لماذا أقفل نبيه برّي الجلسة التشريعية؟
لم يُقفل الرئيس نبيه برّي الجلسة التشريعية أمس فجأة، ولا بدافع شخصي أو سياسي معزول، بل نتيجة مسارٍ متدرّج بدأ منذ لحظة الدعوة إليها، وتحوّل داخل القاعة إلى اختبار واضح لتوازنات المجلس وآلية إدارته.
فإقفال الجلسة لم يكن قرارًا سياديًا بقدر ما كان نتيجة حتمية لفقدان النصاب، لكنه في الوقت نفسه عكس مأزقًا أعمق في الحياة البرلمانية اللبنانية.
دستوريًا، لا يملك رئيس مجلس النواب خيار الاستمرار في التشريع عند سقوط النصاب. فالأكثرية المطلقة شرط إلزامي لمتابعة أي جلسة، ومع انسحاب عدد من النواب وتثبيت غياب كتل أساسية، بات رفع الجلسة إجراءً مفروضًا لا اجتهادًا. غير أنّ الاكتفاء بهذا التفسير التقني يُغفل الخلفية السياسية التي قادت إلى هذا المشهد.
سياسيًا، كانت الجلسة محمّلة منذ البداية بعناصر تفجير داخلي. طريقة إعداد جدول الأعمال، وإدراج بنود مصيرية في اللحظة الأخيرة، وفي مقدّمها قانون القضاء العدلي وقرض البنك الدولي، من دون توفير الوقت الكافي للنقاش أو ضمان حدّ أدنى من التوافق، دفعت عددًا من الكتل إلى اعتماد سلاح المقاطعة أو الانسحاب. وهنا تحوّل النصاب من شرط دستوري إلى أداة ضغط سياسي متبادلة.
اختار برّي تمرير الحدّ الأدنى من التشريع قبل انهيار الجلسة، ثم ترك النصاب يسقط من دون محاولة إنقاذه. هذا الخيار لم يكن عفويًا. فهو يدرك أنّ الإصرار على الاستمرار كان سيؤدي إلى اشتباك سياسي حاد داخل القاعة، وربما إلى طعون لاحقة تُطيح بما أُقرّ. لذلك، فضّل تثبيت القوانين التي أُقفل محضرها دستوريًا، ورفع الجلسة عند أول اختبار فعلي للعدد.
في المقابل، أرادت القوى المقاطِعة توجيه رسالة مزدوجة، وهي أن الاعتراض ليس على التشريع بحد ذاته، بل على أسلوب إدارته، وعلى تحويل المجلس إلى منصة فرض أمر واقع، خصوصًا في ملفات حسّاسة كالقضاء والانتخاب وحقوق المغتربين. فكان الانسحاب وسيلة اعتراض سياسية، لا خروجًا من الحياة البرلمانية.
هكذا، أُقفلت الجلسة لا لأنّها أنجزت مهمّتها كاملة، ولا لأنّها تعطّلت كليًا، بل لأنّها اصطدمت بحدود التوازن السياسي القائم. جلسة انعقدت شكليًا، وأُقفلت عمليًا عند أول سقوط للنصاب، في مشهد يختصر أزمة ثقة بين الكتل، وأزمة إدارة داخل المجلس، وأزمة مفهوم التشريع نفسه في لحظة وطنية شديدة الحساسية.
إقفال الجلسة، في المحصّلة، لم يكن انتصارًا لأحد، ولا هزيمة لأحد، بل مرآة صافية لبرلمان مأزوم، يشرّع تحت الضغط، ويتوقّف عند أول انقسام، فيما اللبنانيون ينتظرون دولة تُدار بالقواعد لا بالتوازنات المتحرّكة.
محمد المدني-ليبانون ديبايت
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|