عميل جديد للموساد في قبضة المعلومات: رصد لمخازن الصواريخ والدفع في وسط بيروت
تنقّل حسن ع. (مواليد ١٩٩١) بين عدد من المهن: نجار موبيليا، وسائق في أحد الغاليريات، و«شوفير عمومي»، وعامل دليفري، ثم سائق شاحنة لدى شركة مقاولات. عام ٢٠٢٠، تقدم عبر «فايسبوك» بطلبات توظيف مع «خبرة في قيادة الشاحنات والمبيعات». في حزيران ٢٠٢٠، تلقّى اتصالاً من رقم أجنبي عبر «واتساب». عرّف المتصل عن نفسه بأنه لبناني اسمه سامر، ويعمل مسؤولاً عن التوظيف في شركة أمن متخصصة بتأمين الحماية لرجال الأعمال في كل أنحاء العالم. دام الاتصال نحو نصف ساعة، سأل خلاله حسن عن الراتب، فأبلغه المتصل بأنه يُحدّد بعد خضوعه للاختبار.
كان الاختبار «افتراضياً». وبحسب ما أفاد الموقوف في التحقيق: «طلب مني أن أفترض بأنني مرافق رجل أعمال يريد أن يعقد اجتماعاً في أحد المطاعم في صور، لذا عليّ أن أختار المكان المناسب، وأن أجري دراسة مسبقة عنه أحدّد فيها إحداثيات موقع المطعم مع مداخله ومخارجه، وعدد طوابقه وموظفيه، ومواقع كاميرات المراقبة، مع رسم توضيحي لكيفية توزّع الطاولات... وبعدها تحضير خطة لإخلاء الشخصية من المكان في حال حدوث أي طارئ». كما «زوّدني بتعليمات يجب اتباعها كعدم التصريح عن سبب قدومي إلى المطعم وعدم السؤال مباشرة عما أريد معرفته». وبالفعل، اختار حسن أحد المطاعم على الكورنيش البحري لإجراء «بروفا»، ونفّذ ما طُلب منه بحذافيره، وأرسل إلى «سامر» المعلومات التي طلب منه جمعها. سأله الأخير ما إذا كان لديه إلمام بالمسائل الأمنية والعسكرية بحسب ما لاحظ من المعلومات التي زوّده بها، «فقلت له إنني قاتلت سابقاً في صفوف حزب الله، كما سبق أن عملت متطوعاً في الصليب الأحمر اللبناني». عندها أبلغه سامر أنه نجح في الاختبار، وأنه سيضعه على تواصل مع من سيكون مسؤولاً عن تدريبه. وبالفعل، مرّر الاتصال إلى شخص آخر قال إن اسمه «ألكسي».
بحلول تموز ٢٠٢٠، بدأ التواصل بين حسن و«ألكسي» الذي يتكلم عربية «مكسّرة»، برّرها بأنه مصري الأصل هاجر الى روسيا منذ صغره، وخدم سابقاً كضابط في الجيش الروسي، قبل أن ينتقل الى العمل في شركة الأمن. آنذاك، كان الموقوف يعمل سائقاً في شركة لسيارات أجرة، «وقررت التوقف عن العمل بسبب تدني الراتب. عندما أبلغت ألكسي بذلك لامني بشدة لأن عملي سائق أجرة يمكّنني من التنقل بين المناطق من دون إثارة شبهات. وقال لي إنه مستعد لمساعدتي مادياً، وأرسل لي 1000 دولار مع أحد الأشخاص تسلّمتها منه قرب مسجد محمد الأمين في وسط بيروت، وطلب أن أشتري هاتفاً خلوياً من نوع «سامسونغ» وشريحة خط جديدة غير مسجلة باسمي لاستخدامهما في التواصل معه حصراً. ونبهني إلى ضرورة أن أشتري الهاتف والخط من مكان بعيد عن محيط سكني».
وأبلغ الموقوف المحققين أنه أدرك عندها أن الرجلين من الموساد الاسرائيلي، وخصوصاً أن «سامر» سأله عن المراكز التي خدم فيها عندما كان منتسباً إلى حزب الله، وذكر أسماء وحدات الحزب بالأرقام. لكنه، رغم ذلك، قرّر الاستمرار في التواصل مع «ألكسي» الذي سأله، أيضاً، عن الدورات العسكرية والدينية التي خضع لها. ورغم أن انتسابه الى الحزب لم يدم أكثر من عامين، بين 2006 و2008، بالغ الموقوف في تضخيم الأمور لترغيبهم بتشغيله، فأبلغ مشغليه أنه انخرط منذ صغره في «كشافة المهدي»، قبل أن يلتحق بالتعبئة ويخضع لدورات عسكرية في لبنان وسوريا وإيران، وأنه غادر الحزب بعد إصابته أثناء القتال في سوريا، علماً أنه خضع لدورة دينية ودورة محو أمية سلاح ودورة مقاتل، وقاتل في سوريا عام 2015 في صفوف «لواء أبو الفضل العباس» وليس حزب الله.
بالتواصل مع «ألكسي»، كشف الأخير أنه ضابط في الموساد، وبرّر الموقوف ذلك بأنه ربما كان واثقاً من «أنني سأواصل العمل لحاجتي إلى المال بسبب الوضع الصحي لوالديّ وشقيقي وتراكم الديون عليّ».
وجد حسن عملاً كسائق شاحنة في شركة مقاولات في قضاء مرجعيون. وعندما أبلغ «ألكسي» بذلك، سأله الأخير عن المناطق التي يسلكها بحكم عمله، فأجاب بأنه يتجوّل بين شقرا وميدون وبيروت. عندها شجّعه على الاستمرار في العمل الجديد، غير أنه غادر الشركة بعد نحو شهر. وعندما أبلغ مشغّله الإسرائيلي بالأمر، انفجر غاضباً لأنه كان على وشك أن يطلب منه تنفيذ مهمات في المناطق التي كان يتجوّل فيها. عندها أبلغه حسن بأن له أصدقاء بين الموظفين وأبدى استعداده لتنفيذ أي مهمة مرتبطة بشركة المقاولات، فطلب منه «ألكسي» تزويده بعدد الآليات في الشركة وأنواعها وصورها وأرقام لوحاتها وإحداثيات المكتب الرئيسي للشركة ومواقع تثبيت كاميرات المراقبة، إضافة الى عدد العمال وأسمائهم وأرقام هواتفهم، ونوع جهاز إرسال الـ«وايفاي» واسم الشبكة وكلمة المرور الخاصة بها. وبعد تأمين هذه المعلومات، أرسل «ألكسي» إليه 2000 دولار تسلّمها من الشخص نفسه في محلة الدورة في بيروت.
كانت المهمة التالية جمع معلومات عن أحد المجمّعات التجارية في صيدا، لكن حسن لم يتمكن من تنفيذ المهمة بسبب الإقفال العام جراء جائحة كورونا.
وأبلغ الموقوف المحققين أن مشغّله عرض عليه تزويده بالمال لشراء سيارة أجرة للعمل عليها، وطلب منه البحث عن سيارة مناسبة وإبلاغه بسعرها. و«عندما أرسلت إليه أسعار أنواع عدة من السيارات، قال إنه لا يمكنه إرسال الأموال إلى لبنان، وإن عليّ أن أختار بلداً لأزوره من أجل قبض ثمن السيارة واستكمال التدريب، فاخترت تركيا. عندها طلب مني تحضير جواز السفر والتفكير لتبرير مقنع حول سبب سفري، فاقترحت أن يكون بحجة شراء قطع غيار للشاحنات. عندها زوّدني برقم شخص في تركيا يعمل في بيع قطع غيار الشاحنات وطلب مني أن أحادثه كتابةً حول الأمر وأن أحتفظ بالمحادثة لاستخدامها في التمويه».
في نيسان ٢٠٢١ سافر حسن إلى تركيا لعشرة أيام. قضى ليلته الأولى في أحد الفنادق، وأبلغه ألكسي أن «برنامج الزيارة» سيبدأ من الغد. في اليوم التالي أعطاه «ألكسي» 3000 دولار، وطلب منه أن يحجز غرفة في فندق آخر، وطلب منه شراء هاتفين خلويين، أحدهما من نوع «سامسونغ» والآخر من نوع «شياومي» وبطاقة ذاكرة (usb) ذات مدخلين توصل بالهاتف مباشرة، وأبلغه بأن متخصصاً تقنياً سيتواصل معه لتحميل البرامج. وبالفعل، جرى التواصل عبر الفيديو على «واتساب»، حيث علّمه «المتخصص» على تعديل إعدادات الهاتف عبر إنشاء second zone بكلمة سر منفصلة. وطلب منه تحميل برنامج video maker لتصغير حجم الصور ومقاطع الفيديو للتمكن من إرسالها عبر البريد الإلكتروني، وبرنامج gps logger الذي يحفظ إحداثيات المواقع التي يوجد فيها لإرسالها إلى مشغّليه لاحقاً، وبرنامج mobile hidden camera للتصوير بشكل خفي، وبرنامج لتشفير الرسائل، وبرنامج maps me الذي يمكنه من استخدام الخرائط دون الاتصال بشبكة الإنترنت. كما طلب منه تحميل خريطتَي إسطنبول وبيروت.
في الأيام التالية، أخضع حسن لتدريبات ميدانية وكُلّف بمهام تجريبية، من بينها تصوير صيدلي داخل صيدليته، وإحصاء الموظفين وكاميرات المراقبة في مركز موسيقي، والتدرّب على التمويه بعدم الذهاب إلى الهدف مباشرة، وكيفية تغيير مظهره بارتداء كمامة ونظارة شمسية وقبعة وسترة، وخلعها ووضعها في كيس قبل الانتقال الى نقطة أخرى. في اليوم السابع، أبلغه «ألكسي» بأنه حقق نتائج جيدة، وأنه سيخضعه لاختبار كشف الكذب داخل غرفته في الفندق. من بين الأسئلة التي طرحت عليه في الاختبار ما إذا كان لا يزال يعمل لمصلحة حزب الله أو أحد الأجهزة الأمنية، وفي نهاية الاختبار قال له بلكنة فلسطينية: «مبروك يا بطل»، وأعطاه 9000 دولار، وأمضى الأيام الثلاثة المتبقية سائحاً في إسطنبول.
بعد عودته إلى بيروت، كُلف حسن التقصي عن مستودعات صواريخ لحزب الله في بلدة قانا، فزوّد مشغله بإحداثيات لفيلّا مهجورة ومركز للحزب ومنزل أحد المشايخ ومزرعة دواجن في بلدة عيتا الشعب، كما زوّده بأسماء عناصر في الحزب من أبناء قانا وعمل كل منهم.
صيف العام الماضي، بعد تنفيذه المهمة الأخيرة، قرّر حسن وقف التواصل مع مشغّله، ولجأ إلى أمن حزب الله لكنه لم يعترف بعمله مع الموساد. إذ زعم أنّه تلقّى عرض عمل من شركة أجنبية تعمل في مجال حماية الشخصيات في لبنان وخارجه، وأن شكوكه ثارت في أن تكون الشركة تابعة للاستخبارات الإسرائيلية، بعدما طُلبت منه معلومات تتعلق بحزب الله، قبل أن يعتقله فرع المعلومات ويدلي باعترافاته كاملة.
رضوان مرتضى - الأخبار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|