رهان على تحرّك برّي.. وتحذيرات من "الوجع الكبير"
الاقتصاد إلى مزيد من الانهيار، والدولار يتقلّب على جمر النار، والمؤشّرات المالية والاجتماعية والمعيشية تنذر بكوارث ودمار، فيما العقول السياسية ثابتة في مسار شيطاني ركّزت البلد على سكة الإنحدار، فلا مبادرات جدّية ولا حوار مسؤولًا يصوّب المسار نحو تسوية داخلية تخرج الملف الرئاسي من قمقم التعقيدات لإنقاذ دولة تتآكل وتتداعى، خزينتها مفلسة، ووزاراتها مشلولة، واداراتها باتت تتسول وتستجدي من يمدّها بالمعونات.
هذا المشهد الكارثي، آيل لأن يتفاعل اكثر، على ما تؤكّد مصادر سياسية لـ«الجمهورية»، «فلا شيء في الأفق السياسي يبشر بانفراج وشيك، فالجمود تام، والجميع في عطلة، ولا كلام رئاسياً او حكومياً، ما خلا تقطيع وقت، فضلًا عن انّ مكونات الانقسام السياسي حسمت خياراتها بالسير عكس التيار التوافقي، وحبست نفسها في مربّع التعقيدات».
وفي هذه الاجواء سألت «الجمهورية» مرجعًا مسؤولًا عن تطورات الملف الرئاسي، فسارع إلى القول: «مطرحك يا واقف، لا كلام بالرئاسة ولا بغير الرئاسة، «ما في شيء ابدًا» كل شيء مؤجّل إلى السنة الجديدة».
وعمّا يحكى عن مبادرات، ولاسيما من قبل «التيار الوطني الحر»، قال المرجع: «نحن مع كل ما من شأنه ان يؤدي إلى توافق على رئيس، ولكن ليس المهم كثرة المبادرات او من يقوم بهذه المبادرة، فقبل كل شيء ينبغي ان تتوفر إرادة التوافق والنوايا الصادقة ببلوغه وإعلاء مصلحة البلد على كل المصالح السياسية والحزبية، ودون ذلك لا يتعب احد نفسه .. والله يا جماعة صار وضعنا بِبَكّي .. الله يعين الناس».
على انّ مصادر سياسية واسعة الاطلاع أبلغت إلى «الجمهورية» قولها، انّها على الرغم من الأفق المسدود، فإنّها تلمح نافذة امل، وقالت: «المشهد الداخلي أمام مراوحة مفتوحة في دائرة السلبية، الّا إذا نجحت المحاولة الاخيرة لكسر حلقاتها، التي يُنتظر ان يقوم بها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وخصوصًا انّه اعلن انّ الشغل الجد، سيبدأ اعتبارًا من مطلع السنة الجديدة».
وإذا كانت اجواء الرئيس بري تؤكّد انّه ليس بصدد تكرار الدعوة إلى حوار بين المكونات الداخلية، على اعتبار انّ عناصر هذا الحوار غير مكتملة جراء عدم تجاوب «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» مع هذا المنحى، فإنّ في أجندة رئيس المجلس افكارًا لكسر حلقة التعقيد، منها عقد جولات من المشاورات الثنائية مع الكتل النيابية والتوجّهات السياسية.
واكّدت مصادر موثوقة لـ«الجمهورية»، انّ الرئيس بري، قرّر ان يحفر جبل التعقيدات ولو بإبرة، ويراهن في محاولته هذه، على انّ استفاقة سياسية شاملة تقارب الأزمة بمسؤولية وتكسر الواقع التعطيلي القائم، وخصوصًا انّ ما استتبع هذا التعطيل من تداعيات على اكثر من صعيد، زادت من مخاطر الأزمة وأعبائها على اللبنانيين، يفترض انّه يحفز الاطراف السياسية على أن تتعمق في قراءة وضعنا الكارثي، وان يتحمّل كل طرف مسؤوليته في الشراكة في إحداث اختراق في الجدار الرئاسي المسدود، يفضي إلى توافق على انتخاب رئيس للجمهورية، حيث لا سبيل لإنهاء الأزمة من دون هذا التوافق، والّا فإنّ لبنان سيبقى غارقًا في مشهد سوداوي مفتوح، وبمعنى اخطر، مشهد أقرب إلى ساحة للتداعيات والمصاعب التي فقد اللبنانيون طاقتهم على تحمّلها.
