الصحافة

باسيل رجلُ العام والاستفزاز بامتياز..إليكم أسرار صدامه مع الحزب

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يكفي أن يقولَ جبران باسيل أنّه موافق على انتخاب سليمان فرنجيّة رئيسًا حتّى يُصبح للُبنان رئيس. فالرجُل الذي شُتِمت أمُّه في انتفاضة 17 تشرين الأول/ اكتوبر 2019 وقيل إنّه انتهى إلى غير رجعة، حافظ على كتلةٍ نيابيةٍ كبيرة في البرلُمان، وبقيّ الأكثر جذبًا للتعليقات، ولا شكَّ في أنه قبلَ أن يحتفلَ بعيد ميلاده الثالث والخمسين في حزيران/يونيو المُقبل، سيكون أحد صانعي الرئيس، أو أشرس المعارضين، أو …!!!

يبرع باسيل في الخصومة والمناكفة أكثر مما يُبدع في التسويات. لا يتورّع عن قلبِ الطاولة على الجميع، حتّى على نفسه، حين يُعاند. لا بأس أن يبدو مصارِعًا طواحين الريح كدون كيشوت، لو رأى في الصراع ما يُحرّك المياه الراكدة. ثمّة يقينٌ داخليٌّ دائم عنده بأنَّه سيقوم دائمًا من تحت الرماد ويربح المعارك.

لا يُزعج باسيل وصفُه ب ” الاستفزازي” أو ” المغرور”. لعلّه يُحبّ هذا الوصف. فهو اعتمد استراتيجيّة الاستفزاز سبيلاً لفرض نفسه وسط حيتان السياسة والمال والذين غالبًا ما يصفهم في مجالسِه الخاصّة ب ” الحقراء”. هو بذلك يتقاسم الكثير من الصفات مع الرئيس السابق ميشال عون، حتّى قيل إنّه أصبح بالنسبة للجنرال بمثابة الابن الذي لم يلده مؤسس التيّار الوطنيُّ الحر. لكن من يعرف باسيل عن قُرب يُدرك أنّ في داخل الرجل ذي القامة الوسطى والابتسامة الاستفزازية، روحَ نُكتةٍ ومرحَ طفلٍ يلهو بلُعبةٍ حين يكون بين أصدقائه وعائلته وأولاده.

منذ دراسته الهندسة المدنيّة في الجامعة الأميركيّة، سار باسيل على درب الجنرال المتمرّد، حملَ رسالة إلى بناته في مدرستهن لإيصالها له. تطوّع في الجيش للقتال الى جانبه أثناء التمرّد. علّق صورتَه على حائط غرفته وأقسّم بالاّ ينزعها قبل عودة عون من المنفى. ذهب للقائه بعد نفيه إلى فرنسا. ارتابَ الجنرال منه في بادئ الأمر، قال:” إنَّ هذا الفتى إمّا فائق الذكاء أو جاسوس”.  تعرّف على ابنة الجنرال في أحد المؤتمرات المؤيّدة له في فرنسا عام 1996، أطال مدّة اقامته 17 يوما لغرامه بها. تزوّجها وهو في التاسعة والعشرين من العمر، أيّ قبلَ الموعد الذي حدّده لنفسه للزواج (33 عاما). ثمّ سُرعان ما تسلّق سُلّم قلبِ وعقلِ الجنرال، فتسلّق سُلم التيّار حتى رأسه.

الجنرال عنيدٌ، والصهر أعند. تأثّرا وأثّرا واحدهما بالثاني وعليه. ليس صحيحًا أنَّ الرئيس السابق كان يُنفّذ ما يُريده الصهر. طباعُ عون ليست من النوع القابل للخضوع لما لا يرغب به، حتّى لو جاءت مِنْ أحبّ الأبناء على قلبه.

سلّم الرئيس صهره ملفّات عديدة وملتهبة. فهو الذي تولّى مثلاً ملف “تفاهم مار مخايل” مع حزب الله. لم يتنازل للحزب في حينه، فهو عاند في نقطتين جوهريّتين، وحين ظنّ مفاوضُ الحزب أنّه اقتنع بتجنّبهما، فاجأهم بوضعهما في البيان الختامي، وبينهما بندُ تصويت المُغتربين الذّي أدى في الانتخابات الأخيرة الى قلبِ جُزء من المعادلة ضدَّ الحزب. وقبلَ أن يوقّع التفاهم وبعده، ذهب باسيل لعند القوّات اللبنانية محاولاً اقناع قائدها سمير جعجع بأن هذا لمصلحة المسيحيّين، لكن جعجع لم ولن يقتنع.

يُحاربُ باسيل على كلّ الجبهات. يوسّع دائرة الخصومات حتى مشارف حافة الهاوية، لكنه لا يسقط ويستعيد الوهج. تفاهَم ثم تحارب مع القوات اللُبنانيّة، فلم تنجح في إضعافه. تفاهم ثم تخاصم مع سعد الحريري، غادر رئيس تيار المُستقبل الحياةَ السياسيّة (لأسباب سعوديّة) وبقي جُبران يُمارس مع عمّه الرئيس لُعبة اخضاع كل رؤساء الحكومات. تفاهم في الجبل مع وليد جنبلاط ثم كاد يُقتل في إحدى رحلاته الى الجبل. حاول التقارب مع رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، لكن سرعان ما اكتشف أنّه نهرٌ أمام محيط قد يبتلعه بدهائه السياسي، وتشعّب علاقاته، وبتنافره مع عون، وتبنّيه زعيم المردة سليمان فرنجيّة.

باسيل مسيحيّ حتّى النُخاع. ومن لا يفهم ذلك، لن يستطيع الولوج الى عقله وقلبه. هو مسيحيٌّ حتّى لو ذهب لُبنان الى حدّ الفدراليّة الأوسع مما نصّ عليها الطائف. نصّب نفسه مُدافِعًا عمّن بقي من مسيحيّي لُبنان والشرق. وحين يزور دمشق قريبًا لن يوفّر المُناسبةَ للحديث عن مأساة رحيل أتباع السيد المسيح عن أرض ولادته، وجغرافيا انتشار تعاليمه الأولى. يقول القريبون منه إنّه غالبًا ما يؤكّد على ما يصفُه بالإجحاف الذي لحق بالمسيحيين منذ عقود، ويردّد:” أنظروا ما يريدون أن يفعلوه بنا”.

اسرار الصدام مع الحزب

باسيل مُعاند حتّى الصدام، لا فرق إن كان الجالسُ أمامَه، خصمًا أو حليفًا. في آخر جلسة مع أمين عام حزب الله، حيّر مضيفه الذي لم يعدم وسيلةً أو حجّة لإقناعه بسليمان فرنجية، لكن دون جدوى.

علّل نصرالله هذا الخِيار بالأسباب الاستراتيجية الكُبرى، فكان جوابُ باسيل :” نحن تيّارٌ اصلاحيّ، كنّا وسوف نستمرّ به، وسليمان فرنجيّة لم يُبرهن يومًا على رغبة بالإصلاح، فهو فشل فشلاً ذريعًا في وزارتيّ الداخلية والصحّة، ودخل في صفقات ومساومات، فكيف تُريدُنا أن ندعمه”.

قال نصرالله:” أنا الضمانةُ، وتعرف أنّنا صادقون في الضمانات، فلنضَعْ سويًّا مشروعَنا الإصلاحيَّ، وأنا ضامنٌ تنفيذَه، لا بل إنْ شئتَ سنُعيّن مُستشارًا الى جانب سليمان بك في الرئاسة للإشراف على التنفيذ”

أجاب جُبران إنْ لا ثقةَ بفرنجيّة وأنّنا جربناه أكثر من مرّة.

كظم السيد غضبَه، وأكمل المحاولة، فهو يُدرك أنّ هذا التحالف العضويَّ مع التيّار يُشكّل غطاءً مسيحيًّا ضروريًّا لاستراتيجية الحزب، ولوأدِ الفتن في الداخل اللُبناني، وأنّه ضروريٌّ أيضًا للتيار الوطني كي لا يُبتلع من قِبَل خصومه.

قال نصرالله:” لا أريد منك جوابًا اليوم، فكّر في الأمر يومًا أو يومين أو المدّة التي تُريد. فهذه المسألة بحاجة الى جلساتِ حوارٍ كثيرة، وكما تعلم نحن ابعدنا سليمان بك 3 مرّات عن الرئاسة، وانت وهو بالنسبة لنا عينين لا نفرّق بينهما، لكن حان وقتُ تولّيه هذه المسؤولية “.

عاند جبران باسيل، وكسّر المُحرّمات. لم يكن قد مضى على اللقاء 24 ساعة، حتى فتح نارَ تصريحاته على فرنجيّة، ثم لاحقًا على الحزب نفسه. حرّك الساحة اللُبنانية كما لم تتحرّك منذ بداية الاستحقاق. استفزَّ الجميع. أثار خِذلانًا كبيرًا عند الحزب. استخدم كلماتٍ جارحةً حول عدمِ الوفاء والصدق. اضطُر الحزب لإصدار بيانٍ يُقال إنَّ نصرالله صاغه بنفسه، لا بل يُقال أيضًا إنّه حين سعى البعض للتخفيف من لهجته، أصرّ كاتبُه على الصياغة الأولى.

كان من المُفترض أن تذهب كتلة نواب حزب الله لزيارة ميشال عون في الرابية بعد انتقاله إليها مؤخّرًا، أحجمت عن ذلك استياءً. تم تسريبُ أجواء تُفيد بأنّ الحزب وحلفاءَه قادرون على إيصال رئيسٍ بلا باسيل. أُحصيَ ما بين 67 و69 صوتًا مؤكَّدًا. اتّصل باسيل برئيس لجنة الارتباط والتنسيق في حزب الله الحاج وفيق صفا. سأله صراحةً:” هل أنَّكم فعلاً تُفكّرون بإيصال رئيس بدوني؟”، ضحك صفا المغتاظ ُمن باسيل بقدر اغتياظ الثاني منه، وقال:” وهل هذا يمنعك من الاتّصال وتحديد موعد مع السيّد؟”.

قلب باسيل الطاولة على الجميع، وسّع إطار اتصالاته، الخارجيّة والداخليّة، من فرنسا وقطر ( وغيرها سرًّا) إلى نبيه برّي ونجيب ميقاتي ووليد جنبلاط وسليمان فرنجيّة نفسه وأطراف أخرى قد يُفاجئ الجميع بالإعلان عنها لاحقًا. توازى كلُّ ذلك  مع جهدٍ قطريٍّ لافت لتمويل مكاتب المحاماة الأميركية العاملة على رفع العقوبات عن رئيس التيّار، وذلك بالرَّغم من أنَّ دافيد هيل المسؤولَ الأميركيَّ السابق الذي زار لُبنان مُؤخّرًا، حرِص على إفهام مضيفيه، أنّ هذه المسألة مُعقّدة جدًّا وليس لها أيُّ علاقة بترسيم الحدود البحريّة الذي عمل باسيل جاهدًا على قطف ثماره بدلاً من الرئيس برّي.

لم ولن يشذّ باسيل عن قواعدَ ثابتةٍ في طِبَاعه. فهو دائمُ الحركة، حيويٌّ الى أقصى حدّ، ينام ساعاتٍ قليلةً، ولا يتردّد في ارسال رسالة عبر الواتساب لشخصٍ ما عند الثالثة فجرًا. غالبًا ما يعتذر من زوجته شانتال لأنَّه يعيش في الفنادق أكثرَ من المنزل. وحين تولّى وزارات، أثار نقمة العاملين فيها، لأنّه كان دائم التأنيب والتقريع، حتى لبعض السفراء والقناصل في وزارة خارجيّته آنذاك أو في الخارج.

لا بأس أن يقولَ الشيءَ وعكسَه. هذا ليس من باب الخطأ، وإنما للاستفزاز ولتمرير الرسائل. فتارةً يدعم الحوار السياسي في سوريا وبقاء بشّار الأسد، وتارةً أخرى يرفع لوحة جلاء الجيش السوري عن لُبنان في نهر الكلب. ثم يُلقي خطابًا ناريًا ضدَّ إسرائيل في جامعة الدول العربيّة، قبل أنْ يقولَ في مقابلة متلفزة إنَّ الخلاف مع إسرائيل ليس ايديولوجيًا.

بين ملفاته الكثيرة، وعائلته، وبعض الساعات في ممارسة رياضة كرة القدم، وبين بيروت الضروريّة، والبترون المصيريّة، يُمضي باسيل أيامه حاليًّا، وهو يُدرك أنّه حجرُ الرَحى ولولبُ الحركة وبيضةُ القبّان في اختيار الرئيس المُقبل. صحيحٌ أنّه كان وما زال يشعُر بأنَّ الثنائي بري-جنبلاط أراد منذ وصول ميشال عون الى الرئاسة إعاقة كلّ امكانيّة للنجاح، لكنّه غالبًا ما يقول كلامًا مادِحًا بتيمور جنبلاط ويعتقد أن احتمال التعاون الواسع معه قائم.

لو أحصينا عدد المقالات والتصريحات والتعليقات والتغريدات الدائرة حول جبران باسيل مع نهاية هذا العام، نُدرك دون جُهدٍ كبير أنّه ملأ لُبنان وشغل ناسَه، حتّى ولو أن جزءا لا بأس به من اللُبنانيّين يحمّله وعمِّه، مسؤوليةَ كُبرى عمّا وصلت اليه البلاد. وبذلك يستحقّ باسيل أن يكون رجلَ العام اللُبنانيّ بامتياز، تمامًا كما يستحق المبعوث الاميركي لملف الترسيم آموس هوكستين لقَب رجل العام الدولي في لُبنان بعد نجاحه في اقناع لُبنان وإسرائيل بالاتفاق الذي كان باسيل أيضًا التقى به سرًّا على الأقل مرّتين في ألمانيا وفرنسا قبل الاتفاق.

هل ينجح باسيل هذه المرّة، أم أن حياتَه وليس فقط مشروعَه صارا على حافة الخطر الكبير؟  سيستمر بالمغامرة حتّمًا. أليست حَكمتُه الدائمة :” إفعل ما أنت مقتنعٌ به، واقتنع بما تفعل..”

سامي كليب - موقع لعبة الأمم

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا