القانون 306 ما له وما عليه بين المفعول الرجعي وتبييض الأموال...
مجدّداً، تعود اللعبة الى المصارف والقضاء. وهذه المرة، في صلب نقاش #السرية المصرفية وتبييض الأموال، إذ إن لبنان، بعدما دخل في أزمته المتراكمة منذ ما لا يقل عن ثلاثة أعوام، "يصارع" بين سندان الإصلاحات وشروط صندوق النقد الدولي، ومطرقة المصارف ومتطلباتها.
الإشكالية هذه المرة ترتبط بالقانون الرقم 306، وبمدى ارتباطه بالسرية المصرفية والمفعول الرجعي لها، الى جانب تضمينه بند تبييض الأموال.
ومن المعلوم أن هذا القانون هو قانون معدل لقانون السرية المصرفية الذي أقره لبنان، للمرة الأولى في عام 1956، إذ على مرّ الأعوام، خضع النص التشريعي هذا لأكثر من تعديل، الى أن رسا النص الأخير على تعديلات أخيرة أقرّها مجلس النواب في عام 2022.
وعلى مر الأعوام أيضاً، تعددت المبررات لهذا التعديل، مثل صدور قانون النقد والتسليف وإنشاء مصرف لبنان، وانضمام لبنان الى اتفاق تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وإصدار التشريعات المطلوبة وارتفاع وتيرة التهرّب الضريبي. الى أن أتت الأزمة الأخيرة، حتى جعلت معها القانون الساري لا يلبّي حجم الواقع، بعد تقييد سحب السحوبات من المصارف، ومع وضع صندوق النقد يده على الملف المالي – النقدي في لبنان، وربطه المساعدة بسلّة إصلاحية.
ضمان حرّية الأفراد
كل ذلك، جعل قانون السرية المصرفية القائم منفصلاً عن الواقع، فكان أن أقرّ مجلس النواب تعديلاً في أواخر العام الفائت. وهذا التعديل الأخير أعاد تسليط الضوء على أمرين مهمين. الأول، أن متن القانون لم ينصّ على المفعول الرجعي، فيما القضاء يصر على ذلك، مع اعتبار المفعول الرجعي يعود الى عام 1988.
أما الامر الثاني فهو تضمين القانون بنداً متعلقاً بتبييض الأموال. فكيف يمكن تفسير هاتين النقطتين المرتبطتين مباشرة بالمصارف من جهة وبحقوق المودعين من جهة أخرى؟
ينطلق رئيس مؤسسة "جوستيسيا" الحقوقية الدكتور بول مرقص من معادلة تؤكد أن "التعديل الأساسي الذي أورده القانون الرقم 306/2022 على قانون سريّة المصارف لعام 1956 كان إشراك القضاء في صلاحية رفع السريّة المصرفية، بعدما كانت هذه الصلاحية مرتبطة فقط بهيئة التحقيق الخاصة المنشأة بالقانون 44/2015 أي (مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب) وبالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد".
ويشرح لـ"النهار": "من هنا، لم تكن هناك إشكالية لرفع السريّة المصرفية، سابقاً لهذا التعديل الأخير، عند الاشتباه في جرائم الفساد، إذ إن للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد صلاحية رفع السرية المصرفية بموجب المادة /19/ من القانون رقم 175/2020 (قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد) وذلك من خلال توجيهها طلباً إلى هيئة التحقيق الخاصة (المنشأة بموجب القانون رقم 44/2015 المتعلق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب) التي تتمتّع بصلاحية استنسابية بالرفض أو بالقبول برفع السريّة المصرفية. فلم يكن هذا الأمر مطروحاً أبداً".
تبييض الأموال
وفق مرقص، فإن "القانون الرقم 306/2022 لم يتضمّن أي بند يتناول بشكل صريح المفعول الرجعي، لأنه لو نصّ على المفعول الرجعي لكانت إشكالية أيضاً، لأن من الصعب تصور قانون يأتي بمفعول رجعي إلا بحدود ما يعود بالنفع على المستفيدين من هذا التعديل، فإن مبدأ عدم رجعية القانون هو أساساً في كفالة حريات الأفراد وحقوقهم، وضمان الثقة بالقانون، وتوفير الاستقرار والنظام في المجتمع".
هكذا، فإن هذه الإشكالية هي بين القضاء والمصارف، ومجلس النواب الذي لم يمكنه التشريع بنص آخر، لكن ألم يكن بالإمكان احترام حرّية الأفراد وفي الوقت نفسه، تجاوز هذا اللغط في متن التشريع والدخول في صراع قضائي – مصرفي؟
يجيب مرقص: "إن قانون رفع السرية كان ليصلح، لو كانت في لبنان "دولة حقوق" توحي الثقة وتبعث الطمأنينة في نفوس المواطنين والمكلّفين وقوانين تحمي الخصوصية وإدارة البيانات الشخصية حتى يفرجوا عن تفاصيل حساباتهم".
في المبدأ، إن من الأهداف الأساسية لأي قانون يتعلق برفع السرية المصرفية، مكافحة الفساد والحد من التهريب ومن أي جريمة مالية. من هنا، ثمة سؤال مشروع وهو: لماذا إدخال تبييض الأموال من ضمن القانون نفسه؟
يرى مرقص أنه "تمّ إدخال موضوع تبييض الأموال في القانون 306 لأن من المهم دائماً تتبع الأموال الناتجة عن عمليات غير مشروعة ورفع السرية المصرفية في حال الاشتباه بوجود جريمة تبيض أموال أو مرتبطة بها".
"النهار"- منال شعيا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|