"وصفته بالإرهابي"... إسرائيل "تعترف" بقتل مصور في قناة "الجزيرة"!
باسيل يستدرج قائد الجيش إلى الانقلاب على الطائف
عاد لبنان إلى الصراع على الكيان. إنّه صراع على وجهة البلد وهويّته. والبلد الصغير لم يصل إلى هذا الصراع إلا بناءً على مشروع واضح المعالم تأخّر اللبنانيون في تلمّس مؤشّراته واكتشاف مخاطره. والمشروع لم يكن يستهدف لبنان وحده، فقد سبق أن ظهر في العراق وسوريا واليمن مع فارق أساسي أنّ لبنان يعيش انهياراً ماحقاً وفرزاً سياسياً وطائفياً وجغرافيّاً، وتتعالى فيه الأصوات الداعية إلى فرز ديمغرافي أو تقسيمي أو فدرالي، لكن من دون أن يستدعي ذلك صراعات عسكرية. إنّها حرب أهليّة بلا إطلاق نار. في حرب عام 1975 انقسم الجيش اللبناني، واختمر النزاع المسلّح فانفجر. أمّا حاليّاً، فينقسم القضاء، ولن تكون تداعيات انقسامه ونتائجه أقلّ خطورة من انقسام المؤسّسة العسكرية.
المارونيّة العونيّة المدمِّرة
على مدى سنوات ماضية، انهارت كلّ القطاعات اللبنانية الأساسية، التي كانت محسوبة على الموارنة أو منسوبة إلى إنجازاتهم التاريخية التي لطالما تغنّوا بها:
- من بيروت أوّل مدرسة للحقوق، إلى الحقوق المهدورة والقضاء المتفسّخ..
- من أوّل مطبعة إلى مطابع خطابات التحريض المذهبي والطائفي.
لكنّ الأخطر أنّ هذه الركائز الأساسية انهارت على يد الموارنة أنفسهم. كان السبب المباشر هو صراعات الموارنة البينيّة والشخصانيّة ونزعات قياداتهم "التفوّقيّة" التي كانت تُنهي كلّ شيء، وتسهم في تدمير مكتسباتهم. وهذا ما كان من نتائج حقبة المارونية السياسية، وتعاطيهم مع اتفاق الطائف وحقبته، وحروبهم الأخيرة قُبيل وبُعيد إقرار الاتفاق في نهاية الثمانينيّات، ثمّ مسارعتهم إلى الخروج منه، علماً أنّه حفظ لهم التوازن والدور والريادة.
ما يجري اليوم هو تدمير ممنهج لغالبيّة المؤسّسات والقطاعات والمرتكزات التي قام عليها الكيان اللبناني. فالتيّار العوني خاض باسم زعامة المسيحيين والموارنة، مستنداً إلى المزايدة المسيحية، المعارك لتدمير كلّ مواقع الموارنة وما تحتها أو ما يتفرّع منها:
- صراع العونيين ضدّ الموارنة الآخرين المستقلّين أو خصومه السياسيين.
- صراعهم ضدّ الحريريّة السياسية بغية تدميرها.
- صراعهم ضدّ حاكم مصرف لبنان، رئيس مجلس القضاء الأعلى، وقائد الجيش.
كلّ خلفيّات صراعاتهم هذه شخصيّة وسلطويّة. وجد عون وتيّاره نفسَيْهما في دوّامة جهنّمية ضمن مشروع إقليمي يشمل العراق وسوريا، وقوامه تدمير مرتكزات الدولة الوطنية ومؤسّساتها من أجل إنعاش الجزر العسكرية والأمنيّة، فسقطت المصارف اللبنانية من أجل اقتصاد السوق السوداء، واستمدّ هذا السقوط الاقتصادي وهذه الجزر العسكرية نموذجَيْهما من روحيّة مشروع الثورة الإسلامية في إيران. فهي لا تعترف بدولة ولا بمؤسّسات، ومنقادة إلى منطق ولاية الفقيه الميتافيزيقي. والدولة لا تقوم إلا بمجيء الإمام المهدي صاحب مهمّة بناء الدولة وإصلاحها. وقبل مجيئه لا بدّ من أن يعمّ الفساد والانهيار والدمار، وفي تعميمها السبيل إلى استعجال ظهوره.
