عدلية 2023: مشاهد محاكمة سمير جعجع 1994

صورة تلفزيونية واحدة عالقة في الذهن منذ التسعينيات: سيارات عسكرية مكشوفة تتسابق الى قصر العدل، يترجّل منها جنود مدججون بأحدث الأسلحة وببزات مرقطة، يسارعون لتأمين الحماية لشخصية قضائية تضع نظّارة سوداء، وتصعد الى قصر العدل. والى جانب الطريق، جنود آخرون من الجيش، يؤمّنون حماية الطريق الضيق، ويمنعون المدنيين من الاقتراب.

كانت تلك المَشاهد عائدة لمحاكمة رئيس حزب "القوات اللبنانية"، سمير جعجع، الذي لطالما شاهد المتسمرون أمام نشرات الأخبار المسائية، سيارات نقل السجناء المشرّطة بالسياج الفولاذي الصلب، تنقله، وآخرين، الى قاعة المحاكمة. أما القاضي الذي تجنّدت له الدولة، فكان عدنان عضوم. كانت العدلية في ذلك الوقت محمية عسكرية وأمنية... وتلاشى ذلك المشهد بعد العام 2005.

واستعادة تلك المشاهد، جرت، فوراً، إثر تصدر مواقع التواصل مشاهد لعسكريين من أمن الدولة، مدججين بالأسلحة، يحيطون بوزير العدل هنري خوري أثناء صعوده درج العدلية. الصورة تتزامن مع أخرى، من أمام مكتب مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، نشرها رواد مواقع التواصل، وتظهر مجموعة من العسكريين يغلقون الرواق المؤدي الى مكتبه.

من سخرية القدر أن تُستحضر تلك الحقبة، بكل آلامها والشكوك حول اجراءاتها، الآن في ظروف مختلفة، وقضية مختلفة. الآلام نفسها تُستحضر في الصورة، رغم كل الفروق، مع شكوك حول طبيعة القرارات القضائية التي اتخذت أخيراً.. كما تُستحضر الإسقاطات والهواجس نفسها: هل هي اجراءات قضائية بنكهة سياسية، كما كانت في السابق؟ وممَّ يخاف المسؤولون، القضاة والوزراء، في هذا الوقت؟ وهل يستوجب العدل كل هذه المظاهر الأمنية؟

في العام 2023، تُستحضر مَشاهد 1994، بعد نهاية حقبة النظام الامني اللبناني – السوري المشترك.. وبعد حقبة "العبور الى دولة القانون". كانت الإجراءات في السابق سياسية، لم تستدرج الكثير من اللبنانيين للاعتصام أمام قصر العدل. أما الآن فالقضية إنسانية، حشدت أكبر مروحة من المعارضين للإجراءات الأخيرة: أحزاب ونواب وقوى تغيير وناشطين مدنيين وعائلات الضحايا. يعود لبنان الى الماضي، بكل صوره، وهي نقطة الآلام المستجدة.

عدلية 2023: مشاهد محاكمة سمير جعجع 1994