على انّ ما يزيد من سوداوية المشهد، هو أجراس الخطر التي تواظب المؤسسات المالية الدولية على قرعها، وآخرها ما تبلّغته مستويات اقتصادية مسؤولة من تحذيرات وصفت بالأكثر من جدّية هذه المرّة، من انّ لبنان سيقبل على وجع كبير جدًا اعتبارًا من بدايات السنة الجديدة، ما لم يسارع المسؤولون فيه إلى إعادة ترتيب واقعه السياسي بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة على وجه السرعة، تباشر فورًا في خطوات التعافي والانقاذ. حيث ورد في هذه التحذيرات ما حرفيّته: «امامكم فرصة ضيّقة جدًا يمكنكم خلالها من تجنّب الوجع غير المحتمل الآتي عليكم. والإجراء الأقرب امامكم هو إتمام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، حيث لا سبيل غيره امام لبنان. ويؤسفنا إبلاغكم بأنّ وضعكم الحالي تخطّى حدود الانهيار، وخرج من دائرة التصنيفات السلبية، وصرتم في مرتبة حرجة جدًا ودون الصفر بمراحل، حيث بات بلدكم اقرب من اي وقت من ان يُصنّف بدولة فاشلة».
في موازاة هذا المشهد، تبدو السلطة السياسية مقيّدة غير قادرة على مجاراة الانهيار. وكشفت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية»، انّ التلاعب الاخير بسعر الدولار والقفزات الكبيرة التي سجّلها أربكا الطاقم الحاكم، الامر الذي دفع أحد كبار المسؤولين إلى استطلاع رأي بعض الاقتصاديين ورجال المال، حيث بدا وكأنّه يستجدي حلًّا للأزمة المستعصية، ونقل عنه قوله: «نشعر اننا امام قنبلة موقوتة، قولوا لنا ماذا يمكن ان نفعل، لقد أقفلت السبل في وجهنا، ولا نعلم ماذا يجري بالدولار، ومن يتلاعب به، فجأة ارتفع الدولار 5 آلاف، ثم بعد تعميم مصرف لبنان هبط 4 آلاف، وفي اقل من ساعتين عاد وارتفع 2500 ليرة، وكانت كلفة ذلك إضاعة نحو 50 مليون دولار. اعترف بصراحة اننا لسنا قادرين على لجم الدولار، والمصرف المركزي عاجز عن احتوائه، ولا حل جاهزًا في ايدينا، فهل من سبيل إلى ذلك.. دلونا ما العمل؟!».
وفي هذا الإطار، قالت مصادر اقتصادية لـ«الجمهورية»، انّ «اسباب الانهيار المالي وارتفاع الدولار متعددة، أولها عدم الاستقرار السياسي وتعطّل انتخاب رئيس للجمهورية وغياب حكومة قادرة على اتخاذ القرارات والقيام بالخطوات العلاجية اللازمة والضرورية. وثانيها، وهنا الأساس، هو التهرّب من المسؤولية، وتعطيل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، والتغييب المتعمد لخطة التعافي، والتمييع المتكرّر لمشروع الكابيتال كونترول. وهنا لا نستطيع ان نلوم احدًا، وخصوصًا المؤسسات المالية الدولية التي لطالما حذّرت من انّ لبنان سيعاني وجعًا كبيرًا تسبب به المسؤولون فيه، ويتهرّبون من إيجاد العلاجات اللازمة له. فلا عذر امام الحكومة في تأخير خطة التعافي، كما لا عذر على الإطلاق للنواب في تأخير البت في مشروع الكابيتال كونترول، وخصوصًا انّ دولًا عانت الأزمة مثل لبنان وربما بأكثر خطورة مثل سيريلنكا والباكستان وغانا، ومع ذلك سارعت إلى خطط التعافي وإقرار الكابيتال كونترول في غضون اسابيع، بينما نحن في لبنان مضت ثلاث سنوات ولم يخرج البحث في موضوع الكابيتال كونترول عن التعطيل والمماحكة والمماطلة والتسويف، وهو ما يضع الجميع في خانة الاتهام والتآمر على لبنان».
إلى ذلك، وفي سياق الحديث عن خطة التعافي، علمت «الجمهورية» انّ خطة التعافي والتوازن المالي سلكت طريقها إلى المجلس النيابي منذ ايام قليلة، وثمة اقتراحان نيابيان بهذا المعنى قد وقعّا، وتمّت احالتهما إلى لجنة المال والموازنة النيابية لدراستهما والبت فيهما. وقالت مصادر اقتصادية لـ«الجمهورية»، انّ هذه الخطوة بالغة الأهمية، حيث أنّها تضع قطار العلاج على السكة، الّا إذا كان مصير هذين الاقتراحين كمصير الكابيتال كونترول الذي يراوح بالمماطلة والتسويف في اللجان النيابية المشتركة، فساعتئذ يمكن القول انّ على خطة التعافي والإنقاذ المالي السلام.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|