لبنان تحت تأثير "صدمة أمنية" خطرة مع المجتمع الدولي
لم يكن ينقص لبنان الذي يواجه أعتى أزمة ماليةٍ بانكشافٍ سياسي خطير على فراغٍ رئاسي وعلى ضمورٍ غير مسبوق في رصيده الخارجي، إلا «صدمة أمنية» مع المجتمع الدولي شكّلها مقتل عنصر إيرلندي من قوة «اليونيفيل» برصاصة في الرأس من الخلف وجرْح 3 آخرين من كتيبة بلاده في الجنوب بعد اعتداء تعرّضت له آلية كانوا يستقلونها في ساعة متأخرة من ليل الأربعاء في طريقهم إلى بيروت وتحديداً في منطقة العاقبية (قضاء صيدا).
وسرق هذا التطور البالغ الخطورة الأضواءَ بالكامل من الجلسة الباهتة التي عقدها البرلمان أمس في محاولةٍ عاشرة فاشلة لانتخابِ رئيسٍ للجمهورية، لتُسدل الستارة على «رئاسية 2022» التي رُحّلت بكل تعقيداتها الداخلية والخارجية إلى السنة الجديدة التي يبدو أنها سترث من سابقتها «صندوقاً أسود» مازال مفتوحاً على مزيد من... الهدايا المفخّخة.
وأياً كانت محاولات لبنان الرسمي للتخفيف من الوقع الصاعق لِما حصل في العاقبية عبر وصْفه بالحادث و«إغراقه» بالتعازي للمسؤولين الإيرلنديين والدوليين، فإن ما جرى وإن كان غير مخطَّط له وجاء وليد ساعته، فإن سياقاته التي استُشّفت بخطوطها العريضة وتتمحور حول تعرُّض واحدة من آليتين كان على متنهما 8 من أفراد الوحدة الايرلندية لإطلاق نارٍ، لا يمكن قراءتها من خارج «مسرح عملياتٍ» راكَم بيئة عدائية تجاه «اليونيفيل» اتخذ التعبيرُ عنها اسماً حَركياً هو «الأهالي» (بيئة «حزب الله») و«تغذّت» في أعقاب قرار مجلس الأمن الذي جدد في 31 أغسطس الماضي مهمة القوة الدولية وتضمّن تعديلاً يتعلق بحركتها لناحية أنها لا تحتاج إلى «إذن مسبق أو إذن من أي شخص للاضطلاع بالمهام الموكلة إليها، ويُسمح لها بإجراء عملياتها بشكل مستقلّ»، وهو ما قوبل بانتقادات صريحة من قادة في «حزب الله» حذّرت من أن تطبيق قواعد الاشتباك الجديدة يحوّل اليونيفيل «قوات احتلال».
ورغم أنها ليست المرة الأولى التي يتواجه فيها «الأهالي» مع دوريات لـ «اليونيفيل» ضمن منطقة عملها وفق القرار 1701 الصادر في أعقاب حرب تموز 2006، فإن مقتل الجندي الايرلندي واصابة ثلاثة آخَرين، من ضمن موكب وليس دورية روتينية تمارس عملها التفتيشي، وخارج «أرض القرار 1701» أي شمال الليطاني، طرح أسئلةً كبرى نظراً إلى ضخامة الحدث، وتوقيته الذي يحمل مؤشرات لافتة.
وأكدت مصادر معنية مسؤولة لــ «الراي» ان الحادثة خطرة ومن شأنها ان تترك آثاراً سلبية حتى قبل جلاء ملابساتها. وفيما بدأ الجيش اللبناني ومخابراته والقوة الدولية تحقيقاً في ما حصل، وسط إعلان الناطق باسم «اليونيفيل» اندريا تيننتي في أول بيان «ان تفاصيل الحادث متفرقة ومتضاربة»، فإن ما بدأ يتكشَّف يشير إلى أن الاعتداء وقع ليلاً عند طريق بحري مرادف للاوتوستراد الساحلي، فيما كانت سيارتان تابعتان للامم المتحدة تتجهان الى بيروت، حين انفصلت إحداهما نحو طريق جانبي.
وهنا برزت روايتان متضاربتان: الأولى لـ «الاهالي» وفيها أن شبان المنطقة رأوا آلية تتنقل خلافاً للعرف السائد في تحرك اليونيفيل لجهة سلوك الاوتوستراد، وعند مفترق منطقة العاقبية بين الزهراني وصور، فتصدى لها شبان المنطقة لإجبارها على الخروج إلا ان السائق وقد يكون لارتباكٍ حصل معه حاول الاستمرار في القيادة ودهس رِجل أحد المعترضين.
لكن إطلاق النار الذي تعرّضت له الآلية وهي مصفّحة وجرى تَداول مَقاطع مصورة عنه، لم يتضح إذا كان استهدف الدورية عقب مواجهة «الأهالي» للموكب او العكس. علماً أن مقاطع مصوَّرة للحادثة انتشرت بسرعة، ونشطت حسابات الكترونية تشيد بتصرّف الشبان الذين اعترضوا موكب القوة الدولية «لانها خرجت عن الخط المتفَق عليها في تحرك اليونيفيل ولم تكن قوة من الجيش تواكبها».
أما الرواية المقابلة فتحدثت عن ان الموكب ليس دورية وهو عبارة عن سيارتين تقومان بانتقال روتيني في اتجاه بيروت، ولذا لم يكن الجيش يواكبها، وحين انفصلتْ آلية إلى طريق جانبي وقد يكون لخطأ في التقدير، حصلت المواجهة التي سيوضح التحقيق كل ملابساتها، اذ ان الجندي الايرلندي قُتل بإطلاق النار وليس بسبب انقلاب الآلية خلال محاولتها الخروج من المنطقة.