الانتقام والخروج على الدولة
انخرط شطر من الموارنة في هذا المشروع من دون أن يفقهوا خطورته، وذلك تلبيةً لطموحات سلطوية ومكاسب شخصية أو تحقيق أحلام تاريخية. وهذا جسّده مشروع ميشال عون بإرادته الانتقام من الطائف ومن كلّ ما ومن أرساه. شرع في انتقاماته وتدميره، والتقت مصلحته مع مصلحة حزب الله. وهما زعما أنّ الانهيار سببه السياسات الماليّة والاقتصادية التي جاءت بعد الطائف وقبل مشاركتهما في الحكومة، لكنّ هذه السياسات لم تختلف عمّا كان سائداً قبل الحرب، وعلى أساسها وُصف لبنان بسويسرا الشرق.
يتجلّى الفرق الوحيد في أنّ الانهيار الذي وصلنا إليه قام على تغذية منطق الجماعات الخارجة على الدولة، ماليّاً وعسكريّاً وأمنيّاً. وتحوّلت السياسات الماليّة والنقدية والاقتصادية إلى خدمة مشاريع موازية في قطاعَيْ الصحّة والتعليم، وتحوّل التوظيف في القطاع العامّ إلى إعالة وبطالة مقنّعة، وصولاً إلى تعميم السوق السوداء التي تقوم على الاقتصاد النقدي والتهريب.
حزب الله والعونيّة
في هذه الصراعات التقت مصلحتان:
- مصلحة حزب الله في تدمير مرتكزات الدولة الوطنية.
- مصلحة ميشال عون في شخصنة معاركه كلّها للوصول منفرداً إلى الزعامة المارونية، عبر ضرب ما بنته الحريرية الوطنية والطائف ما بعد الحرب الأهليّة. وهو بذلك ظنّ أنّه يصير قادراً على استعادة النظام الرئاسي السابق على الطائف.
ما يحصل في القضاء كان قد حصل من قبل في القطاع المصرفي والمصرف المركزي، وفي امتيازات شركات الاستثمار، والقطاعات الطبّية والتعليمية. وبلغ التدمير ذروته بانفجار المرفأ.
وأخيراً تحوّل الصراع إلى هجوم عونيّ على المؤسّسة العسكرية تمثّل في حملة مباشرة من رئيس التيار العوني جبران باسيل على قائد الجيش ترتبط بالمعركة التي حصلت بين جوزف عون ووزير الدفاع. وهذا ما لم نشهد مثله حتّى خلال الحروب الأهليّة.
باسيل وقائد الجيش
ولأنّ الآراء المؤيّدة لقائد الجيش تتكاثر، وسط محاولات لإقناع الداخل والخارج به، يشنّ باسيل معركة ضدّ قائد الجيش باعتباره مرشّحاً جدّيّاً لرئاسة الجمهورية. لذا بدا قائد الجيش، متوتّراً سياسياً:
- من خلال انخراطه في المعركة مع وزير الدفاع.
- من خلال بعض التصريحات التي يمنح نفسه فيها نزعة تفوّقية على الآخرين، ولا سيّما على قوى سياسية يحتاج إلى أصواتها في المعركة الرئاسية.
- أمّا في الحرب التي يخوضها ضدّه جبران باسيل ويصفه فيها بـ"قائد الانقلاب"، فإنّ قائد الجيش يُستدرَج إلى ما ليس مضطرّاً إليه: المطالبة باستعادة صلاحيّات رئيس الجمهورية. وهذا يعني العودة إلى ما قبل الطائف وتبنّي خطاب التيار العونيّ، وهو ما ينطبق على الكلام عن حقوق المسيحيين، وحينئذٍ سندخل في الحلقة المفرغة نفسها التي أوصلتنا إلى الانهيار.
خالد البوّاب - اساس ميديا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|