"التيار" يعي عزلته ولا خيارات من دون استعادة قنوات التواصل
لا يترك رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل مساحة إلا يتحرك فيها من اجل كسر حال العزلة التي بلغها على المستوى الشخصي، وجرَّ اليها التيار بفعل خيارات وممارسات لا تلقى في الغالب رضى أو قبول "البرتقاليين"، ولا سيما القدامى منهم من خارج الباسيلية المستجدة على الساحة.
لكن الحركة، على كثافتها داخلياً عبر فتح قنوات تواصل مع عدد من القيادات السياسية وكان آخرها اللقاء مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، أو خارجياً عبر الاتكال على الدوحة لتعبيد الطريق دولياً، فهي لا تزال من دون بركة، عاجزة عن إحداث أي خرق لا على مستوى الاستحقاقات السياسية التي تستدعي من التيار موقفاً حاسماً كما هي الحال مع الاستحقاق الرئاسي او الملف الحكومي من باب جلسات حكومة تصريف الاعمال، ولا على مستوى المستقبل السياسي للتيار عموماً ولباسيل على وجه الخصوص.
عزلة التيار تتسع، بعدما ادت مواقفه وممارساته الى حال من العداء مع غالبية القوى السياسية، حتى ضمن الحلف الواحد. وقد ساهمت البرودة الحاصلة اخيراً مع "حزب الله" في تنامي الخلافات الداخلية، لا سيما مع رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، خصوصاً بعدما تأكد لباسيل تمسك الحزب بترشيح الأول واعتباره خياراً اول له حتى الآن.
لا تنجح سياسة باسيل الرامية الى شن هجوم على رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي مقابل مد جسور مع شخصيات تنافسية معه مثل النائب فيصل كرامي او غيره من الشخصيات السنية المخاصمة له، في خرق العزلة، بل تزيدها خصوصا انها لا تقوم على فتح التواصل البنّاء مع القوى التي لها كلمة فصل في الاستحقاقات الاساسية.
هذا الواقع لا يغيب عن المناقشات الداخلية لكوادر التيار وقياداته. واذا كان ظاهر التباينات الداخلية يقوم أساساً على المقاربات المتضاربة من العلاقة مع "حزب الله "و"تفاهم مار مخايل"، بعد خروج الخلافات الى العلن بين الجانبين، فإن باطن الامور وجوهرها ينحو في اتجاه الاستياء العارم الذي يسود اوساطاً "برتقالية" من استئثار باسيل بالقرار في الشأن الرئاسي، من دون الاخذ بالمقاربات الاخرى.
يعجز باسيل اليوم عن المواءمة بين هواجسه الرئاسية، وبين ما تمليه مصلحة التيار المأزوم مسيحياً وسياسياً. فهو يسعى الى اسقاط المعادلة الرئاسية القائمة اليوم على خيار من اثنين: إما فرنجية وإما قائد الجيش العماد جوزف عون. هو هاجس يسكنه ويعجز عن تجاوزه، تماماً كما عجزه عن ترشيح اسم يحظى بقبول التيار والوسط المسيحي، يحرج به القوى المسيحية الاخرى، ويتجاوز فيه عقدته الرئاسية، فيقدم مبادرة يكسر فيها الجمود والتعطيل، الذي يتهم به الافرقاء الآخرين، فيما هو يحمل مشعل صون الموقع الرئاسي الاول، ويرفض انتهاك صلاحيات الرئيس من حكومة مستقيلة تصرّف الاعمال.
يعي الوسط العوني ان طرح باسيل ليس قوياً او متماسكاً او حتى مقنِعاً. كما يعي ان باسيل عاجز عن كسر المعادلة. بدا عجزه من خلال رضوخه لمطلب الحزب بالتزام الورقة البيضاء في جلسة الانتخاب المقبلة، رغم ان مقايضة عدم تسميته لمرشح مع عدم مشاركة الحزب في الجلسة الحكومية المقبلة قد سقطت.
هو أعجز من ان يسمي مرشحاً جدياً، فيذهب الى طرح اسماء يدرك ان لا حظوظ لها بالوصول الى بعبدا. يملأ بها فراغ الوقت القاتل انتظاراً لتغير في المشهد الاقليمي او الدولي حياله، بعدما اقفلت الابواب الداخلية في وجهه.
بكركي سحبت يدها من التسمية عندما راجعها (باسيل) بالموضوع، و"القوات اللبنانية" تتحين فرصة استكمال العزلة للانقضاض على ما تبقّى من الحالة العونية. الهوامش تضيق اكثر ومنافذ الحل لم تعد كثيرة ما دام الصوت المسيحي مقفلاً.
ولا يغفل العونيون ان ما وصلت اليه حال التيار كان نتيجة تراكمات الاداء والممارسات والتحالفات، لكنهم في المقابل يرفضون تحميلهم كامل المسؤولية. هم يدفعون اليوم ثمن تلك السياسات ويدركون انها لم تترك لهم صاحباً واحداً او رصيداً لدى اي من القوى الاخرى. وعليه، فالمخرج بالنسبة اليهم يكمن في فتح قنوات التواصل مجددا مع القوى الاساسية المعنية بالاستحقاق الرئاسي، وفي مقدمها بكركي و"القوات اللبنانية"، متوقفين عند الاشارة التي اعطاها رئيس "القوات" سمير جعجع قبل ايام عن ترحيبه بطرح التيار، ما يمكن ان يمهد لفتح طاقة للكلام وفتح قنوات التواصل.
ولكن كيف الخروج من الحالة القائمة ما دام الوعي لخطورتها ودقتها موجودا، وهل من مبادرات على هذا الصعيد؟
يجيب النائب آلان عون عن هذا التساؤل بالقول ان العزلة لا يتحمل مسؤوليتها التيار وحده طالما ان هناك مقاربات مختلفة ليس بالضرورة ان تصب كلها في سوء النية او القصد بالاستهداف، خصوصاً ان موقف التيار من الشغور الرئاسي ومن جلسات الحكومة في ظله لا يلتقي مع بعض القوى الاخرى.
لا شيء مستحيلا في السياسة بالنسبة الى عون. فالتيار له وجوده وتمثيله وامكان مد الجسور يبقى قائما حتى مع الاطراف التي توقفت معها العلاقة، ويرفض منطق العزل لأي فريق له حضوره وحجمه على الساحة السياسية. والمطلوب في رأيه ان تُفتح قنوات التواصل والحوار من اجل الوصول الى ارضية مشتركة تتيح إحداث الخرق المطلوب.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|