عربي ودولي

الزلزال في الشام: ٤٠ ثانية كـ١٢ سنة حرب ... كانت لنا بلدة اسمها سلقين

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

"درج": عمر الهادي - مدون سوري

فيما ترتفع صرخات الاستغاثة، لا يوجد حتى اليوم أي دعم دولي واضح.

لربما أصبحت سوريا صاحبة الحظ الأسوأ بين البلدان، فهذه البلاد الحزينة التي عايشت أصعب أنواع الحروب والخراب والدمار، اكتمل مشهد دمارها بكارثة طبيعية هذه المرة، أوقعت آلاف الضحايا والمشرّدين.

عند الثالثة و17 دقيقة من فجر 6 شباط/ فبراير، ضرب زلزال بقوة 7.7 على مقياس ريختر المنطقة الشمالية الغربية من سوريا (حلب وحماة واللاذقية وإدلب) والمناطق المجاورة على عمق 10 كيلومترات من سطح الأرض. 

“بعمري ما خفت هالقد، حتى لما كنا بعز الحرب، 40 ثانية من الزلزال بتساوي 12 سنة حرب عندي”، يقول أيمن (40 سنة) وهو من سكان حلب، محاولاً اختصار خوفه ومشاعره خلال 40 ثانية كانت كفيلة لتكثّف صور المأساة الممتدة منذ عام 2011 وحتى زلزال 6 شباط/ فبراير 2023.

العجز عن الهروب  

تحضّر مريم (اسم مستعار) قبل أن تنام، حقيبة وتضع فيها أغراضها المهمة: ملابس دافئة، هويتها الشخصية، جواز السفر وبعض النقود. ترتدي ثياباً مناسبة للخروج، وتغفو. بهذه البساطة تتعامل مريم مع تحذيرات مرتقبة من زلازل مرتدة قد تصيب المنطقة التي تعيش فيها. فمشهد يوم 6 شباط يمكن أن يتكرر في أي لحظة، تقول: “إما أن أخرج بسرعة أو أصبح تحت الركام أنا وأغراضي”.

استيقظ سامي (اسم مستعار) على صوت اهتزاز الباب “اتجهت نحو النافذة ونظرت الى الخارج لأشاهد بناية تميل أمامي. لم أستطع إبداء أي رد فعل، كل ما فعلته أنني سحبت نفسي إلى الخلف ببطء ثم ركضت نحو أمي”.

اعتاد السوريون على الهرب، من القذائف والقصف والجوع واليوم من الزلزال، إلا أن لا خيارات واسعة في الهرب من كارثة طبيعية.

أصوات من تحت الركام

ما وصلنا إليه اليوم لا يمكن وصفه أو احتواؤه، يقول خالد (50 سنة، حلب): “حين بدأ المكان يهتز من حولنا، سمعنا صراخ الناس، الذي كان يتصاعد مع تزايد قوة الزلزال، الخوف الذي شعرنا به لا يشبه خوفنا من الحرب، وكأننا نواجه كارثة للمرة الأولى… وكأننا لم نعش داخل حرب عمرها 12 عاماً”. ويتابع: “في بناية حدنا واقعة وسامعين صوت ناس عم تنادي من تحت، وما قادرين نعمل شي، ما في حدا يساعدنا”.

كشف الزلزال عن ضعف البنى التحتية وأساسات الأبنية في الداخل السوري، فمئات العائلات التي كانت في طبقات مرتفعة بقيت عالقة تحت الردم وبقايا الأبنية المتصدّعة، أصوات استغاثتهم يمكن سماعها من فوق الأرض بينما يحاول الناس وفرق الإنقاذ إخراجهم، لا آليات تكفي، لا تجهيزات تكفي لإنقاذ العالقين.

خالد (اسم مستعار) من منطقة إدلب المنكوبة في الشمال السوري، حيث سقط 12 بناء من حوله، يقول: “عم نسمع أصوات أقاربنا من تحت بس ما عم نقدر نحدد من وين بالضبط، الدنيا عم تشتي علين وهني تحت علقانين”.

سوريا الوحيدة

فيما ترتفع صرخات الاستغاثة، لا يوجد حتى اليوم أي دعم دولي واضح، والقوة العاملة على الأرض  تعاني نقصاً في المعدات والأفراد، هذه الفرق تتحرك بإمكانات بسيطة، إغلاق معبر باب الهوى هو السبب الأساسي في عدم وصول الإغاثات الداعمة نحو المناطق المنكوبة، بينما تساهم حملات التبرع والمساعدات الأهلية البسيطة في استمرار عمليات البحث عن الضحايا. النجاة حالياً من هذه الكارثة تعتمد على العاطفة السورية الذاتية بشكل بحت، عاطفتنا، إنسانيتنا، وأصواتنا هي ما نملكه اليوم… أمام جمود وشلل عالميين من المؤسسات الدولية.

تعلو أصوات السوريين بالمناشدات الإنسانية إلى العالم، فهل من مجيب؟ مناجاة السوريين اليوم تبدو أعلى، لا تحتاج إلى مكبرات أو ميكروفونات إعلامية، تحتاج فقط إلى مد يد المساعدة، في محنة لا تشبه سابقاتها، لا سيما مع أعداد الضحايا المتزايد.

"درج":  مصعب الياسين - صحافي سوري

معظم أهالي سلقين لم يستطيعوا العودة إلى منازلهم حتى الآن خوفاً من تكرار السيناريو ذاته في الأيام المقبلة، لا سيما أن المنطقة لا تزال تشهد هزات ارتدادية بين ساعة وأخرى.

بعدما أمضيت في المنزل نحو عامين، وقبلهما 9 سنوات متنقلاً بين القرى والبلدات هرباً بعائلتي من الموت والحرب، عدت نازحاً بلا مأوى أمضي يومي مع عائلتي في السيارة، ومساءً نبحث عمن نبيت عنده حتى الصباح. 

فلنعد قليلاً إلى الوراء، وتحديداً الى 6 شباط/ فبراير الساعة 3:17 فجراً… تصفحت كالعادة هاتفي عند الواحدة ليلاً واستسلمت لنوم عميق، مستغلاً برودة الجو وصوت المطر، إلى أن صحوت على صوت مخيف متأرجح بين الشرق والغرب ليعلو صوت زوجتي “يا الله البيت نزل علينا”. وعلى رغم أنني أسكن في منزلي منذ عامين وحفظته عن ظهر قلب، لم أعرف حينها طريق الدرج المؤدي الى خارج البناية. ولأكثر من 30 ثانية، ركضت أنا وزوجتي وسط المنزل نتساءل: ماذا سنُخرج معنا، هواتفنا أم الكمبيوتر؟ هل وضعنا على أنفسنا لباساً يسترنا؟ لا أعلم كيف أصبحتُ على باب البناية، ووسط زحمة الجيران بالخروج سقطت إحدى العضاضات على الباب ليحاصرنا الموت تحت ما يسقط أمام الباب، أو الموت تحت ركام البناية. وبعد ذهول وارتباك، خرجنا من البناية على صوت تكسّر أحجار البناء، التي وصلت على بعد 10 أمتار من باب البناية الرئيس، الأرض تهتز تحت أقدام مئات السكان وكأننا نقف جميعاً على صفيح متحرك بشدة، الى درجة أنهم في غالبيتهم سقطوا أرضاً ولم يستطيعوا الوقوف، فيما تعلو أصوات النساء وبكاء الأطفال، ويتساقط مطر غزير لا يقينا منه شيء  سوى ملابس النوم الرقيقة، بأقدام وسط صوت الرعد المخيف والبرق، فلم نعد نميزّ الأصوات من بعضها، إذ سيطر الخوف علينا ولا شيء غير الخوف. 

وبعد مضي نحو دقيقة من الاهتزاز الشديد، ظننت أن كل شيء عاد الى طبيعته، لأهمّ بالعودة الى المنزل، وفجأة اهتزت الأرض مجدداً  مع صوت مخيف اندلع فجأة. أسئلة كثيرة دارت في رأسي حينها حول ما يحدث. في هذا الوقت، سقطت بقربنا بناية من 20 منزلاً يقطنها أكثر من 100 شخص، وعلى مقربة مني علا صوت إحدى الجارات “إبني (14 سنة) مات دخيلكم الحقوني بسيارة”، إذ كان في طريقه للخروج من المبنى حين سقطت على رأسه قطعة حجر خرسانية كانت كفيلة بإنهاء حياته فوراً، ليكون أولى ضحايا الزلزال العنيف الذي ضرب منطقة شمال غربي سوريا. 

يقدَّر عدد الأبنية التي سقطت في مدينة سلقين الواقعة في منطقة حارم غرب محافظة إدلب، بنحو 30 برجاً سكنياً، يحوي كل واحد منها بين 10-12 شقة سكنية تعيش فيها عائلة أو عائلتان، لا سيما أن المدينة كانت مقصداً للنازحين من ريف إدلب الجنوبي ومحافظة حماة، وهؤلاء كانوا فروا من نيران الحرب بحثاً عن حياة هادئة. 

لم يتوقف الأمر على الأبراج السكنية، فعدد المنازل المنفردة التي سقطت في المدينة، يقدَّر بنحو 20 منزلاً يضم الواحد منها أسرة أو أسرتين، اختلطت فيها دماء الضحايا من النازحين والمقيمين. 

ومنذ الساعة الأولى للزلزال، والناس في بحث مستمر عن أحباء ناجين تحت أكوام كبيرة من الركام، في ظل برد قارس وتساقط أمطار غزيرة، لا يملكون سوى أيد ترتجف من البرد وقلوب ممتلئة بحزن قاتل. 

وحتى الآن، وصل عدد القتلى والمصابين نتيجة الزلزال، في شمال غربي سوريا، الى الآلاف، فيما الرقم مرجّح للارتفاع في كل دقيقة، نظراً الى العدد الكبير للأشخاص المفقودين تحت الأنقاض.

وعلى رغم وجود مستشفيين في مدينة سلقين، إلا أن طاقة الكوادر الطبية لم تستطع تغطية ربع حجم الكارثة، إذ وصلت الطاقة الاستيعابية للمستشفيات إلى أقصاها، واكتظّت غرف الإسعاف بالمصابين، ناهيك بالجثث غير معروفة الهوية. 

ومنذ وقوع الزلزال، لم تتوقف سيارات الإسعاف في مدينة سلقين عن نقل المصابين والضحايا إلى المستشفيات، التي استعانت بكوادر من مناطق أخرى، كما تم تفعيل خط تحويل إسعافي بين مستشفيات المدينة وتلك الموجودة في المحافظات. لكن، نظراً الى مشقة العمل وعقباته والنقص في الآليات واللوجستيات اللازمة للبحث والإنقاذ،  فإن عمليات الإنقاذ والبحث لا تسير بالشكل المطلوب والسرعة المبتغاة لإنقاذ الأحياء الذين ما زالوا تحت الركام. 

يقول سليم أبو أمجد، من سكان سلقين، إن “ما حدث في المدينة الصغيرة أشبه بكابوس ستبقى ذكراه في النفوس الى الأبد، فما من شخص إلا وفقد عزيزاً، إما أخ أو ابن أو أب أو صديق. أما أنا، فقد فقدت أشقائي الثلاثة وأبناءهم، فيما لا أزال أنتظر مصير ابنتي وزوجها اللذين ما زالا تحت الأنقاض، فبأي كلمات أواسي زوجتي المفجوعة بفلذات كبدها؟”.

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا