إقفال المصارف يزيد جنون سعر الدولار...و المصارف تردُّ على المودعين: أموالكم عند الدولة
حتّى لحظة كتابة أولى سطور هذا المقال، كان سعر صرف الدولار في السوق الموازية ما زال يتراوح عند مستويات تتجاوز حدود 80 ألف ليرة للدولار الواحد، مقارنة بمستويات قاربت حدود 61 ليرة للدولار عند لحظة الإعلان عن الإقفال المصرفي العام. بمعنى آخر، بلغت نسبة ارتفاع الدولار منذ إعلان الإقفال المصرفي حدود 31%، وخلال فترة قصيرة جدًا لا تتجاوز الأسبوعين من الزمن.
في واقع الأمر، لا يوجد أي مبالغة أو تجنٍّ في الربط ما بين هذا الإقفال واستعار الارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار، بعدما ساهمت المصارف نفسها بزيادة سعر صرف الدولار في مراحل سابقة قبل الإقفال، عبر امتصاص دولارات السوق الموازية والمضاربة على قيمة العملة المحليّة . مع الإشارة إلى أنّ هذه الحقيقة لا تنفي حتمًا وجود عوامل أخرى تدفع بالاتجاه نفسه في سوق القطع، إلى جانب عامل إقفال المصارف، الذي استجد خلال الأسبوعين الماضيين.
خنق السوق وحبس الدولارات "الطازجة"
منذ حصول الأزمة المصرفيّة عام 2019، نشأت على هامش "ودائع ما قبل 17 تشرين الأوّل" ظاهرة "الدولارات الطازجة"، والمتمثّلة بالسيولة الواردة من الخارج مباشرة بعد حصول الأزمة، أو تلك التي يقوم أصحابها بإيداعها نقدًا للمصارف بهدف تحويلها إلى الخارج. وللحفاظ على استمراريّة تدفّق التحويلات من الخارج، أو عبر الإيداعات النقديّة، حرّرت المصارف هذه الأموال من أي قيود على السحوبات أو التحويلات، وهو ما حوّل حسابات "الدولارات الطازجة"، أو المعروفة أيضًا بالفريش دولار، إلى مصدر أساسي من مصادر الدولارات المتدفقة إلى السوق المحلّي من الخارج.
وفي الوقت الراهن، تقدّر المصادر المصرفيّة حجم حسابات "الدولارات الطازجة" عند مستويات تتراوح بين 2 و3 مليار دولار، فيما يتذبذب هذا الرقم بشكل يومي نظرًا لحرص معظم عملاء المصارف على سحب هذه الأموال فور ورودها إلى النظام المصرفي، خشية من فرض أي قيود محتملة عليها في المستقبل.
منذ حصول الإضراب المصرفي، أدّى إقفال الفروع إلى حبس هذه الأموال والحؤول دون تدفّقها إلى السوق الموازية، كما كان الحال طوال السنوات الماضية، وهو ما أدّى إلى التأثير على توازنات سعر الصرف في السوق الموازية.
فمن جهة أولى، حال هذا التطوّر دون تلقي الأفراد والشركات هذه الدولارات وبيعها لدى الصرّافين، ما أثّر على حجم المعروض النقدي من العملة الصعبة. ومن جهة ثانية، دفع هذا العامل بعض العملاء -وخصوصاً الشركات التجاريّة- إلى زيادة الطلب على الدولارات النقديّة من السوق الموازية، عوضًا عن الدولارات التي كان يجري سحبها من حسابات "الدولارات الطازجة". وكما هو معلوم، كان من الطبيعي أن يؤدّي العاملان معًا إلى زيادة الضغط على سعر صرف الدولار.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الغالبيّة الساحقة من المصارف كانت تزوّد عملائها ببطاقات مصرفيّة، تسمح بسحب الدولار النقدي من حسابات "الدولارات الطازجة". إلا أنّ عمليّات السحب ظلّت مقيّدة بسقوف محددة، فيما كانت ماكينات الصرف الآلي تفرغ من السيولة في ساعات مبكرة من النهار، نتيجة الضغط القوي على عمليّات السحب عبرها.
كما كان واضحًا أن معظم الفروع المصرفيّة لم تلتزم خلال أيّام الإضراب بإعادة تعبئة هذه الماكينات على نحو يومي، لا بل ظلّ بعضها فارغًا من الدولارات تحديدًا على مرّ أيّام الأسبوع الماضي من دون استثناء. وهذا تحديدًا ما يطرح السؤال عن سبب لجوء المصارف إلى هذه الخطوات القاسية بحق العملاء، رغم عدم الإعلان عن تصعيد الإضراب وبلوغه مرحلة وقف تعبئة ماكينات الصرف الآلي.
في جميع الحالات، وبمعزل عن أثر ما جرى على المدى القريب، من المرتقب أن تؤدّي هذه التطورات إلى التأثير على تدفّق الدولارات الطازجة إلى النظام المصرفي على المدى المتوسّط، نظرًا لضرر الإقفال على ثقة العملاء بفكرة الحسابات الجديدة، وبقدرتهم على الحصول عليها في أي يوم عمل طبيعي.
خنق عمليّات المنصّة
طوال الأشهر الماضية، عمل مصرف لبنان على خط جمع الدولارات من السوق الموازية بشكل مباشر، عبر مجموعة من شركات الصيرفة والمصارف. في المقابل، عمل المصرف على إعادة بيع الدولارات عبر منصّة صيرفة، بسعر المنصّة، عبر موجات متقطّعة من عمليّات "ضخ الدولار" في السوق.
خلال الأسبوعين الماضيين، ورغم استمرار مصرف لبنان بجمع الدولارات من السوق، انقطعت عمليّات بيع الدولارات عبر المنصّة من خلال الفروع المصرفيّة، وهو ما أدى بدوره إلى اختلال في موازين العرض والطلب في السوق الموازية. وتكفي العودة إلى بيانات المصرف المركزي اليوميّة للدلالة على هذا الأمر، إذ لم يتجاوز إجمالي حجم عمليّات المنصّة يوم أمس الخميس مثلًا حدود 15 مليون دولار، مقارنة بمستويات تجاوزت 310 مليون دولار في اليوم الواحد في بداية الشهر الماضي. مع الإشارة إلى أن حجم عمليّات المنصّة المتبقي، والمحدود جدًا، يعكس بعض عمليّات تحويل الرواتب إلى الدولار، عبر ماكينات الصرف الآلي.
في خلاصة الأمر، ساهمت كل هذه العوامل معًا بزيادة الضغط على سعر الدولار في السوق، وهو ما يفسّر وتيرة ارتفاعه خلال الأسبوعين الماضيين، تمامًا كما كان هناك عوامل متعددة تفسّر ارتفاعه السريع خلال الأسابيع السابقة . أمّا أخطر ما في الموضوع، فهو أنّ كل إجراءات السياسة النقديّة التي يقوم بها مصرف لبنان، بما فيها تلك التي تتصل بدور المصارف والصيارفة في سوق القطع، باتت خاضعة لصفقات وحسابات وتجاذبات تتخطى إطار وأهداف السيطرة على قيمة الليرة اللبنانيّة. فرغم أثر الإقفال المصرفي على المودعين وقيمة الليرة معًا، لا يبدو أن المصرف المركزي يتجه حتّى الآن إلى اتخاذ خطوة حازمة اتجاه ما يجري، لأسباب غير واضحة حتّى اللحظة.
ردّاً على عملية إحراق عدد من فروع المصارف، رأت جمعية المصارف في بيان لها يوم الجمعة 17 شباط، أنه "بدأت خطة التدمير الممنهج للقطاع المصرفي على يد مجموعة من المدفوعين المرتزقة الذين لا يتعدون الخمسين شخصاً".
ورفضت الجمعية تصنيف هؤلاء في خانة المودعين لأن "المودع المتمتع بالحد الأدنى من الذكاء والمنطق يعرف أنه بإحراق المصارف، إنما يضرّ نفسه وسائر المودعين، إن عبر حرمانهم من الاستفادة من آليات الصرف الآلي أو من خلال نفقات التصليح التي ستزيد من الأعباء المصرفية وتضعف إمكانيات المصارف بإعادة حقوقهم".
وأشارت إلى أنها "في حيرة من أمرها" في ما يتعلّق باتهامها بأن إضرابها أدى إلى انخفاض سعر صرف الليرة. فـ"إذا أقفلت يعتبر إقفالها أنه وراء هبوط العملة الوطنية، وإذا فتحت، زُعم أنها تضارب على الليرة".
ولتبرير أين ذهبت أموال المودعين، لفتت الجمعية النظر إلى أن المصارف "تودع ودائع زبائنها لدى مصرف لبنان، لا سيما تنفيذاً لتعاميم مصرف لبنان وتماشياً مع أصول التعامل المصرفي العالمي، فتستخدم هذه الأموال رغم إرادتها لدعم سعر الصرف ولتمويل الدولة، ثم تتنصل الدولة من إعادتها، وينبري غوغائيون لتبرئة الدولة من التزاماتها".
وبفعل هذا التوظيف "تخسر المصارف كل أموالها الخاصة التي كانت تتجاوز الأربعة وعشرين مليار دولار". ومع ذلك "تتهم بأنها استولت على الودائع واقرضتها لمصرف لبنان طمعاً بالمال".
وذكّرت المصارف بأن "الدولة بعد اندلاع الأزمة في 17/10/2019، صرفت ما يزيد عن العشرين مليار دولار لغاية تاريخه دعماً للتهريب وسعر الصرف، فيحمّل المودعون المصارف مسؤولية الخسارة. وأقرضت المصارف أكثر من خمسة وخمسين مليار دولار من الودائع وتعمل لاستعادتها من مدينيها لتعيدها إلى المودعين، فتلزمها معظم القرارات القضائية بقبض هذه الديون على أساس سعر صرف قدره 1.507.58 ليرة لبنانية أو في أحسن الأحوال بموجب شيك مصرفي بالدولار المحلي مسحوب على مصرف لبنان يساوي أقلّ من خمسة عشر بالمئة من قيمة القرض الذي حصل عليه. فمن أين تعيد المصارف الودائع لزبائنها؟".
وختمت الجمعية بيانها بالتوجّه إلى المودعين بتأكيد "تفهّمها إحباطهم". وتساءلت "أما آن الأوان لكي تفتحوا عيونكم وتدركوا أن الأموال اللازمة لتسديد ودائعكم ليست عند المصارف، فلا يفيدكم دخولها عنوة ولا تدميرها ولا تكسير محتوياتها، لأنكم بذلك تسيئون إلى أنفسكم وتفاقمون الخسارة وتقللوا من فرص استعادة حقوقكم. وقد آن الأوان أن تعوا من هدر حقوقهم وإلى من يجب توجيه سهامكم وضغطكم لاستعادتها".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|