وكان بارزاً ما أوردته «رويترز» نقلاً عن وزير الدفاع الايرلندي سايمون كوفني من أن جندياً إيرلندياً من بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان «قتل بعد تعرضه لإطلاق نار وإن جنديا آخر في حالة خطرة بعد أن أحاطت حشود معادية بمركبتهما المدرعة».
وقال كوفني، وهو أيضا وزير الخارجية الأيرلندي، إن الجنود من «اليونيفيل» كانوا في ما يعتبر طريقا اعتيادياً ينتقلون من منطقة عمليات القوة الدولية في الجنوب إلى بيروت عندما وقع الحادث في العاقبية. وقال لشبكة الإذاعة الوطنية الأيرلندية (آر.تي.إي) «انفصلت المركبتان المدرعتان عن بعضهما البعض (في الطريق). وأحاطت حشود معادية، وأعتقد أن هذا هو الوصف الوحيد الذي يُمكننا وصفهم به، بإحدى المركبتين وأطلقوا أعيرة نارية تجاهها. للأسف قُتل أحد جنودنا من قوات حفظ السلام».
وأضاف «لم يكن هذا متوقعاً، نعم كان هناك بعض التوتر على الأرض بين قوات حزب الله واليونيفيل في الأشهر الأخيرة ولكن لا شيء مثل ذلك».
وفيما أكد وزير الدفاع الأيرلندي، الموجود في نيويورك لحضور اجتماع لمجلس الأمن، إنه سيلتقي بالأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريس في وقت لاحق (من يوم أمس) لمناقشة الحادث، قال الرئيس الأيرلندي مايكل دي هيغينز في بيان له «نحن، كشعب، فخورون جداً بسجلّنا المتواصل في حفظ السلام مع الأمم المتحدة. ومع ذلك، يجب ألا ننسى أبداً مخاطر هذا العمل».
وإذ قال رئيس الوزراء الإيرلندي مايكل مارتن لصحافيين لدى وصوله الى قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسيل «نحن مصدومون جميعاً وحزينون للغاية لفقدان أحد جنودنا في لبنان»، مشيراً الى عملهم «في بيئات معادية أحياناً وخطرة للغاية»، أعلنت قوات الدفاع الإيرلندية، في السياق نفسه أن القافلة المكونة من مركبتين مدرّعتين تعرضت «لنيران أسلحة خفيفة».
ونُقل عن مصدر قضائي لبناني بعد الظهر أنّ سبع طلقات من رشاش حربي اخترقت آلية تابعة للكتيبة الإيرلندية العاملة وأصابت إحداها السائق في رأسه من الخلف.
وذكر المصدر أن السائق توفي على الفور، فيما «ارتطمت العربة بعمود حديدي وانقلبت، ما أدى إلى إصابة العناصر الثلاثة الآخرين»، موضحاً أن القضاء العسكري وضع يده على التحقيق.
واستوقف أوساطاً مطلعة في بيروت مسارعة «حزب الله» عبر مسؤول وحدة التنسيق والارتباط وفيق صفا للدعوة «لعدم إقحام الحزب في الحادثة» التي وقعت بين الأهالي وإحدى سيارات «اليونيفيل».
وطالب صفا في حديث للـ LBCI بترك المجال للأجهزة الأمنية للتحقيق بالحادث، مشيراً إلى بعض تفاصيل الحادثة كما نقلها الأهالي ولافتاً إلى «أن سيارة واحدة تابعة للقوة الايرلندية دخلت في طريق غير معهود العبور به من اليونيفيل فيما السيارة الثانية سلكت الاوتوستراد الدولي المعهود المرور به ولم يحصل معها أي إشكال».
وتقدم صفا بالتعزية لـ «اليونيفيل» لسقوط قتيل متمنياً الشفاء للجرحى في «الحادث غير المقصود».
واعتُبر «تبرؤ» الحزب السريع مما حصل دليلاً على استشعاره بالأبعاد والتداعيات الخطيرة لِما جرى، في ظلّ صدور مواقف دولية ندّدت وطالبت لبنان بتحقيق شفاف لكشف الملابسات وتحديد المسؤوليات ومحاسبة الفاعلين، ووسط أسئلة عن تأثيرات هذا الاعتداء على أجندة الزيارة الخاطفة التي عاد الحديث عن أن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون سيقوم بها للبنان عشية عيد الميلاد لتفقُّد وحدة بلاده العاملة في «اليونيفيل» وإمكان لقائه عدداً من المسؤولين لبحث الأزمة الرئاسية ومتفرّعاتها. علماً أن محطة سيد الاليزيه المرتقبة أعطيت اهتماماً نتيجة الدور الذي يحاول أن يلعبه في «بلاد الأرز» والمنطقة، سواء من خلال ملف الترسيم البحري الذي اُنجز مع اسرائيل ام من خلال إيجاد حل للملف الرئاسي في ظل علاقة وطيدة تجمع باريس في العامين الاخيرين مع حزب الله.
وفي انتظار اكتمال كل ملابسات الاعتداء، نشطت مواقف القوى السياسية المعارضة لحزب الله منددة التعرض للقوة الدولية، وعلى وقع إعلان المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا «أن إجراء تحقيق سريع وشامل لتحديد وقائع هذه الحادثة المأسوية أمر بالغ الأهمية.
ويشي الغبارُ السياسي والديبلوماسي الكثيف الذي أعقب الاعتداء أن هذا الحدَث سيبقى طاغياً على المشهد اللبناني في الأيام المقبلة، وسط أسئلة متداولة في الوسط الأمني والسياسي، حول علاقة حزب الله بالحادثة بطريقة مباشرة، وأيّ مصلحة له في إحداث هذه الصدمة الأمنية مع المجتمع الدولي.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|