لبنان بين نارين: تصديق ترامب أم نتنياهو؟
في خطوة استفزازية تكشف عن التناقضات العميقة في السياسة الاميركية تجاه الشرق الأوسط، وافقت الحكومة الإسرائيلية اخيراً على إنشاء 19 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية المحتلة. يأتي هذا القرار في توقيت بالغ الحساسية، بينما يضع الرئيس الاميركي دونالد ترامب ثقله وما يمثله لتنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة والانتقال إلى مرحلته الثانية، وفي الوقت الذي يروج فيه لرغبته في تحقيق السلام الشامل في المنطقة. ولكن، على الرغم من تصريحات ترامب المتكررة بأن "لا خوف على الضفة الغربية" وأن الوضع تحت السيطرة، يبدو أن الحكومة الإسرائيلية قررت اختبار مدى جدية هذه الوعود على أرض الواقع. القرار الاستيطاني الجديد يمثل صفعة مباشرة للإدارة الاميركية التي تحاول، ظاهرياً على الأقل، إظهار نفسها كوسيط نزيه قادر على تحقيق تقدم دبلوماسي في المنطقة. الا ان التناقض واضح، فكيف يمكن لإدارة ترامب أن تدعي السعي الى السلام بينما تصمت، أو ربما تتواطأ، حيال خطوات أحادية الجانب تقوّض أي أساس لحل سلمي مستقبلي؟ التوسع الاستيطاني ليس مجرد قضية سياسية، بل هو تغيير ديموغرافي وجغرافي يهدف إلى خلق وقائع على الأرض تجعل أي حل قائم على دولتين أمراً مستحيلاً عملياً. إن أخطر ما في هذا المشهد هو الضرر البالغ الذي يلحق بمصداقية الولايات المتحدة كقوة يمكن الاعتماد عليها في تحقيق استقرار المنطقة. في لبنان، حيث لا يزال اتفاق وقف إطلاق النار هشاً، وفي سوريا التي تشهد تحولات جيوسياسية عميقة، يراقب الفاعلون الإقليميون بدقة كيف تتعامل واشنطن مع حلفائها وخصومها. عندما يرى اللبنانيون والسوريون أن اميركا تغض النظر عن سياسة الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، لن يثقوا بضماناتها في ملفاتهم الخاصة، وهذا الفشل في الحفاظ على الحد الأدنى من التوازن، يدفع العديد من الأطراف الإقليمية إلى البحث عن ضامنين بدلاء، سواء كانوا روسيا أو إيران أو قوى إقليمية أخرى، ما يزيد من تعقيد المشهد ويقلل من فرص تحقيق السلام الشامل الذي يتحدث عنه ترامب. الخوف الأكبر يتعلق بإمكانية تكرار السيناريو نفسه في مناطق أخرى، وخاصة في جنوب لبنان. إذا كانت إسرائيل قادرة على فرض وقائع استيطانية في الضفة الغربية من دون عواقب حقيقية، فما الذي يمنعها من محاولة تطبيق استراتيجية مماثلة على الأراضي اللبنانية؟.
مخاوف عدم السماح للبنانيين الجنوبيين بالعودة إلى أراضيهم وإعادة إعمار مناطقهم، هي سيناريو محتمل بناءً على السوابق الإسرائيلية. وهذا الأمر يعني تهجيراً قسرياً مستمراً لآلاف العائلات، وتدميراً متعمداً للنسيج الاجتماعي والاقتصادي للمناطق الحدودية، وإنشاء "منطقة عازلة" دائمة تحت السيطرة الإسرائيلية الفعلية. إن استمرار هذه السياسات الاستيطانية والتوسعية يعني تلاشي أي أمل حقيقي في تحقيق سلام مستدام في المنطقة. كل مستوطنة جديدة تُبنى هي مسمار إضافي في نعش حل الدولتين، وكل يوم يُمنع فيه المهجرون من العودة إلى ديارهم هو يوم يُزرع فيه المزيد من بذور الحقد والرغبة في الانتقام.
الواقع المنطقي يقول إن السلام الحقيقي لا يُبنى على القوة العسكرية المطلقة والاستيلاء على الأراضي، بل على العدالة والاحترام المتبادل والاعتراف بالحقوق الأساسية لجميع الأطراف. وما دامت السياسة الاميركية تفتقر إلى الجدية في كبح جماح الانتهاكات الإسرائيلية، فإن كل حديث عن السلام في المنطقة سيبقى مجرد كلام فارغ لا يصمد أمام اختبار الواقع، ولن ينفع عندها ترداد مقولة "لاسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها"، لان الواقع يشير الى انها هي المعتدية ومن حق الآخرين الدفاع عن انفسهم واذا لم يتمكنوا من ذلك حاليا، فسينتظرون بفارغ الصبر الايام والاسابيع والاشهر والسنوات التي ستسمح لهم باستعادة حقوقهم.
قرار الاستيطان الأخير هو تذكير قاسٍ بأن الطريق نحو السلام في الشرق الأوسط لا يزال طويلاً ومعقداً، وأن النوايا الحسنة وحدها لا تكفي عندما تصطدم بإرادة سياسية إسرائيلية عازمة على فرض وقائع أحادية الجانب، وبإدارة اميركية غير قادرة -أو غير راغبة- في لعب دور الوسيط النزيه الحقيقي.
طوني خوري -النشرة
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|