محليات

الممانعة والسيادة ولعبة "الورقة النازية"

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في زمن ما بعد الحرب العالمية الثانية، لم يكن التقاطع مع أيّ شيء بالنازية سالماً. فتذوّق روائع فاغنر مثلاً أو ألوان نيو-كلاسيكية يجعلك هدفاً سائغاً ومقبولاً للتسخيف والتنمّر والتخوين، أو حتّى للأذى الفعلي، فقط لأنّ هتلر أظهر ميلاً إلى تقديرها. وصل الأمر عند بعض الخبثاء والغلاة إلى مضايقة كارهي التدخين واللحوم لملاقاتهم امتناع الفوهرور عن تناولها. لقد تخطّت المغالاة المساحات الإجتماعية واتّخذت طابعاً رسميّاً. فالمؤسّسات التربوية، على سبيل المثال، شطبت من مناهجها سيرة أرمينيوس، بطل جرمانيا، لمجرّد إسناد النازيين سرديّتهم إلى مشاعر الوطنية والتفوّق للأعراق الألمانية. سقطت أفكار وحجج قيّمة عديدة في لعبة الورقة النازية تلك، دون أن يجرؤ أحد على تحدّيها.

وحده، الفيلسوف والأستاذ الجامعي ليو شتراوس، تجرّأ على تحدّي الورقة النازية وتحديدها، فأسقطها من أيدي الانتهازيين. جعل من ورقة الإحالة إلى النازية (reductio ad hitlerum) مرادفاً لسذاجة لاعبها وغياب حجّته.


يُلام التاريخ على إعادة نفسه. في الواقع، ليس هو من يعيد نفسه. بل يعيده، دون استئذانه، فقط من لا يتعلّمون دروسه. لبنان، دون أدنى شكّ، هو مختبر كونيّ لإعادة الأخطاء التاريخية. ليست الورقة النازية استثناءً. ناهيك عن وفرة الأوراق والأفكار والأحزاب النازيّة فيه. أوراق ممانعة وأُخرى سيادية وبعضها 17 تشرينيّة.

مُسنّ، نادراً ما هجر نطاق قريته البلديّ، ينبس ببنت شفّة بحقّ مصرف سلبه تعب أمسه وراحة غدّه، ليجد نفسه داعماً لبرنامج نوويّ بين بوشهر وأصفهان، مقرّراً في مشروع تغيير ديموغرافيّ كونيّ في اليمن وسوريا، أو قابعاً بين مصافي مسيِّري ألعاب الدمار ذاتية التحليق فوق مصافي أرامكو في الجُبيل السعودية. يُحال الرجل إلى نازية الممانعة فقط لأنّ مرشدها رشق حاكمية المصارف برصاص خُلّبٍ، رغم أنّه لم يخرج يوماً عن إجماع تنصيبه حاكماً بأمر مال اللبنانيّين.

ترفع أمٌّ، انجلت روح ولدها مع انجلاء الغيمة الفطرية لانفجار مرفأ بيروت، دعاءها لتبيان العدالة لعزيزها، فتُحال إلى نازية السيادة، إلى نازية السفارات الغريبة أو حتّى إلى نازية العدو الإسرائيلي. كيف تخدم أمٌّ تتضرّع العدالة لروح ابنها مصالح العدو ؟ متى أمست العدالة سمةً إسرائيلية؟

تلميذ يلعب بسذاجة لعبة الفوارق بين رسمتين لخارطة الحدود الوطنية. الأولى من كتابه المدرسي والثانية من اتفاق ترسيم الحدود. فوارق سهلٌ رصدها. يستغرب فيسأل عن فضاحة الفرق، عن سبب إغفال الجهات المتحكّمة وعن مهابة هدية التراب والماء والغاز للعدو على حساب عيش المواطنين. هذه المرّة، يُحال السائل إلى نازية مبهمة ومجهولة. يحيله إليها تكافل وتضامن وتقاطع نازيي الممانعة والسيادة. هم يحقّ لهم التقاطع مع نازية بعضهم البعض. هنا، السائل هو النازي.

تحدّثْ في ترميم ضبابية وعقم وطائفية النظام اللبناني، فأنت تبغي المثالثة. أنت مُحال إلى نازية حزب الله، فهو الوزن الأثقل في ميزان القوى الحالي. ناضِل في سبيل الحريات العامة والفردية، فأنت، من حيث لا تدري، مناصراً لنازية شيطان الغرب، فالأخير مرتع للحريات. أتستسيغ المساواة الجندرية ؟ أنت نازيّ ومتعصّب مسيحيّ ضدّ السُنة والشيعة ويساريّ بائد في آن. أتأسّف للخراب البيئي لصالح سدود فارغة ؟ أنت قوّاتيّ جاهل. هل استغربت حماسة السياديين المفرطة لإيصال رئيس الممانعة للرئاسة ؟ إذاً أنت مع المردة.

حتّى اللحظة، لم يجرؤ أحد على تحدّي الورقة النازيّة. كلّهم يتفادون جواز إحالتهم إليها. حتّى التشرينيّون يعانون من رهاب التقاطع. من رهاب الإحالة إلى نازية ما. هم يقولون: أبعد عنّا هذه الكأس. رهابٌ لن يدع حاملوه يبعدون الكأس الثقيل عن لبنان.

إكذب، أسرق، أقتل، إحلف بالباطل واشهد بالزور. ليس في أيّ من ذلك خطيئة. لكن إيّاك أن تتلاقى مع أي فكرة أو تتقاطع على نقطة مع أحد. لا تقل السماء زرقاء. لا تُفصح عن بياض الثلج. فهناك نازيّ ما في مكان ما تحدّث عن الثلج الأبيض وزرقة السماء. سوف يُحيلك، لا محالة، نازيون إلى نازيين. الورقة النازية بالمرصاد وليو شتراوس مات قبل50 عاماً.

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا