“هيومن رايتس ووتش”: العائلات المتوسطة في لبنان… 10% من الكهرباء يومياً
"درج"
استخدم السياسيون والأشخاص المرتبطون بالطبقة السياسية قطاع الكهرباء لتعزيز أهدافهم السياسيّة، من خلال توزيع الوظائف في هذه الشركة التي تديرها الدولة لجني أرباح هائلة من العقود المربحة، غالباً على حساب الدولة، وجني الأرباح من قطاع المولّدات الخاصّة.
يعيش معظم اللبنانيين في عتمة شبه كاملة، فخلال الفترة الممتدة بين تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 وكانون الثاني/ يناير 2022، حصلت الأسرة المتوسطة على الكهرباء بما لا يتجاوز 10 في المئة من اليوم، أي بمعدّل ساعتين لكل أسرة متوسطة، بحسب تقرير لمنظمة “هيومن رايتش ووتش”.
وجاء في التقرير الصادر بعنوان: “كأنك عم تقطع الحياة‘: تقاعس لبنان عن ضمان الحق في الكهرباء“، أنّ السلطات اللبنانية تقاعست عن ضمان الحق في الكهرباء بسبب سوء إدارتها للقطاع على مدى 30 عاماً، ويحد ذلك من حصول اللبنانيين على حقوقهم الأساسية مثل الحق في الماء والتعليم والرعاية الصحيّة.
استناداً إلى مسح تمثيلي لأكثر من 1200 أسرة ومقابلات مع خبراء في الطاقة، يُسلّط التقرير الضوء على كيفية تكيّف سكان لبنان في ظل تقاعس الدولة عن توفير أكثر من ساعة أو ساعتين من الكهرباء في اليوم، والنسبة المئوية التي يخصصها الأفراد من دخلهم للحصول على الكهرباء من مصادر خاصة، وكيف يتسبب هذا النظام في تفاقم عدم المساواة في البلاد، وتأثير نقص الكهرباء على قدرة الناس على تحقيق أبسط حقوقهم، مما يدفع بهم إلى مزيد من الفقر.
وقالت نسبة عالية من الذين شملهم المسح إنّ انقطاع الكهرباء أثر على قدرتها على القيام بالمهمات المنزليّة العاديّة المرتبطة بالحقوق، مثل الحصول على الماء أو طهي الطعام أو المشاركة في أنشطة التعليم والعمل.
تحول انقطاع في لبنان إلى أزمة شاملة في صيف عام 2021، عندما عجزت الدولة اللبنانية عن توفير العملة الأجنبيّة اللازمة لشراء الفيول. منذ ذلك الحين، باتت مؤسسة كهرباء لبنان تكافح لتوفير أكثر من ساعة إلى ساعات من الكهرباء في اليوم. وعملت سوق المولّدات، المُكلِفة وشديدة التلوث، على سدّ فجوة التغذية بالتيار الكهربائي، لكن هذه المولدات متاحة فقط لمن يستطيع تحمل تكلفتها من الأثرياء، مما عمّق عدم المساواة المتجذّرة في البلاد، ودفع الناس إلى مزيد من الفقر في ظل واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في التاريخ الحديث.
قفزت نسبة التضخم إلى 145 في المئة عام 2021، لتضع لبنان في المرتبة الثالثة عالمياً من حيث أعلى معدّلات التضخم، بعد فنزويلا والسودان. كبح ذلك القدرة الشرائية والقدرة على تأمين الاحتياجات الأساسية للأسر، وكان تأثيره الأشدّ على الأسر الأكثر فقراً في لبنان. إضافة إلى ذلك، تسبب انفجار المرفأ في 4 آب/ أغسطس 2020، بأضرار كبيرة للبنية التحتية، بما في ذلك النقل والطاقة وإمدادات المياه والصرف الصحي والخدمات البلديّة وتراوحت قيمة الخسائر بين 390 و475 مليون دولار. بحسب “البنك الدولي”، وتسبب الانفجار بأضرار مادية تقدّر بنحو 3.8-4.6 مليار دولار.
فقدت العُملة الوطنية أكثر من 95 في المئة من قيمتها قبل الأزمة. أدّى هذا الانخفاض السريع في قيمة الليرة، وكذلك العقبات التي واجهت سلسلة التوريد ونقص الوقود، إلى ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية وصل إلى 483 في المئة في كانون الثاني/ يناير 2022، مقارنة بالعام السابق، وظلّ مرتفعاً في حدود 332 في المئة حتى يونيو/ حزيران 2022، وشهدت أسعار الكهرباء والماء والغاز ارتفاعاً حاداً بلغ نسبته 595 في المئة.
ساهمت الأزمات المتفاقمة في تقويض سبل عيش عشرات الآلاف من الأشخاص. كما أدّت البطالة، وتراجع التحويلات المالية، ورفع الدعم عن الواردات الأساسيّة إلى دفع ملايين الناس نحو الفقر وتفاقم البؤس. تقدّر “الأمم المتحدة” أنّ أكثر من ثلثي سكّان لبنان يعيشون تحت خطّ الفقر.
كما أن الحصول على الكهرباء من مولّد خاص أو تجاري لسدّ الفجوة الحاصلة في كهرباء الدولة يعتمد على الدخل. في فئة الـ20 في المئة من الأسر الأكثر فقراً، هناك أسرة من كل 5 أسر لا تحصل على الكهرباء من مولّد. إضافة إلى ذلك، تنفق الأسر ذات الدخل المنخفض حصّة أكبر بكثير من دخلها على فواتير المولّدات مقارنة بالأسر الأكثر ثراءً، ما يفرض ضغوطاً على ميزانيات الأسر ويجعلها أكثر عرضة للتخلّف عن سداد النفقات الأساسية الأخرى.
برغم أنها تستنزف جزءاً كبيراً من دخل الأسر، إلا أن المولّدات والمصادر البديلة، مثل الألواح الشمسية، لم تسدّ تماماً الفجوات الحاصلة في إمدادات الكهرباء. تقدّر الأسر اللبنانية المتوسطة أنها تمضي حوالي 9 ساعات في اليوم من دون كهرباء من أيّ مصدر، بعدما كان ذلك في حدود 90 دقيقة في اليوم قبل الأزمة.
وعدت الحكومات المتعاقبة على مدى عقود بإصلاح قطاع الكهرباء، لكن ذلك لم يتحقق، وقد استخدم السياسيون والأشخاص المرتبطون بالطبقة السياسية قطاع الكهرباء لتعزيز أهدافهم السياسيّة، من خلال توزيع الوظائف في هذه الشركة التي تديرها الدولة لجني أرباح هائلة من العقود المربحة، غالباً على حساب الدولة، وجني الأرباح من قطاع المولّدات الخاصّة.
إضافة إلى الضرر الذي يلحق بالأسر ذات الدخل المنخفض، يتسبب اعتماد منظومة الكهرباء في لبنان على محطّات تعمل بزيت الوقود الثقيل وعلى مولدات المازوت في تلوث الهواء بشكل كبير، ما أثر بشدة في البيئة وتسبب في تداعيات وخيمة على صحة السكّان، وأدّى إلى وفاة الآلاف منهم كل عام بحسب بيانات “غرينبيس”.
وحملت المنظمة السلطات اللبنانيّة المسؤولية عن الانتهاكات اليوميّة لحق السكان في الكهرباء وفي تحقيق مستوى معيشي لائق، وفي التعليم والصحة والبيئة الصحية،\ وقالت إنه يتعين على السلطات اللبنانية الانتقال السريع إلى مصادر الطاقة المتجددة التي ستساعد لبنان على توفير المزيد من المال وخلق المزيد من فرص العمل، واتخاذ خطوات لإنشاء نظام حماية اجتماعية شامل يضمن منافع للناس طيلة حياتهم، مثل منح الأطفال وإعانات البطالة ومعاشات الشيخوخة.
وطالبت المنظمة “صندوق النقد الدولي” و”البنك الدولي”، بحث الحكومة اللبنانية على إصلاح قطاع الكهرباء بما يتماشى مع التزامات لبنان في مجال حقوق الإنسان، وضمان حصول كل الناس على كهرباء آمنة ونظيفة، بغضّ النظر عن وضعهم الاقتصادي والاجتماعي وقدرتهم على تحمل تكلفتها.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|