إقتصاد

دَين جديد بـ16.5 مليار دولار: سلامة تَهَرَّب والحكومات تواطأت

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تراكَمَ الدين العام على الدولة حتّى قارَبَ الـ100 مليار دولار، في ظل سعر صرف ثابت عند مستوى 1500 ليرة. ومنذ 3 سنوات انخفض حجم الدين بفعل انهيار قيمة الليرة. وحسابياً، رَمَت الخزينة عن ظهرها ثقلاً كبيراً، إلى أن كَشَفَ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ديناً جديداً بالدولار. فكيف ظهر الدين ومَن يتحمل مسؤوليته؟

تسهيلات للاستدانة
تضمَّنَت الميزانية نصف الشهرية التي أصدرها مصرف لبنان أخيراً، ملاحظة حول وجود نحو 16.5 مليار دولار ديناً لصالح المصرف المركزي على الدولة، متراكمة منذ العام 2007. وظَهَرَ هذا الدين نتيجة تغيير سعر الصرف الرسمي من 1500 ليرة إلى 15000 ليرة. ومع استمرار الأزمة واحتمال رفع سعر الصرف الرسمي، ستزيد قيمة الدين بالدولار لأنه مرتبط بالليرة.

في التفاصيل، ومنذ العام 2004 زاد معدّل شراء الحكومة للدولارات من مصرف لبنان بواسطة ليراتها الموجودة في حسابها الجاري داخل المصرف. لكن في العام 2007 قرّر سلامة والحكومة تسجيل عمليات الشراء على أنها ديون بالدولار على الدولة. واستمرّ تأمين الدولارات لتمويل الإنفاق العام، وعلى رأسه تغطية أكلاف شراء الفيول لصالح مؤسسة كهرباء لبنان.
قدَّمَ المركزي الدولارات من دون عراقيل، استناداً إلى وجود غطاء نقدي في حساب الدولة لديه، تشرِّعه سلفات الخزينة. ولم يكن هناك فجوة بين قيمة السلفة بالدولار وقيمتها بالليرة طالما أن سعر صرف الدولار ثابت. ومع ارتفاع السعر إلى 15 ألف ليرة وانخفاض قيمة الليرة رسمياً، لم تعد موجودات الدولة في حسابها بالليرة تغطّي قيمة الديون المسجَّلة بالدولار، فظهرت الفجوة التي قدَّرها المركزي بنحو 16 مليار و500 مليون دولار.

التسجيل في بند شائك
هذه القيمة لم تكن تظهر في ميزانية المصرف المركزي لأنها مسجَّلة ضمن بند "الموجودات الأخرى"، أي أن المركزي كان يعترف بها كموجودات له، لكنه لم يكن يسجّلها بشكل مباشر في ميزانيّته. كما لم تكن تبيِّنها الدولة في موازناتها السنوية كديون عليها للمركزي.

وتسجيل العمليات ضمن "الموجودات الأخرى"، هو أمر يحصل حتى في المصارف التجارية التي يطلب بعض عملائها تسهيلات معيَّنة، فلا يتم تسجيلها كديون بشكل مباشر لأن قيمتها مغطاة في حساب الزبون. وفعلياً، لم تكن الدولة في حالة عجز تجاه المركزي، لأنها تملك قيمة الدين في حسابها، لكن بالليرة. ولأن قيمة الدولارات موجودة في حساب الدولة بالليرة، لم تكن تُسَجَّل في الموازنة العامة كديون.
التسجيل في بند الموجودات الأخرى، أنتَجَ حالة شائكة، فهناك التزام على الدولة لم يُسَجَّل ديناً لأنها تملك ما يغطّيه بالليرة. ومن جهة أخرى يملك المركزي موجودات لكنها لا تُسَجَّل في ميزانيته لأنه لا يملكها، بل هي بحكم المعلَّقة، إلاّ أنها استحقّت عندما انخفضت قدرة الدولة على تغطية قيمة الدولارات التي حصلت عليها من المركزي، فأصبحت مكشوفة على مبلغ ليس بحوذتها.

مَن سيدفع الخسارة؟
تساؤلات كثيرة مرتبطة بهذا الملف، تبدأ من سبب احتساب تبديل الليرات بدولارات، كدين على الدولة، ولا تنتهي بسبب عدم إثارة الموضوع على مدى نحو 15 عاماً، من ضمنها 3 أعوام من الأزمة. علماً أن تغيير سعر الصرف الرسمي كان مطروحاً، مع كل ما يحمله من تداعيات على الدولة.

تؤكّد مصادر متابعة للملف في حديث لـ"المدن"، أن "حاكم مصرف لبنان سُئِلَ بين العامين 2020 و2021 عن هذا الملف، واكتفى بالقول أن العملية تجري منذ سنوات. بمعنى أنها أمر طبيعي. كما أن الملف لم يُطرَح يوماً داخل مجلس الوزراء أو في لجنة المال والموازنة النيابية، لأنه ملف تقني يُعنى بالحسابات بين وزارة المالية والمركزي". ولا تُخفي المصادر أنه "في السابق كان هناك تفاهم بين المركزي ووزارة المالية على عدم تحميل الدولة أعباء هذه العملية حتى لا يتضخَّم حجم الدين العام". فلماذا وافقَ الحاكم على ذلك؟
لا تجد المصادر سبباً لرفض الحاكم طالما أن قيمة المبالغ مغطاة بالليرة. ومع تغيير سعر الصرف الرسمي، كشف الحاكم أن له ديناً على الدولة. فمن سيدفعه؟
لتحديد الجهة التي ستدفع الدين، يجب تحديد المسؤوليات عنه، وهل أتى بفعل عمليات طبيعية وقانونية أم لا؟

نيّة مبيّتة
إن تبديل العملة المحلية بعملة أجنبية بين الدولة ومصرفها المركزي في أي بقعة من العالم، يفترض انتهاء العملية مع تأمين المبلغ ودفعه، ولا يُسَجَّل المبلغ ديناً لأن قيمته بالعملة المحلية دُفِعَت للمركزي. ويجب على وزارة المالية امتلاك كشف حساب يُظهِر تغيُّر قيمة الحساب المفتوح لدى المركزي مع كل سلفة خزينة تُقَر.

ما حصل في لبنان، هو أن المركزي لم يكن يأخذ قيمة السلفة من حساب الدولة لديه، بل سجَّلَ مجمل العملية كدين على الدولة، وبما أن موجودات الدولة لدى المركزي لم تعد تغطي قيمة الدين بفعل تراجع قيمتها، باتت الدولة مدينة للمركزي بفارق سعر الصرف. وخلال تلك السنوات، كان يجب على وزارة المالية أن تدرك أن موجودات الحساب لم تكن تنقص بالتناسب مع حجم الدولارات المشتراة من المركزي، وأن لا ترضى بتسجيل عمليات شراء الدولار كديون. في الجهة الأخرى، كان رياض سلامة يدرك ما وراء هذه العملية، أي كان هناك نيّة مبيّتة للحصول على مكسب مؤجَّل بفعل تغييير سعر الصرف. وأيضاً، تغاضت الحكومات عن السؤال حول هذا الفخ. أما القول بعدم المعرفة، فلا يستقيم، لأن للدولة مَن يمثّلها في المجلس المركزي لمصرف لبنان. ولذلك، المسؤوليات موزَّعة بالتكافل والتضامن بين المركزي والحكومات. لكن دفع الثمن سيكون من جيوب الناس، إمّا على شكل ضرائب أو بيع أصول الدولة تحت وطأة ضرورة سداد الديون.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا