المخاوف المسيحية تتصاعد: هل يقترب باسيل من "القوات"؟
يزداد الانقسام في المشهد اللبناني الداخلي في ضوء المقاربات المختلفة للقوى السياسية حول الاستحقاق الرئاسي والتسوية. ففي وقت لا يهتم الخارج أو لا يضغط للخروج من دوامة الفراغ باستثناء بيانات ومواقف تدعو الى إنجاز الاستحقاقات الدستورية والشروع في الاصلاحات، تتجه الأمور إلى مزيد من الاصطفافات ترفدها الخلافات الحادة والعجز عن الالتقاء على قواسم مشتركة والحوار لإخراج البلد من أزمته.
وقد بات واضحاً أن الجميع يراهنون على الحل الخارجي طالما أن التسويات القائمة على المحاصصة لم تعد تجدي في ظل الانهيار والوصول والافلاس. وإذا كان "#حزب الله" يركز في هذه المرحلة على رفض تدويل الأزمة، وفق الكلام الأخير لرئيس مجلسه التنفيذي، هاشم صفي الدين، الذي أعلن رفض معادلات الخارج التي تأتي لتحقق مصالحه، "وسوف تنتهي حينئذٍ مصلحة لبنان أمام مصالح الخارج"، إلا أن هذه المقاربة فيها الكثير من التناقض، إذ أن ممارسات الحزب نفسها ترهن لبنان للخارج من زاوية واحدة مرتبطة بمصالح مرجعيته الإيرانية.
تعطّل النقاش في الشأن الرئاسي على مستوى الداخل، فالمواقف السياسية المعلنة لدى مختلف الأطراف تقدم الملفات الخلافية، إلى حد لم يعد اي طرف يلتقي مع الآخر على وجهة للحل. وقد جاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى بيروت لتزيد من قتامة المشهد وتعيد التركيز على دور "حزب الله"في العملية السياسية الداخلية، فبقدر ما يدعو إلى الالتقاء والحوار والنقاش لتعزيز صمود لبنان أمام كل المتغيرات، وعدم تسليم زمام الأمر إلى الخارج، أعاد عبد اللهيان ربط الملف اللبناني بتطلعات إيران في المنطقة وإن كان أوكله إلى "حزب الله" كصاحب القرار في التسوية. وكان وزير الخارجية الإيراني واضحاً في موقفه حين سئل عن الشأن الرئاسي، وهو أبلغ وفق مصدر سياسي متابع، من التقاهم في بيروت أن يعودوا إلى السيد حسن نصرالله في النقاش المرتبط بالاستحقاق الرئاسي، بما يعني أن إيران حاضرة عبر الحزب في الملفات المطروحة.
ولعل ما لم يعلنه عبد اللهيان مباشرة، يتولى "حزب الله" صياغته وإخراجه، وللتأكيد ان طهران حاضرة في الساحة اللبنانية ولا تتنازل بلا مقابل. ومن الواضح أن هناك رسالة إلى الخارج تحت عنوان رفض تدخل الدول في الاستحقاقات، ومنها إلى المساعي الفرنسية لعقد لقاء رباعي في باريس لم يتحدد موعده بعد، ويجمع إلى فرنسا، الولايات المتحدة الأميركية والسعودية وقطر، فلا يمكن لأي بحث خارجي في الشأن اللبناني ولقاءات إقليمية ودولية أن تصل إلى نتائج من دون أن تكون إيران حاضرة، حتى لو اتفقت كل الدول على مشروع حل للأزمة اللبنانية. الأمر الآخر المهم في رسائل عبد اللهيان وإن كانت هادئة بلا تصعيد، هي منح الغطاء لـ"حزب الله" وتحصين موقعه في الداخل اللبناني، إلى امتداداته الإقليمية التي تشكل عناصر قوته. وعلى هذا لا تقدم مطالعة الحزب الجديدة حول الحوار والصمود ومنع التدخل الخارجي، ولا تؤخر في المشهد، فهو أكثر طرف يربط لبنان بالإقليم، وفق المصدر السياسي، بفعل تدخلاته في سوريا والمنطقة واستخدام فائض قوته، التي انعكست على كل الملفات وتركت تداعيات خطيرة على أوضاع البلد.
في ضوء هذه التطورات، ترتفع اصوات داخلية لبنانية تدعو إلى تدخل دولي فاعل يضغط لانجاز الاستحقاقات، فيما تتجه الامور إلى اصطفافات سياسية وطائفية جديدة تتجاوز التحالفات القائمة بين محوري المواجهة في لبنان. معارضو "حزب الله" يرون أن دعوته للحوار ورفض التدخل الخارجي لا ترفدها مبادرات جدية حول التسوية، وهو غير مستعد لتقديم تنازلات لترتيب الأوضاع الداخلية، طالما ينطلق من معادلة أن لبنان يتعرض لحصار خارجي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، وهو لا يزال يتمسك بمرشح رئاسي لمحور الممانعة هو سليمان فرنجية وليست هناك من بوادر جدية للتخلي عنه والوصول إلى مرشح توافقي. ويقول المصدر أن الحزب مرّر رسائل متناقضة في هذا الخصوص، تتضمن الموافقة على إيصال قائد الجيش جوزف عون للرئاسة بشروط، لكنه سحب هذا الأمر من التداول باعتبار أنه مرشح الأميركيين. وفي ضوء استمرار تمسكه بمرشح "لا يطعن المقاومة بالظهر" عادت الأمور إلى بداياتها من نقطة الصفر. وهذا الأمر، بدا يدفع إلى اصطفافات جديدة خصوصاً في الساحة المسيحية، حيث تشير المعلومات إلى توجّه عوني يقوده #جبران باسيل للتواصل مع "#القوات اللبنانية" وشخصيات مسيحية أخرى للبحث في الشأن الرئاسي وصولاً إلى طرح قضايا تتصل بمستقبل الوضع اللبناني ومن بينها الفدرالية.
ويعزز هذا التوجه الجديد الخلافات بين "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" الذي يغطي جلسات حكومة تصريف الأعمال، وفي الوقت نفسه عدم قدرة المسيحيين على الاتفاق على مرشح رئاسي، خصوصاً وأن "القوات" و"العوني" يتقاطعان في الموقف على رفض فرنجية، إذ أن اي طرف منهما إذا وافق على الاسم يمكن عندئذ إيصاله وفق رغبة "حزب الله". لكن هذه الوجهة أمامها تعقيدات ومعوقات لم تتبلور حتى الآن. فالانهيار وتراجع دور المسيحيين في مواقع الحكم قد يقرّبان المواقف، وذلك بعد رفع البطريرك الماروني بشارة الراعي الصوت عالياً، في رسالة معبّرة مسيحياً ومارونياً، حول الانتخابات الرئاسية وتخوفه من مخطط قيد التحضير لانتزاع المناصب المارونية بحكم الأمر الواقع، خصوصاً وأن "إطالة الشغور سيتّبعه شغور في كبريات المؤسسات الدستورية والمالية والعسكرية.
المخاوف أيضاً تعزز الاصطفافات خصوصاً في ظل تعاطي دولي مختلف مع الوضع اللبناني، حيث تأتي تحقيقات الوفد القضائي الأوروبي في لبنان وكأنها تضع البلد دولة خارجة عن النظام المالي العالمي، وهو ما قد يشكل مدخلاً لسياسة أوروبية وأميركية جديدة ضاغطة لفرض شروط قاسية على لبنان. ويبدو أن هذه التطورات تؤدي إلى اطالة أمد إمكان التوافق على اي تسوية أو حل، طالما أن الأوضاع الداخلية اللبنانية غير ناضجة وهناك عجز واضح عن التوافق وانجاز الاستحقاقات. فيما الدول غير مستعدة للانخراط في عملية سياسية أو رعايتها من دون تحديد الوجهة السياسية لأي تسوية.
أمام هذا الواقع الذي سيطول معلقاً كل الملفات، هناك من يتقدم لتعبئة الفراغ، ووفق المصدر السياسي، يبدو أن "حزب الله" هو الطرف الأقل تأثراً بالأزمة، لذا يعزز وضعه، وسط التراجع الدولي، لكن هذه المرة أمام انحلال قاتل لكل مقومات الدولة والبلد.
"النهار"- ابراهيم حيدر
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|