هل ينجح نتنياهو في امتحانات بايدن الصّعبة فيسقط من سجلّات حُكّام إسرائيل؟
قد يكون طبيعياً جدّاً أن يراقب العالم والمنطقة انعكاسات التغيُّر السياسي الأخير في إسرائيل على الملف النووي الإيراني، وعلى ملفات الاستيطان، وعملية السلام مع الفلسطينييّن، واستكمال "المسار الابراهيمي" من السلام مع الدول الخليجية والعربية، وغيرها من الأمور.
تحدّيات
ولكن ماذا لو اختلف المشهد هذه المرّة، ونقلت الحكومة الإسرائيلية الجديدة الحدث الى الدّاخل الإسرائيلي، والى مستقبل العلاقات الإسرائيلية - الإسرائيلية، والإسرائيلية - الأميركية، بوجود يمين متطرّف وشديد التطرُّف في الحُكم الإسرائيلي، بموازاة الاضطّرار الى تقديم تنازلات حول القيم "التوراتيّة" التي تشكّل عصب الحياة لإسرائيل، ولمبدأ وجود إسرائيل، وذلك كرمى للولايات المتحدة الأميركية، وللقِيَم الديموقراطية وحقوق الإنسان بمفهومها الأميركي، والتي تقوم على تشريع كل ما يتعلّق بالمثليّة الجنسية، وبغيرها من الأمور الحسّاسة المرفوضة توراتياً، والتي تشكّل تحدّيات جديّة لإسرائيل خلال السنوات الأخيرة.
الرّجل الثالث
ما يبدو صاعقاً في المشهد الإسرائيلي الأخير، ليس التهديدات التي قد نسمعها تجاه إيران، بل الإعلان عن انتخاب رجل مثليّ (الوزير السابق أمير أوحانا) كرئيس جديد للكنيست الإسرائيلي، وهو أوّل مثليّ يتولى المنصب في تاريخ الدولة الإسرائيلية.
فأوحانا لم يَعُد أوّل مثليّ يشغل منصباً وزارياً في إسرائيل، كما كان عليه الحال قبل أعوام، بل انه أصبح الرجل الثالث في الدولة هناك، بعد الرئيس الإسرائيلي، ورئيس الحكومة الإسرائيلية، وهو مثليّ.
سجالات
هذا فضلاً عن أن ما قد يشكّل حدثاً في إسرائيل، في المستقبل القريب، ليس الحديث عن اتّفاقية سلام مع السعودية مثلاً، بل مستقبل النّقاشات والسّجالات التي تدور هناك حول مدى تأثير الشرائح الدينية الإسرائيلية المتشدّدة على مستقبل العلاقات بين تل أبيب وواشنطن، وبينها وبين الدول الديموقراطية في العالم، وحول مدى قدرة تلك الشرائح على تخريب شروط حصول تل أبيب على المساعدات الاقتصادية والعسكرية... التي تحصل عليها من دول عدّة حول العالم. وهو ما يهدّد بصراعات شديدة داخل المجتمع الإسرائيلي مستقبلاً، لا سيّما أن تلك النّقاشات مدعومة من جاليات يهودية ناشطة، سواء في الولايات المتحدة الأميركية، أو أوروبا، أو غيرها من البلدان.
أمر آخر أيضاً، يشكّل مشهداً جديداً في إسرائيل حالياً، وهو أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وهو "صديق" الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد لا يكون قادراً على إغضاب الولايات المتحدة الأميركية في الملف الأوكراني، وحتى إنه قد يجد نفسه مُجبراً على الانتقال الى الضفّة الأميركية على هذا الصّعيد، وعلى التخلّي عن سياسة الحياد التي اعتُمِدَت إسرائيلياً خلال الأشهر السابقة، في كلّ مرّة قد ترغب فيها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بـ "امتحان" مدى أمانته (نتنياهو) لواشنطن، على حساب صداقته لبوتين، وللرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
وهذا الواقع من التحدّيات الكبيرة لحكومة نتنياهو مستقبلاً، وللعلاقات الأميركية - الإسرائيلية بحسب بعض المراقبين، وذلك رغم التحالف الاستراتيجي القائم بين الطرفَيْن، والذي يجعل من إسرائيل ولاية أميركية في الشرق الأوسط.
ورأى العميد المتقاعد الدكتور محمد رمال أن "الحكومة الإسرائيلية الجديدة تعكس المأزق الداخلي في إسرائيل، والذي بدأت ملامحه تتبلور منذ ما قبل الانتخابات الأخيرة".
وأشار في حديث لوكالة "أخبار اليوم" الى أن "الحملات الانتخابية للانتخابات الأخيرة هناك تزامنت مع الاتّفاق على ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، الذي استُعمِل في السجالات الداخلية الإسرائيلية من باب التفريط بحقوق إسرائيل، والخضوع لشروط "حزب الله"، وعَدَم القدرة على القول لا للأميركيين الذين كانوا يديرون المفاوضات غير المباشرة. وفي تلك الفترة، برز الانقسام الداخلي في إسرائيل بوضوح".
الترسيم؟
ولفت رمال الى أن "المجتمع الإسرائيلي الحالي يميل الى التشدُّد في ما يتعلّق بمصالح إسرائيل، وقد يرى أن حكومة نتنياهو الجديدة تلبّي تطلّعاته المستقبلية والعقائدية. وبالتالي، لا يمكن الرّهان على أن هناك تحوُّلاً في هذا المجتمع باتّجاه رفض سياسة اليمين واليمين المتطرّف، لا سيّما بعدما خاض نتنياهو حملته الانتخابية الأخيرة على قاعدة اتّهام رئيس الحكومة السابق يائير لابيد بأنه يفرّط بحقوق إسرائيل".
وأضاف:"الرّغبة بمزيد من التشدُّد تعود أيضاً الى أن السياسة الإسرائيلية العامة باتت ترى الاهتمام الأميركي بمناطق أخرى حول العالم، وهو ما يجعل تل أبيب تشعر بالحاجة الى تشدُّد أكبر لتحقيق مكاسب تعتقد أنها تخسرها بالدّيبلوماسية، ولإعادة فرض موازين قوى جديدة في الشرق الأوسط. ومن هذا المُنطَلَق، يُعطي التشدُّد سلطة معنوية وتنفيذية للمراجع الدّينية في إسرائيل، وهي سلطة معروفة التوجّهات، من مثل اعتماد سياسة عنيفة تجاه الفلسطينيّين، وربما إعادة النّظر باتّفاق الترسيم البحري غير المباشر مع لبنان، وذلك إذا اعتبر اليمين المتطرف أنه لم يَكُن لمصلحة إسرائيل".
حكومة جديدة
وأكد رمال أن "الإدارة الأميركية تتعامل مع الواقع الاسرائيلي القائم، أيّاً كان. ولكن قد يشهد هذا الواقع بعض التجاذبات أحياناً، في ما لو رأت إسرائيل أن الولايات المتحدة تقوم بتحرُّكات سياسية في المنطقة قد لا تنسجم تماماً مع السياسة الإسرائيلية، فيما أميركا بدورها قد تشعر أحياناً بأن إسرائيل تعرقل أو تؤثّر سلبياً على الخيارات الأميركية الاستراتيجيّة في المنطقة، سواء على صعيد إيران، أو لبنان، أو سوريا، أو غيرها. ولكن التجاذبات كانت تحصل دائما في كل العهود الرئاسية الاميركية، وأياً كانت هوية الحكومة الإسرائيلية ورئيسها".
وختم:"احتمالات أن يقوم المتشدّدون في إسرائيل بتقديم أوراق لواشنطن على حساب القِيَم العقائدية الإسرائيلية، قد لا تنجح في إسرائيل. فعندما نتحدّث عن اليمين المتطرف، نتحدّث عنه بشقَّيْه السياسي والديني. وبالتالي، إذا كانت الحكومة الإسرائيلية الجديدة جديّة في تقديم تسهيلات سياسية أو اجتماعية للأميركيين، فستسقط السلطة السياسية فيها (إسرائيل) بمواجهة مع تلك الدينية. ومن غير المرجَّح أن تتحمّل إسرائيل هذا النّوع من الصراعات الداخلية، لأنه في تلك الحالة، من السّهل جداً أن ترفع السلطة الدينية الغطاء عن السلطة السياسية، وهو ما سيجعل إسرائيل أمام أزمة سياسية جديدة، قد تستدعي إجراء انتخابات جديدة، وتشكيل حكومة جديدة".
أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|