الرئيس عون يوقّع مرسوما يقضي بدعوة مجلس النواب الى عقد استثنائي
السّنكريّ الذي خدع رؤساء حكومة..
النظريّة التي تقوم على أنّ أقرب مسافة بين نقطتين، هو الخطّ المستقيم، لا تستوي في هذه البلاد. اللبنانيّ مفتون دائماً بالدروب الملتوية. يبحث خلف الاستثناء لا القاعدة. يلهث وراء العُرف لا القانون. يخترع الحاجة ثمّ يقول إنّ الحاجة أمّ الاختراع.
يُحكى أنّ ياسر عرفات تعلّم في لبنان فكرة استخدام القلمَيْن. قلم أحمر وقلم أخضر. يوقّع بالأوّل لمن يشاء أن تُقضى حاجته. يوقّع بالثاني على الورقة التي يجب أن تذهب إلى سلّة المهملات. لا يقول كلمة لا إلّا حين ينطق الشهادتين.
هذه مدرسة لبنانيّة ضاربة ومتجذّرة. الجبهة اللبنانيّة كانت ضدّ حافظ الأسد. لكنّها طلبت تدخّله بوجه منظّمة التحرير والحركة الوطنيّة. وهو حين انخرط عن طيب خاطر في هذا النوع من الألاعيب اللبنانيّة، قال إنّه تلقّى مناشدة من مخاتير زحلة لا من الجبهة. وهي المناشدة التي دفعته لاجتياح لبنان.
اللّبنانيّ “الحربوق”
بيار الجميّل الجدّ كان يُرسل نجله أمين إلى دمشق بينما يُبحر بشير إلى نهاريّا. ثمّ قبل الاجتياح الإسرائيليّ عام 1982، وقف بشير الجميّل إلى جانب أرييل شارون في مدرسة سيّدة الجمهور. قال له هذه مدرستي. إن لم يصل جيشكم إلى هنا فلا طائل من الحرب.
شارون أخذ وعداً بالمساعدة في الإطباق على بيروت الغربيّة من الجانب الشرقيّ، ثمّ حين توغّل وصار عند مشارف العاصمة، أعطى بشير أوامر صارمة لعساكره بعدم المشاركة في أيّ تحرّك ميدانيّ. لاحقاً ذكرت بربارة نيومان في كتابها الشهير أنّها تقاسمت معه السرير في الليلة ذاتها.
كان بشير قد وعد بتوقيع اتّفاق سلام. بعد انتخابه بأيّام طار نحو اللقاء الأخير في نهاريّا. كان في انتظاره مناحيم بيغن وكبار قادة إسرائيل. تملّص الرئيس من الاتّفاق. ثمّ قال أعدكم أن أوافق على ما يُوافق عليه رئيس الحكومة. جُنّ جنون الحاضرين. في طريق العودة قال لجوزف أبو خليل في المروحيّة: ربّما لن نصل سالمين إلى بيروت.
النظام الحديديّ في دمشق لم يمنع اللبنانيّ “الحربوق” من محاولات العبث حتّى ضمن التركيبة السوريّة. صارت هناك أجنحة. ووسائل ملتوية لخطب ودّ الشقيقة المستحكِمة بكلّ صغيرة وكبيرة. إن عبْر غازي كنعان ورستم غزالة، أو عبر حكمت الشهابي وعبدالحليم خدّام، وبينهما ما هبّ ودبّ من مسالك وضبّاط وشخصيّات ونقاط عبور.
فخٌّ مشين
المشرقيّ الأقلّويّ جبران باسيل توثّب نحو مهاجمة العرب والدفاع المستميت عن إيران وسياساتها ودورها، وصار يخطب ودّ الشيعيّة السياسيّة بشيطنة السّنّة بكلّ أصنافهم وأشكالهم وأنواعهم. لاحقاً نفض يده من المشروع الإيرانيّ وموبقاته عقب هزيمته وانكساره، وراح ينتقل على نحو مُتدرّج إلى الضفّة المقابلة.
القنّاص وليد جنبلاط وضع خطابه التاريخيّ من ساحة الشهداء في خانة الحماسة. قال تحمّست. حمّسوني. كان الاعتذار توطئة ضروريّة للاجتماع بالقرد الذي لم تعرفه الطبيعة، والحوت الذي لفظته البحار.
الزئبقيّ نجيب ميقاتي ابتكر فكرة النأي بالنفس. وقد صرنا مذّاك نقول الشيء ونقيضه. تحوّل الفعل اللبنانيّ المستدام من “نبوغة” فرديّة إلى سياسة رسميّة للدولة برمّتها. هذه بلاد تكره الاستقامة بكلّ أشكالها وأنواعها. وتبحث بحثاً عن طرق ملتوية، ولو كانت ستصل بها إلى قعر الجحيم.
دولة عملاقة تنتدب سفيراً مكتمل الأوصاف وسفارة معروفة العنوان. ثمّ تُكلّف مبعوثاً رسميّاً من طراز شخصيّ وسياسيّ استثنائيّ ورفيع. لكنّ التذاكي اللبنانيّ يأبى إلّا أن يتجاوز كلّ ذلك. ولو كان البديل حدّاد سيارات، أو سنكريّاً من وادي خالد.
تلك فضيحة مدوّية. لكنّ السؤال يبقى: كيف لشخصيّات سياسيّة وازنة ورؤساء حكومات سابقين ومخضرمين ونوّاب وفعّاليّات مركزيّة أن تقع في هذا الفخّ المشين؟
لا جواب سوى أنّ الكثرة الكاثرة من اللبنانيّين لا تزال مفتونة بالطرق الملتوية، لكنّ ثمّة فارقاً كبيراً بل كبيراً جدّاً بين من يُمارس الخديعة السياسيّة لتحقيق مآربه، وبين من يخدعه أبو عمر.
قاسم يوسف -اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|