب الخامس، غياب أي مشروع توسّعي بديل. فالمشروع الإيراني كان آخر المشاريع التوسّعية الكبرى في المنطقة، ومع سقوطه، لم يعد هناك مشروع إقليمي قادر أو راغب في ابتلاع لبنان أو استخدام بيئة من بيئاته كورقة في أطماعه ومشاريعه.

وعليه، فقد دخل لبنان، مع سقوط نظام الأسد وسقوط المشروع العسكري لـ "حزب اللّه"، حقبة جديدة فعلًا. ويبقى التحدّي الأساس: هل يُحسن اللبنانيون إدارة هذه اللحظة التاريخية؟ فالفرصة متاحة، لكن تحويلها إلى مشروع إنقاذي فعلي، من خلال قيام الدولة الفعلية المعطّلة منذ نحو نصف قرن، يبقى مسؤولية لبنانية أولًا وأخيرًا.

شارل جبور - "نداء الوطن"

 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا