الصحافة

هل يُستخدم الدولار للضغط السياسي؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

بات مؤكداً أنّ التوتر السياسي الحالي ليس مجرّد غيمة صيف عابرة، وأنّ أمد الفراغ الرئاسي سيطول. والتصعيد الذي تتعمَّده بعض القوى المحلية يؤشِّر إلى قرارٍ معين، في أكثر من مكان، لإبقاء لبنان على النار، ما دامت الملفات الإقليمية والدولية آيلة إلى التأزُّم لا إلى التسويات.

منذ أن وقَع الفراغ الرئاسي، يدأبُ سياسي واسع الاطلاع على تحذير القيادات المسيحية من مغبة الاستسلام لهذه الوضعية، وعدم الأخذ بالفراغ على محمل الجدّ. ويقول إنّ لديه معلومات متقاطعة من مصادر عربية ودولية تفيد بأنّ الملف اللبناني عموماً «نام نَومة أهل الكهف»، ولن تكون هناك مشكلة لدى أحد إذا قرَّر اللبنانيون الاستمرار في وضعية المراوحة والانهيار، بقدْر ما يشاؤون، ما دامت لا تشكِّل خطراً على أحد خارج الحدود.

وأكثر من ذلك، يؤكد السياسي أن القوى المعنية بالوضع اللبناني - باستثناء فرنسا والفاتيكان بحدود معينة - لا يعنيها أن يكون لبنان بلا رئيس للجمهورية ما دامت الحكومة الحالية تتولّى تصريف أعمال البلد، ولو في ظل خلاف سياسي أو طائفي «مضبوط» حول هذه المسألة. ففي أي حال، لم تكن هذه الحكومة أكثر نشاطاً بكثير خلال وجود رئيس الجمهورية.

ولذلك، إنّ اعتراضات غالبية القوى المسيحية على تولّي هذه الحكومة صلاحيات الرئاسة بالوكالة لا تقدِّم ولا تؤخّر، خصوصاً أن هذه القوى منقسمة حول الملف والعديد من المسائل الأساسية. وهذا ما يضع موقع رئاسة الجمهورية في وضعية دقيقة، يمكن أن تقوده إلى الضياع.

ويذكِّر السياسي بتحذيرات تلقَّتها المرجعيات المسيحية مراراً، في مراحل الفراغ الرئاسي، مِن أن موقع الرئاسة، وبعدما جرى تقليص صلاحياته في العام 1989، قد يصبح اليوم موقعاً رمزياً وغائباً في آن معاً.

وعلى رغم الصخب السياسي الحاصِل اليوم حول ملف الرئاسة، فإن قوى السلطة، بقيادة «حزب الله»، لا تجد نفسها مضطرة إلى تقديم أي تنازل للمحور المقابل. وعلى العكس، هي تَتباطأ في إبرام أي تسوية في الملف الرئاسي ما لم تكن جزءاً من سلّة تسويات متكاملة تَضْمَن لـ»الحزب» وحلفائه الإقليميين أوفر قدر من المكاسب.

إذاً، هناك «ستاتيكو» سياسي في لبنان ليس مرشحاً للتبدُّل في المدى المنظور. ففيما قوى المعارضة تتخبّط بخلافاتها وتعجز عن تحقيق أي خرق سياسي، فإن قوى السلطة من جهتها ليست قادرة على حسم الخيارات لمصلحتها نهائياً. ولذلك، يتوقّع العارفون أن يستمرّ «الستاتيكو» الحالي قائماً، إلى أن تطرأ عوامل أخرى من خارج المعادلة تسمح بإحداث تغيير.

ولكن، فريق السلطة وحده يستطيع المراهنة على التغيير لأنه عملياً يحتكر الأوراق الضاغطة على الساحة. ومن هذه الأوراق، تحدّي الجميع بِعقد جلسات للحكومة المستقيلة وتسيير أمور البلد في غياب فريق معيَّن. وكذلك، الإصرار على إطلاق أعمال التشريع والرقابة في المجلس النيابي على رغم الفراغ الرئاسي.

لكن ورقة الضغط الأقوى ستكون الانزلاق نحو طبقة أكثر عمقاً في الانهيار المالي والاقتصادي والاحتقان الاجتماعي. فمع وصول الدولار إلى حافة الـ50 ألفاً، وتفاقم المأزق الاجتماعي لدى شرائح واسعة من اللبنانيين، الأرجح أنّ قوى السلطة ستلجأ إلى تحميل المعارضين مسؤولية الوضع، بتهمة عرقلة انتخاب رئيس للجمهورية وتعطيل الحُكم والتسويات السياسية.

فالفريق السياسي الذي يقاطع جلسات الحكومة، والفريق السياسي الذي يرفض تأمين النصاب لانتخاب رئيس الجمهورية الذي ترشّحه قوى السلطة، والقوى المصنفة تغييرية أو اعتراضية، ستصبح كلها تحت الضغط: فإما أن ترضخ للخيارات المفروضة عليها، وإما أن تتحمَّل المسؤولية عن تجويع الناس.

والمثير هو أنّ المسؤولين في الحكم والمعنيين بالنقد والمال لا يتحرّكون لوقف الصعود الدراماتيكي لسعر صرف الدولار في السوق السوداء كما اعتادوا أن يفعلوا في مراحل سابقة، مع علمهم بما يستتبع ذلك من أزمات اجتماعية خانقة. وفي العادة، يضخّ المصرف المركزي كميات كبيرة من الدولارات في السوق لضبط الدولار والحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار.

طبعاً، خبراء الاقتصاد يضعون مسألة الصعود الحالي للدولار في السياق الطبيعي المُنتظر مع تضخّم الكتلة النقدية بالليرة في السوق، نتيجة اقتراب استحقاقين: تمويل الكهرباء ورفع الدولار المصرفي من 8 آلاف ليرة إلى 15 ألفاً في أول شباط، ونتيجة رغبة الجهات المصرفية المعنية في الاستفادة من نحو مليار ونصف المليار دولار يُفترض أن يضخّها المغتربون والسيّاح في السوق خلال الأعياد.

ولكن، هذا لا ينفي أن قوى السلطة تتصرف إزاء فلتان الدولار بلامبالاة غير مسبوقة، مع علمها بالمصاعب الاجتماعية القاسية التي سيتسبّب بها، والإرباكات التي سترافقها.

وثمة مَن يعتقد أنّ تراخي قوى السلطة المتعمَّد في ضبط السوق يهدف إلى ترك البلد ينزلق نحو احتقان اجتماعي وسياسي وربما أمني غير مسبوق، على أن يجري استثماره لاحقاً، في لحظة التسوية، للضغط على الخصوم وفرض خيارات معينة. وعلى الأرجح، ستظهر هذه الخيارات في حينها، وفي شكل مفاجئ.

طوني عيسى- الجمهورية

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا