استخدام أصول الدولة لردّ الودائع... سيف قاطع ذو حدّين!
مؤسسة مستقلة لادارة أصول الدولة لتأمين الإيرادات لصندوق استرداد الودائع المقترح حكومياً
هذه المساهمة ليست ديناً جديداً يترتب على الدولة لصالح المودعين بل هي دين سابق يتوجب عليها هيكلته
إصدار صندوق استرداد الودائع سندات أو أوراقاً مالية للمودعين مخالف للدستور ولقانون النقد والتسليف
من البديهي تعثر تنفيذ وعد حصول الصندوق على العائد الفائض عن الأرباح الناتجة عن تشغيل أصول الدولة
يدرس المجلس النيابي حالياً مشروع قانون الانتظام المالي، والذي فيه توزيع نسبي للخسائر مع امكان رد ما امكن من الودائع . فهناك ضمان (نظري) لرد المصارف ودائع حتى 100 الف دولار وبقيمة قد تصل الى 20 مليار دولار وتشمل 88% من الحسابات. والباقي، بعد تصنيف ودائع مؤهلة وغير مؤهلة وشطب فوائد وامكان تحويل جزء من الودائع الى اسهم في المصارف، وجزء الى ليرة باسعار مختلفة (ليلرة)، وطرح امكان تدقيق في بنية الودائع لمعرفة المشروعة من غير المشروعة... الباقي يرحّل الى صندوق سمي «صندوق استرداد الودائع»، ايراداته من جملة مصادر بينها مساهمة من الدولة. في المقابل هناك جملة مشاريع ابرزها ما قدمته كتلة نواب القوات اللبنانية والخاص بانشاء مؤسسة لادارة اصول الدولة تدر ايرادات متعاظمة تعزز المالية العامة وتسهم في اعادة تكوين الودائع.
يذكر ان صندوق النقد الدولي يحذر من التمادي في استخدام اصول الدولة لإطفاء الخسائر (رد الودائع)، إذ من شأن ذلك التمادي الحؤول دون استدامة الدين العام. فالموازنة لإنفاقها الاجتماعي والاستثماري بحاجة لايرادات تلك الاصول والتي عليها ايضاً عبء رد الدين وفوائده.
إذن، على عاتق الموازنة اعباء كثيرة ولا يمكنها اضافة رد الودائع الى تلك الاعباء، لا سيما وان الحديث يدور حول 30 الى 35 مليار دولار تعود لكبار المودعين ويجب ردها لهم بحسب سياسيين ومصرفيين ونواب واصحاب قرار و»لوبيات» ضغط ومصالح من جهات أخرى مختلفة.
وهناك تحذير آخر لا يقل خطورة مفاده ان اي التزام للدولة تجاه المودعين، سواء في صندوق او اوراق مالية او سندات سيفتح شهية حاملي سندات اليوروبوندز، الذين اوقفت حكومة حسان دياب الدفع لهم في آذار 2020 بانتظار اتفاق مع صندوق النقد وبرنامج انقاذي يتضمن، في ما يتضمن، اعادة هيكلة الدين العام ومفاوضة الدائنين لإجراء «هيركات» على تلك السندات بين 60 و80%. اما اذا التزمت الدولة رسمياً وقانونياً بان هناك خسائر في الودائع ستتحول الى ديون سيادية ، فما من ضمانة تؤكد قبول حملة اليوروبوندز الاجانب الذين يحوزون سندات بقيمة تزيد على 17 مليار دولار باعادة هيكلة قائمة على شطب كبير من القيمة الاسمية لذلك الدين الخارجي. وقد يلجأ حملة اليوروبوندز الى رفع دعاوى دولية ( في نيويورك تحديداً) للمطالبة بسداد كامل الدين تحت حجة ان دولة لبنان تسدد ديوناً كاملة لاصحاب الودائع، او انها تستخدم مخزون الذهب لهذه الغاية او اصول الدولة. ويمكن ان يجد لبنان نفسه امام احكام دولية بالحجز على الاصول.
فمن خلال اصدار صندوق استرداد الودائع الذي تشارك الدولة في تمويله عبر اصولها و/ أو إيرادات اصولها ، سندات أو اوراق مالية لمصلحة المودعين، او من خلال توزيع أرباح من المؤسسة المستقلة المقترحة لادارة اصول الدولة على صندوق لاعادة تكوين الودائع، ما قد يهدد بتحويل الودائع إلى دين عام اضافي على اجمالي ديون الدولة المتعثرة، ويفتح المجال واسعاً امام اعتراض الجهات الدائنة الخارجية أي حملة سندات اليوروبوند، قضائياً. وإذا كان مسار التفاوض لسداد الديون الخارجية يتجه نحو التوافق على اقتطاع 60 الى 80% من قيمة سندات اليوروبوندز، قد يعود الى نقطة الصفر مع أحقية حاملي السندات المطالبة بمعاملتهم بالمثل ( كالمودعين) وتسديد كامل قيمة السندات او تعديل نسبة الاقتطاع (haircut) تخفيضاً بنسبة كبيرة.
من جهته، شرح النائب غسان حاصباني ان اقتراح قانون انشاء مؤسسة مستقلة لإدارة اصول الدولة يهدف الى اصلاح مؤسسات القطاع العام وابعادها عن التأثير السياسي، كما تعزيز ايرادات الخزينة والمساهمة في حصة الدولة من اعادة تكوين الودائع، مشدداً على ان القانون لا ينص على انشاء صندوق لاسترداد الودائع على غرار قانون الانتظام المالي الذي يخصص صندوقاً لذلك من دون معرفة كيفية تمويله باستثناء التزام الدولة بتخصيص مبلغ 2 مليار دولار وهو مبلغ غير كافٍ، بالاضافة الى تخصيص نسبة معيّنة من فائض الموازنة لتمويله، «مما يوحي بعدم وجود نيّة حقيقية من قبل الدولة لتمويل هذا الصندوق».
من هنا جاءت فكرة اقتراح قانون انشاء مؤسسة مستقلة لادارة اصول الدولة، وفقا لحاصباني، من اجل تأمين ايرادات لصندوق استرداد الودائع الذي ينص عليه قانون الانتظام المالي، حيث تحاول الدولة تحميل المصارف والمودعين فقط كلفة الخسائر، «علماً انها معنيّة مباشرة في المساهمة باعادة تكوين الودائع بشكل جزئي على الاقلّ، لانها مسؤولة عن الخسائر التي تكبدتها من خلال هدر اموال المودعين على مرّ 30 عاماً ومسؤولة عن تدمير الودائع».
وشدد حاصباني على ان «هذه المساهمة لا تعتبر بأي شكل من الاشكال ديناً جديداً يترتب على الدولة لصالح المودعين، بل هو دين سابق يتوجب عليها اعادة هيكلته وتسديده، ولا يمكن ان تتهرّب منه».
ولهذا الهدف، اعتبر حاصباني ان تشركة الهيئات والادارات والمؤسسات العامة التي تقوم بعمل ذات طابع تجاري، في مؤسسة مستقلة لادارة اصول الدولة، تدار بطريقة تجارية سليمة من دون محاصصات او تدخلات سياسية، على ان تبقى ملكيتها للدولة كمستثمر وليس كمشغّل، ستكون الوسيلة لتأمين الايرادات، أوّلاً لخزينة الدولة، وثانياً لصندوق اعادة تكوين الودائع (الوارد في اقتراح قانون الانتظام المالي).
وشرح حاصباني ان لا جدوى من انشاء صندوق استرداد الودائع من دون تأمين الايرادات اللازمة لتغذيته، وإذا كان التعويل على تمويله من قبل اصول المصارف وملياري دولار فقط من قبل الدولة، فهذا الامر غير كافٍ وسيؤدي الى التعثر مجدداً في سداد الودائع، مؤكداً على ضرورة وجدوى ادارة اصول الدولة ذات الطابع التجاري من اجل تعزيز ايرادات الخزينة وصندوق استرداد الودائع.
وحول اعتبار الحكومة ان ادارة اصول الدولة لا توفر او تدر سوى مليار دولار سنويا، ردّ حاصباني: «اعطونا ادارة ليبان بوست، والميدل ايست - طيران الشرق الاوسط، والاتصالات، والريجي، والمرافئ، والكهرباء وغيرها... وسنؤمن ايرادات بـ6 مليارات دولار سنويا». لافتاً الى ان الادارة السليمة والفعالة لاصول الدولة تؤمن وفقا للتقييمات، حوالى 6 مليارات دولار سنوياً منها حوالى 2.5 مليار كلفة تشغيلية، وربح صافٍ حواليى 3.5 مليارات دولار يمكن تخصيص 1.5 مليار منها لاعادة تكوين الودائع، وبالتالي تأمين 15 مليار دولار خلال 10 اعوام. بموازاة ذلك، يجب اعادة رسملة المصارف بقيمة 15 مليار دولار، واقتطاع نسب معيّنة من الفوائد والودائع النائمة وغيرها، ليتقلّص حجم الفجوة من 70 الى ما بين 15 و20 مليار دولار. وفي النتيجة، يمكن سداد 40 في المئة من الودائع على مدى 7 سنوات، «وهو حلّ تدريجي وجزئي، ولكنه منطقي وقابل للتطبيق على عكس حلول الحكومة التي تؤكد انها ستسدد الودائع التي تقلّ عن الـ100 الف دولار، رغم اننا لا نعلم لغاية اليوم من أين ستأتي بتلك الاموال».
في هذا الاطار، رأى الخبير السابق في صندوق النقد الدولي منير راشد، ان فكرة استرداد الودائع خاطئة من اساسها، ولا يوجد أي اقتصاد بالعالم قادر على سداد اجمالي الودائع المصرفية، شارحاً ان صندوق استرداد الودائع يعمد الى شطب الودائع من القطاع المصرفي ومن ميزانيات المصارف ونقلها الى هذا الصندوق لتصبح التزاماً على الدولة بدلاً من المصارف. واكد راشد لـ»النداء الوطن» ان هذا الامر إجراء غير قانوني وغير مجدٍ ولا يعالج أزمة الودائع او يعيدها، «والدليل على ذلك ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اعلن ان صندوق استرداد الودائع غير مجدٍ لانه يحتاج الى 3 أجيال لسدادها».
وشدد راشد على ان شطب الودائع من المصارف وتحويلها الى صندوق استرداد الودائع يعني فعلياً ان المودع لم يعد يملك شيئاً سوى سند او ورقة صادرة عن الدولة تفيد انها تلتزم سداد قيمة وديعته السابقة، «ولكن متى وكيف ستسدد الدولة التزاماتها تجاه المودعين؟ إذا كان نائب رئيس الحكومة نفسه قد اعلن ان استثمار 20 مليار دولار من اصول الدولة في صندوق سيادي يؤمن عائداً بنسبة 5 في المئة فقط سنوياً (اي مليار دولار)، وبالتالي نحتاج الى 76 عاماً لسداد الودائع (في حال تم سداد الودائع التي تقل عن 100 الف دولار وبقي حوالى 76 ملياراً) وفي حال نجحت الدولة في ادارة اصولها بشكل شفاف وفعال».
واوضح راشد ان انشاء صندوق استرداد الودائع واصدار سندات او اوراق مالية للمودعين مخالف للدستور ومخالف لقانون النقد والتسليف ولا يحفظ حق المودعين، على عكس ما هو قائم لجهة المصارف حين يفلس احد البنوك يمكن ان يبيع اصوله لسداد اموال المودعين. لكن الدولة في حالة صندوق استرداد الودائع، لم تخصص اصولها كضمانات بل فقط وعدت بتوزيع العائد الفائض عن الارباح الناتجة عن تشغيل اصولها. اي انها في حال تعثرت عن السداد، وهو الامر البديهي، لا يمكن لحاملي تلك السندات او الاوراق الحصول على اموالهم.
وخلص راشد الى التأكيد ان انشاء صندوق استرداد الودائع هو «حيلة» لشطب الودائع من المصارف، وباب جديد لفتح المجال امام المزيد من الدعاوى القضائية بوجه الدولة!
باتريسيا جلاد - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|