رياضة

نجم “ليفربول” محمد صلاح… هل خذل “مسلمي” العرب؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تصرفات عفوية تضع صلاح في مرمى الاتهامات دوماً، ليصبح فجأة نموذجاً عن التهاون في الدين والأخلاق، وعدم التمسّك بالتقاليد والعادات العربية والإسلامية!

لا جديد يُذكر ولا قديم يُعاد، فالشتائم والاتهامات التي لحقت بمحمد صلاح، عقب نشره صورة تجمعه وعائلته بالممثل الأميركي ويل فيريل، باتت مألوفة ومتوقّعة في السنوات الأخيرة.

الانتقادات ذاتها تتكرر في كل مرة ينشر فيها اللاعب المصري ونجم “ليفربول” صورة عفوية تعكس انفتاحه على الثقافات الأخرى؛ فالتعليقات اللاذعة وخطابات التخوين تلاحق محمد صلاح كيفما تصرّف في أجواء البلد الذي يحترف فيه كرة القدم، سواء شارك في طقس ديني أو أدى واجباً اجتماعياً أو حضر حفلاً وبدا “مندمجاً” مع المحيطين به. 

ينتقده تقليديون محافظون إذا نشر صورة لاحتفالات عيد الميلاد، ويخوّنونه إذا قدم العزاء لعائلة الملكة البريطانية، ويعايرونه إذا لمست يد ممثل أجنبي كتف زوجته! تصرفات عفوية كهذه تضع صلاح في مرمى الاتهامات دوماً، ليصبح فجأة نموذجاً عن التهاون في الدين والأخلاق، وعدم التمسّك بالتقاليد والعادات العربية والإسلامية! 

كان كافياً أن يضع ممثل أميركي يده على كتف زوجة محمد صلاح أثناء التقاط صورة جماعية، ليتحوّل “فخر العرب” إلى “ديوث العرب”!

الانتقادات ذاتها تتكرر في كل مرة ينشر فيها اللاعب المصري ونجم “ليفربول” صورة عفوية تعكس انفتاحه على الثقافات الأخرى.

كيف اكتسب محمد صلاح لقب “فخر العرب”؟

أول من أطلق لقب “فخر العرب” على محمد صلاح، كان المعلق هشام الخلصي، أثناء المباراة التي جمعت فريقَي “فيورنتينا” و”يوفنتوس” بداية عام 2015؛ المباراة التي تألق فيها محمد صلاح وسجّل هدفين في شباك الحارس الأسطوري، بوفون. لكن حكاية انتشار لقب “فخر العرب” تعود إلى عام 2018، عندما نافس صلاح للمرة الأولى على جائزة اللاعب الأفضل في العالم بشكل فعلي، واحتلّ حينها المركز الثالث في سباق “الكرة الذهبية”، خلف لوكا مودريتش وكريستيانو رونالدو. في الأيام الأخيرة من السنة، كان صلاح يحتاج إلى زيادة غلة أهدافه، لتدعيم حظوظه لكسب اللقب، لكنه تصرف بشكل مغاير تماماً في المباراة التي جمعت فريقه “ليفربول” بنادي “أرسنال” نهاية عام 2018. منح صلاح ركلة جزاء لزميله البرازيلي فيرمينيو، الذي كان يمر بفترة “صيام تهديفي” حرجة، ليقدم له الدعم في المباراة، التي انتهت بفوز “ليفربول” بخمسة أهداف مقابل هدف وحيد. وقد علق المدرب الألماني، يورغين غلوب، في المؤتمر الصحافي عقب المباراة: “صلاح أعطى ركلة الجزاء لفيرمينيو، لقد كنت على وشك البكاء، لأننا نعرف أهمية التسجيل لصلاح في هذا الوقت. إنها تسديدة رائعة في كل حال”.

أشعل تصريح غلوب مواقع التواصل الاجتماعي، وانهال الجمهور بالمديح على النجم المصري وأخلاقه. وحينها، تحوّل التعليق العربي الشهير: “الله على أخلاقك يا فخر العرب”، إلى تريند؛ وغصّت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي العربيّة بمنشورات تتضمن قصصاً يمتزج فيها الواقع بالخيال عن المواقف الأخلاقية المشرفة لصلاح في أرض الملعب. وأُرفقت بالمنشورات صور لصلاح وهو يساعد زملاءه أو خصومه في المباراة، إضافة إلى صوره وهو يسجد على أرض الملعب؛ إذ اعتاد صلاح على الاحتفال بأهدافه بالسجود. بعدها، أصبح محمد صلاح بالنسبة إلى كثيرين ليس مجرد لاعب كرة قدم، إنما “فخر العرب”، والصورة الرمزية للرجل العربي المسلم الذي يمثلهم في لوحة نخبة نجوم كرة القدم العالمية.

لا تكتمل الصورة من دون الإشارة إلى موجة السخرية المرافقة لموجة التمجيد التي طاولت محمد صلاح مبكراً، فالآلاف استخدموا الهاشتاغ ذاته، مع منشورات ساخرة من قبيل: “هل تعلم أن اسم محمد صلاح لا نقاط فيه، لأنه تبرع بها لفريقه ليفربول لكي يبقى بالصدارة، الله على أخلاقك يا فخر العرب”. هذه الموجة الساخرة صاحبتها أيضاً أصوات لبعض المستائين من تقديس لاعب كرة قدم بهذه الطريقة، وصاحبتها منشورات تنتقد لباس محمد صلاح وهيئته، ورفض آخرون اعتباره قدوة لأخلاق المسلمين.

 حكاية الشاب المسلم محمد صلاح

سواء كان محمد صلاح يتصرف بشكل عفوي أو استعراضي، فلا يمكن إنكار أنه استطاع رسم حكاية لاعب كرة قدم مسلم في ملاعب أوروبا. يمكن فهم الأمر عند العودة إلى البداية، وتحديداً عندما كان صلاح لاعباً في نادي “بازل” السويسري، حين صرح في لقاء صحافي بأنه لا يجد أي صعوبة في الصلاة خمس مرات يومياً، إذ قال: “حتى أثناء السفر، دائماً ما تكون معي سجادة صلاة، وهذا أمر عادي ومعتاد بالنسبة الى أي مسلم حريص على قضاء العبادات اليومية”. وفي “بازل” أيضاً، في موسم 2013 – 2014، أوقعت قرعة تصفيات مجموعات دوري أبطال أوروبا “بازل” في مواجهة نادي “مكابي تل أبيب” الإسرائيلي. لعب صلاح ضد الفريق بمواجهتي الذهاب والإياب، في سويسرا وإسرائيل، لكنه حرص على تغليف هذه المواجهات بقشرة العدائية، وتهرّب من مصافحة اللاعبين الإسرائيليين، وصرح في وقت لاحق بأنه كان مرغماً على اللعب؛ ليبدو صلاح منذ البداية حريصاً على رسم صورة إعلامية عن نفسه تتناغم مع أفكار الجمهور العربي، شريطة ألا تؤثر هذه الصورة في مسيرته الاحترافية.

كان صلاح يسعى الى الاحتراف واللعب مع كبار أوروبا، وفي سبيل ذلك انتقل إلى نادي “تشيلسي” الإنكليزي في شتاء 2014، لكنها كانت خطوة مبكرة وغير محسوبة جيداً بسبب وجود عدد كبير من اللاعبين المتميزين في تشكيلة الفريق وصعوبة المشاركة أساسياً بينهم  آنذاك. ملاعب إنكلترا لم تفتح أبوابها على مصراعيها لصلاح، كما يظن البعض، وفي “تشيلسي” كان عرضةً للانتقادات، وسخر لاعب خط الوسط الصربي، ماتيتش، من الموسيقى التي يسمعها صلاح، والتي أوضح الأخير لاحقاً أنها أناشيد دينية للشيخ مشاري العفاسي. هكذا بدا صلاح في اللحظات الأكثر صعوبة بمسيرته، متشبثاً بأصوله وثقافته. وعندما تحرر من عقد “تشيلسي” بعقد إعارة لنادي “فيورنتينا” الإيطالي، اختار صلاح الرقم 74 (عدد ضحايا أحداث بو سعيد من النادي الأهلي)، ليعثر من خلال الرقم على رابط يضعه في واجهة القضايا الوطنية، وليبدأ بحصد ثمار عمله في إيطاليا ويعرف طريق النجاح.

خلال الرحلة الشاقة التي خاضها صلاح نحو القمة، حافظ على هوية ثقافية إسلامية واضحة، تجلت في الملعب بطريقة احتفاله المميزة، التي يختتم بها المشهد بعد أن يتلقى التهنئة من زملائه، حيث يرفع – أثناء عودته إلى وسط الملعب – يديه إلى السماء ثم يسجد على الأرض. وخارج الملعب، بدت تصرفات النجم المصري متوافقة مع الصورة النمطية للاعب المسلم الملتزم؛ فمحمد صلاح لم يشارك في الاحتفالات الصاخبة، وبدلاً من الدخول في علاقات غرامية مع ملكات الجمال وعارضات الأزياء، كما يفعل معظم لاعبي كرة القدم، تزوج صلاح من امرأة مصرية محجبة، تدعى ماغي محمد صادق، وأنجب منها طفلين، وسمى ابنته البكر “مكة”، ليؤهل أبو مكة نفسه للعب دور القدوة للشباب المسلمين. ويبدو أن تصرفات صلاح في أرض الملعب وخارجه، كان لها أثر إيجابي واضح، فبحسب دراسة أجرتها Stanford University، فإن محمد صلاح ساهم في تخفيف وتيرة جرائم الإسلاموفوبيا، التي كانت تفاقمت في بريطانيا بعد تفجيرات عام 2015 في لندن، والتي قُتل فيها 65 شخصاً، إذ تشير الدراسة إلى دور صلاح في تحسين الصورة النمطية عن الشباب المسلمين

من ينافس فخر العرب؟

جماهير “ليفربول” غنت لصلاح ذات مرة في الملعب: “إذا سجل صلاح أهدافاً أخرى، سأسلم أنا أيضاً”. أغنية طربت لها المواقع العربية وتداولتها، وروّجت معها لقصص عن شباب من “ليفربول” اعتنقوا الإسلام. هكذا بدأت تظهر شريحة من الجمهور، تؤمن بقدرة نجم كرة القدم على نشر الدعوة للإسلام، وفجأة لم تعد النجومية والأخلاق الحميدة كافية للافتخار بمحمد صلاح، الذي بات مطالباً بأن يكون داعية.

محمد صلاح ظلّ كما هو، يسجد ويحتفل بالطريقة ذاتها، ترافقه زوجته المحجبة إلى حفلات التكريم، متجاهلاً التعليقات العنصرية، لكن الأهم من ذلك كله أنه لاعب كرة قدم محترف وملتزم بقوانين وشروط النادي الذي يمثله، فلا يمانع ارتداء شارة بألوان قوس القزح في جولات الدوري الإنكليزي المخصصة لدعم المثليين، ولا يحاول أن يستثمر نجوميته للترويج لتعاليم الدين الإسلامي أو للاعتراض على ما ينافيها. المتشددون لم يرقهم ذلك طبعاً، لتبدأ حملات متتالية لسحب لقب “فخر العرب” من محمد صلاح.

بين اللاعبين العرب المحترفين في أوروبا، لا أحد ينافس محمد صلاح بمهارته وإنجازاته – نسبياً- سوى الجزائري رياض محرز، الذي أشار البعض إلى أحقيته بلقب “فخر العرب”، لكن المؤمنين المتشددين لم يجدوا به ضالتهم، وإنما عثروا على ما يريدونه في شخصية النجم المصري السابق ومحلّل قنوات “بي إن سبورت”، أبو تريكة؛ المعروف بانتمائه الى “حزب الإخوان المسلمين”، والذي استثمر الاستوديوهات التحليلية لمباريات الدوري الإنكليزي والفواصل بين أشواط المباريات، لنشر أفكار متطرّفة. هكذا بدأت الصفحات المتخصصة بالرياضة تعقد المقارنات بين أبو تريكة ومحمد صلاح، وترفع من شأن الأول لتحطّ من قدر الثاني. رياضياً، المقارنة بين صلاح وأبو تريكة مجحفة، فالتألق مع نادي الأهلي لا يعتبر أمراً إعجازياً كالتألق في أوروبا، ووجه المقارنة الوحيد الذي يبدو منطقياً هو إنجازات كل منهما مع المنتخب؛ والبعض يرى أن تحقيق كأس الأمم الأفريقية مرتين يرجّح كفة أبو تريكة، بينما الوصول إلى نهائيات كأس العالم يرجّح كفة صلاح؛ هكذا يدور النقاش بعبثية، ولا تحسمه سوى تفضيلات الجمهور لشخصية كل منهما خارج الملعب والمواقف “المشرفة”؛ العامل الذي يخدم أبو تريكة في المنطق الإسلامي.

أبو تريكة هو من يستحق لقب “فخر العرب” بالنسبة إلى كثيرين اليوم، فهو نجم كرة القدم الإسلامي المتطرف النموذجي الذي يُرضي ذائقة الجمهور السلفي؛ فهو من دعا كل اللاعبين المسلمين إلى مقاطعة جولات دعم المثلية، وهو من يعلو صوته دائماً ليتحدث عن مظلومية المسلمين في دول الكفار، التي يعيش من التعليق على دورياتها؛ فأبو تريكة بتناقضاته وعنجهيته ورجعيته، هو المثل الأعلى الحقيقي لأصحاب التعليقات المعادية لمحمد صلاح، ولكل لاعب عربي يحترف في أوروبا، ويتمكن من إيجاد نقطة توازن بين هويته الثقافية وبين قوانين وعادات البلد الذي يحترف كرة القدم فيه. لذلك، تحضر فيديوات أبو تريكة بوفرة مع كل حملة تشهير تستهدف محمد صلاح؛ وكأنه القدوة أو النموذج الذي كان ينتظر الجمهور العربي من صلاح أن يحتذي فيه.

تعليقاً على صورة عائلة محمد صلاح وويل فيريل، كتب أحدهم: “كدة يا صلاح! بدل ما تعلمهم الغيرة والنخوة والأدب، بقيت زيهم؟”، وكأن حراس الموروث، الذين يفترضون صحة وإمكان تطبيقه في كل زمان ومكان، يتوقعون من النجوم العرب المحترفين في الخارج أن يؤثروا في كل شخص يجتمعون فيه وينقلون إليه عاداتهم. لذلك يكره بعض المتشددين (والسذّج أحياناً) صلاح، لأنه لا يعيش في أوروبا في فقاعة منغلقة، ولأنه فشل بالتأثير في محيطه كما يُنتظر منه، واحتفل بعيد الميلاد مع الإنكليز، بدلاً من إجبارهم على الاحتفال بعيدي الفطر والأضحى، ولأنه عندما امتنع عن شرب الخمور لم ينهر الناس ويخبرهم أن الخمر حرام. باختصار: بعض التقليديين يكرهون محمد صلاح لأنه يعيش في إنكلترا ويتصرف وفق ذلك. 

كانوا سيحبونه أكثر ربما لو كان يعيش في إنكلترا وكأنه يعيش في مصر.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا