المجتمع

لبنان: أدوية سرطان مزوّرة تُحقن في أجساد الأطفال ولا محاسبة!

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

"درج":  جنى بركات - صحافية لبنانية

ليست المرة الأولى التي تدخل فيه أدوية الى لبنان بطريقة غير شرعية، أي من دون الحصول على الموافقة الوزارية أو مباشرة عبر الوكيل. في موازاة احتكار موزّعي الأدوية وأصحاب الصيدليات الأدوية في المستودعات، بانتظار قرار رفع الدعم الكلي عنها وتحقيق مكاسب مادية على حساب المواطنين.
طبخة دواء سرطان مزوّرة Methotrexate 50mg، كادت تودي بحياة أربعة أطفال بين 5 و15 سنة في أحد مستشفيات جبيل نتيجة تسمّم دموي. الدواء دخل إلى لبنان بطريقة غير شرعية، أي من دون علم وزارة الصحّة أو وكيل الشركة المستوردة، وفق التقرير الصادر عن وزارة الصحة الذي نصّ على سحب الدواء  فوراً من الأسواق. 

 

المستشفيات تتنصّل من المسؤولية 

الميثوتريكسات 50mg يُستخدم للعلاج من السرطان، الروماتيزم، وأمراض المناعة الذاتية، بنوعيْه: الأوّل حبوب ويباع في الصيدليات (Methotrexate 2.5 mg) بوصفة طبيّة، والثاني حقن Methotrexate 50    mg توزّع على المستشفيات، وهو الذي تسبّب بمضاعفات صحيّة على الأطفال، وفقاً لما قاله النائب والطبيب المتخصّص بالأمراض الجرثومية في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت عبدالرحمن البزري.

حصلت الواقعة مع الأطفال الأربعة في أواخر تشرين الأوّل/ أكتوبر، لكن منظّمة الصحة العالمية (WHO) ووزارة الصحّة اللبنانية أصدرتا التحذير في 27 و28 كانون الأول/ ديسمبر 2022، أي بعد شهرين من الحادثة. 

أبرز العوارض التي ظهرت على الأطفال كانت ارتفاع حرارة أجسامهم بعد ساعات من تلقّيهم الحقنة، كما يوضح الطبيب المختص بالأمراض السرطانية للأطفال في مستشفى القديس جاورجيوس (مستشفى الروم) بيتر نون، لـ”درج” نيابة عن الأهالي الذين رفضوا التحدّث نتيجة الضغوطات النفسية.

في حال ارتفاع حرارتهم، يكون على الأطفال المصابين بالسرطان التوجه مباشرة إلى أقرب قسم طوارئ، نظراً إلى انخفاض مناعتهم ودقة وضعهم، وهو ما فعله الأطفال الأربعة. 

في الطوارئ، أجريت لهم فحوص ليتبيّن أنّهم مصابون بالتهاب في الدم، علماً أنهم كانوا تلقوا الجرعة من الدواء ذات الطبخة المزورة في اليوم نفسه وبرزت العوارض عليهم. لذا، النتيجة كانت أنّ المضاعفات متعلّقة بالدواء، ويرجّح نون أن هذه الطبخة تعرّضت لبكتيريا أثناء تركيب الدواء في المختبر. 

وأكد نون لـ”درج” أن الدواء لم يكن متوافراً في الأسواق خلال الفترة الماضية، ما دفع الأهالي إلى تأمينه من الخارج. وبعد الحادثة، أصبحت المستشفيات تطلب من الأهل توقيع وثيقة رفع مسؤولية عن المستشفى في حال إصابة المرضى بعوارض جانبية، وبذلك أصبح الأهالي مجبرين على تحمّل مسؤولية أي عوارض جانبية في حال شراء الدواء من الخارج. 

وأوضح نون أن مصدر هذه الدفعة غير معروف حتى الآن، وقد لا تكون الدفعة الأخيرة طالما أن الدواء آنذاك لم يكن متوافراً في الصيدليات. وهذا الدواء ليس الوحيد المقطوع، فمرضى السرطان في لبنان يعانون من نقص حاد في الأدوية ولم يستجب أحد لاستغاثاتهم. 

تحسّنت حالة الأطفال الأربعة بعد تلقّيهم أدوية الالتهاب في المستشفى، وهم اليوم في منازلهم ويركزون على علاجهم، وفق نون، إلا أن لا شيء يضمن أن تكون هذه المأساة الأخيرة ولا شيء يحمي مرضى آخرين من أدوية مزوّرة تهدد صحتهم وحياتهم.

كيف وصل الدواء؟ 

في الفترة الماضية، تعذّر على اللبنانيين تأمين الدواء من الصيدليات نتيجة الأزمة الاقتصادية المستمرّة منذ أواخر عام 2019، فكان لا بدّ من إيجاد حلّ خصوصاً لأصحاب الأمراض المزمنة، وقد لجأ البعض إلى تأمين أدويتهم بأنفسهم من خارج لبنان من دون التنبّه الى دقة التركيبة أو كيفية الاستخدام والعوارض الجانبية. 

لا صيغة واضحة حول الأدوية المهرّبة في القانون اللبناني، فهي تسمّى كذلك في حال عدم مرورها عبر وزارة الصحّة أو شرائها مباشرة من وكلاء الأدوية، وفق البزري. فمن المرجّح أن تكون هذه الحالات الأربع، أي الأطفال الذين أُصيبوا بعوارض جرثوميّة إثر أخذ الدواء، قد حصلت عليه من خارج لبنان لفقدانه محلياً. 

وللتأكّد من وجود الدواء في لبنان، اتصل فريق عمل “درج” بصيدليات عدّة وكانت الإجابة: “مقطوع من فترة”. 

الحقن من الميثوتريكسات 50mg يجب أن تؤخذ حصراً في المستشفيات، وفقاً للبزري، خصوصاً أنّها تُستخدم للأمراض السرطانية والمزمنة، ويمكنها أن تُسبّب عوارض جانبية جديّة على الأطفال، وهذا ما حصل فعلاً وأدّى إلى تحرّك بعض الأطباء السريع حيال الموضوع. 

في هذا الإطار، يوضح نقيب الأطباء، شرف أبو شرف لـ”درج”، أن أطباء الأمراض الجرثومية هم الذين تنبهوا لإصابة الأطفال الذين تلقّوا الدواء بالجرثومة الناتجة من الحقن، فأبلغوا وزير الصحّة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض بذلك، وبدوره تواصل مع منظّمة الصحّة العالمية وأطلعها على مخاطر الدواء على الأطفال. 

عقب هذا البلاغ من الوزارة، أصدرت المنظّمة إنذاراً حول الدواء وضرورة عدم استخدامه، وتبيّن أنّ فحص المرضى إيجابي لبكتيريا “Pseudomonas aeruginosa“ الخطيرة عليهم بسبب تدنّي مناعتهم، وبالتالي يمكن أن تكون مهدِّدة للحياة، وفق موقع WebMD الطبّي. 

إلا أن تبليغ وزارة الصحّة “منظمة الصحة العالمية” لا يعفيها من المسؤولية، فهي مسؤولة عن مساعدة المرضى على تأمين أدويتهم وضمان سلامتها من أي شوائب أو تزوير، ولو كانت تقوم بدورها كما يُفترض، لما اضطر المواطنون إلى تحمّل هذه الأعباء والمخاطر.

التضارب بالمعلومات 

صحيح أن لكل دواء عوارض جانبية تختلف بين مريض وآخر، لكن مثل هذه الأدوية تُستخدم حصراً في المستشفيات لما لها من انعكاسات قد تكون خطيرة على المريض. إلاّ أنّ أزمة انقطاع الدواء وتقاعس السلطة عن تأمين الدواء للمواطنين، نتج منهما فوضى فأصبحت بعض الصيدليات تؤمّنه للمريض من الخارج على أن يدفع “فريش دولار”. 

كذلك، تواصل فريق “درج” مع إدارة إحدى أكبر الصيدليات في بيروت، التي أكّدت لنا توافر الدواء فيها وكلفته نحو 215 ألف ليرة لبنانية، أي ما يعادل خمسة دولارات بحسب سعر الصرف في السوق السوداء (أي كل دولار يساوي 45 ألفاً تقريباً). وقالت إدارة هذه الصيدلية أنّ وكيل Methotrexate 50mg في لبنان هو شركة Mediterranean Pharmaceutical Company (MPC، إلاّ أنّ الشركة أكّدت عدم استيرادها الحقن من هذا الدواء، بل الحبوب فقط. وبالفعل، يشير موقع الشركة الإلكتروني، أنّها توفّر الحبوب فقط لا الحقن. 
أمّا نقيب الصيادلة في لبنان جو سلّوم، فنفى في اتصال مع “درج”، أن تكون له أي مسؤولية، وفضّل العودة إلى وزارة الصحة في هذا الموضوع كونه أصبح في عهدتها مؤكداً عدم متابعته التفاصيل.

وفي حين أكّد وزير الصحّة فراس الأبيض، أنّ هذه الدفعة من الدواء لم تمر عبر وزارته نافياً دخولها بطريقة غير شرعية، تبيّن لـ”درج” أن الحقن من الدواء متوافرة في صيدلية مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، التي استلمته من وزارة الصحّة على شكل هبة ولا تبيعه إلى الخارج، إنما تستخدمه لمرضاها فقط، وفضّل المصدر الطبي في المستشفى عدم ذكر اسمه لأسباب إدارية. كما أن الحقن موجودة في الصيدلية التي تواصلنا معها في بيروت. 

رداً على ذلك،  قال الأبيض لـ”درج” أن الطبخة المزوّرة تكمن في دفعة من Methrotrex 50mg وتركيبته التي وصلت بطريقة غير شرعية. لكن “درج” تواصل مرة أخرى للتأكّد من أنّ هذا الدواء متوافر في إحدى صيدليات بيروت وفي صيدلية مستشفى الجامعة الأميركية، وكانت الإجابة بالإيجاب. 

البزري يشرح أنّ هناك شركة لبنانية مصنّعة لحقن methotrxate 50mg وبسعر منافس، معتبراً أن هذا الدواء من الأقل كلفة مقارنة بالأدوية المزمنة والكيماوية الأخرى، ومعبّراً عن استغرابه لعدم شرائه مباشرة من لبنان. كما رفض البزري الإفصاح عن أسماء المستشفيات التي أصيب فيها الأطفال بالجرثومة الخطيرة. 

وألقى البزري اللوْم على الدولة وخططها السياسية والاقتصادية “الفاشلة” التي أجبرت المواطنين على البحث عن بديل، بلا تتبّع الجهات المختصّة لكيفية تخزين الدواء ضمن الشروط المطلوبة كالحرارة ومدّة التخزين وطريقة الاستعمال الدقيقة. 

صيدلية أخرى في ضواحي بيروت لفتت الى عدم توافر الدواء لديها، وأنه في حال أراد المريض الدواء فيجب الاحتفاظ بوصفة طبيّة موقّعة من الطبيب نفسه، من ثمّ التوصية عليه من الشركة المختصة، أي الوكيل، على مسؤولية المريض. وفي هذا الإطار، تواصل “درج” مع “منظمة الصحّة العالمية” عبر البريد الإلكتروني للاستفسار أكثر عن الواقعة، ووعدت برد سريع إلاّ أنّنا حتى اليوم لم نتلقَّ أي إجابة. وتواصلنا أيضاً مع الشركة الهندية Celon Labs المذكورة في تقرير وزارة الصحّة  وقيل فيها إنّ الطبخة التي وصلت الى لبنان مزوّرة، لكننا أيضاً لم نحصل على رد. 


لكن في الاطلاع على موقع الشركة الاكتروني (Celon Labs) المختصة بتطوير وتسويق المنتجات التي تخدم مجالات العلاج المتخصصة، بما في ذلك أورام الفم والحقن والعناية المركزة، تبيّن أنّ methotrexate موجود بمختلف أنواعه وعياراته أي في حبوب وحقن. 

 

ليست المرة الأولى التي تدخل فيه أدوية الى لبنان بطريقة غير شرعية، أي من دون الحصول على الموافقة الوزارية أو مباشرة عبر الوكيل. في موازاة احتكار موزّعي الأدوية وأصحاب الصيدليات الأدوية في المستودعات، بانتظار قرار رفع الدعم الكلي عنها وتحقيق مكاسب مادية على حساب المواطنين. 

مرضى السرطان هم الأكثر تضرراً من أزمة الدواء، ويتظاهرون باستمرار، ويرفعون أصواتهم كلّما سنحت لهم الفرصة. بين الحين والآخر، يتلقّون وعوداً فارغة بحلحلة معاناتهم، لكنهم يجدون أنفسهم أمام طريق مسدود، وكأنهم مجبرون على التعايش مع أوجاعهم. 

ومع استمرار التلاعب بسعر الدولار الأميركي في السوق السوداء مقابل انهيار الليرة اللبنانية، وخصام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حول مسألة رفع الدعم، ومع غياب المحاسبة القضائية الشفافة، تستمر بعض الشركات الوكيلة والصيدليات في استغلال الوضع الراهن وممارسة الاحتكار في السوق، وإجبار المواطنين على دفع مبالغ قد تكون طائلة للحصول على الدواء، لذا، إلى حين الوصول إلى حلّ، قد تستمر ظاهرة دخول الأدوية الى لبنان بطريقة غير شرعيّة وغير آمنة. 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا