الصحافة

القاضية التي تسلّلت إلى "جنّة الحاكم"... المُحرّمة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

طيلة سنوات «العزّ»، لم يخطر ببال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أنّه سيقف في آخر أيام حاكميته أمام العدالة مُستجوباً أو مُستَمعاً إليه على طريق «الإتّهام». صحيح أنّه منّن اللبنانيين بأنهم استفادوا نسبياً من «نِعم هندساته» المالية والمصرفية، قبل اكتشافهم أنهم ضحايا هذا النظام المبني على ركائز اقتصادية غير متينة، أو بالأحرى على أسس غير اقتصادية... ولكن سلامة هو «الشيطان الأكبر»؟ لا. لكنّه الساكت عن غرفهم السوداء في الوزارات والإدارات، في أحسن الأحوال. وفي أسوئها، نفّذ سياساتهم فأصدر معهم حكم الإعدام بحق العملة الوطنية والمواطن. وتحوّل إلى حاكم لمصارف الحكّام. لكن من يُطعم الوحش لا يُروّضه، بل يُعدّ نفسه لقمة على مائدته.

بغض النظر عمّا ستؤول إليه جلسات الإستماع إلى سلامة وشقيقه رجا ومعاونته ماريان الحويك، من قبل قاضي التحقيق الأول بالإنابة في بيروت شربل أبو سمرا، بناءً على طلب رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر أمام الوفد القضائي الأوروبّي، فقد شكّل وقوف الحاكم المركزي في قصر العدل، «فشّة خلق» للبنانيين الذين وقفوا طويلاً أمام محطات المحروقات والمصارف والأفران. يتمنّون أن يطال سهام العدالة كبار المسؤولين والسياسييّن. أن يُشاهدوهم في محكمة. أمام قاضٍ. يُحكامون. يُستجوبون. أوّ أقلّه يُستمع إليهم بعدما صمّوا آذانهم عن أنين الناس وأوجاعهم. أن تطالهم دعوات القاضية إسكندر والمطالبة بحجز أملاكهم العقارية وتجميد حساباتهم المصرفية وحسابات أزواجهم وأولادهم القاصرين، أسوة بالأخوين سلامة، ريثما ينتهي التحقيق ليُبنى على الشيء مقتضاه.

غاب وجه سلامة عن العدالة المحليّة لأشهر عدّة. لم تسقطه «الغارات المُنسّقة» على مكتبه أو منزله. «مرتاح على وضعه» على عكس الليرة، إلى أن حلّ الوفد القضائي الغربي «ضيفاً ثقيلاً» في بيروت. فالعين الأوروبيّة «احمرّت» على سلامة و»المنظومة». أما العين اللبنانية التي كانت تنتظر على أحرّ من الجمر، فاقتنصت هذه الفرصة لتُشبك عدالتها مع الخارج. وما عجزت عنه «قاضية العهد» غادة عون، تمكّنت منه رئيسة هيئة القضايا القاضية هيلانة اسكندر عبر القانون والإستفادة من المعاهدات الدولية ذات الصلة. وبعدما تابع اللبنانيون مسلسل «عون «آند» سلامة» المشوّق، توجّهت أنظارهم جديّاً إلى اسكندر. اقتحمت القاضية الجبهة متسلّحة بسمعة قضائية ناصعة وحافلة بالإنجازات، وفق أوساط قضائية على بيّنة من مسيرتها. دخلت اسكندر معترك العدالة بعد صدور مرسوم تعيينها قاضية أصيلة. الإنطلاقة كانت في محكمة البداية في بيروت، ثمّ مستشارة بالوكالة في محكمة جنايات صيدا لتكون أوّل امرأة تعمل مستشارة في محاكم الجنايات بتاريخ لبنان، حيث استمرت بين العامين 1990 و1993.

ثمّ عملت قاضياً منفرداً للأحوال الشخصية في بيروت، ومستشارة في محكمة استئناف بيروت الغرفة الناظرة في دعاوى العجلة والتحكيم ورئيسة لمجلس التحكيم. كما كانت أصغر مستشارة بين زميلاتها وزملائها في محاكم التمييز. ثمّ ترأست محكمة الجنايات في بيروت في العام 2007، لتكون أول قاضية تستلم هذا الموقع الدقيق. ومن أهم البصمات التي طبعتها اسكندر في مسيرتها القضائية والإنسانية، أنّها واحدة من واضعي قانون حماية المرأة ضدّ العنف الأسري. إلى ذلك، تسلّمت ملفات بارزة في هذا النوع من القضايا الحسّاسة والمهمّة في لبنان. وبانتقالها إلى رئاسة هيئة القضايا في وزارة العدل، فتحت اسكندر صفحة جديدة في كتاب العدالة النازفة، ومتابعة ملفات الوزارات والإدارات المعنية وخصوصاً المتعلّقة بالمال العام.

اسكندر، التي تسلّلت قانونيّاً إلى ملف «الحاكم» من النافذة الأوروبيّة، اتُهمت بالتقصير في الحفاظ على حقوق الدولة اللبنانية. لكنها أوضحت في بيان سابق أن «رئيسة هيئة القضايا قد طلبت من المدّعي العام التمييزي غسّان عويدات الترخيص لها أو لمَن تنتدبه لحضور جلسات استجواب الوفد القضائي الأوروبي للشهود والمشتبه بهم في قاعة محكمة التمييز، وتصوير المحاضر لتتمكن من اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للحفاظ على حقوق الدولة. ولكن الإذن، وإن كان موقّعاً قبل بدء الإستجوابات فقد وصل إلى هيئة القضايا بعد أن كانت هذه الإستجوابات قد قطعت شوطاً كبيراً. عندها إرتأت الهيئة الإكتفاء بالاستحصال على نسخة من محاضر الإستجواب لأنها الأساس الذي سترتكز عليه عند أي مراجعة أو مطالبة».

كما أشارت إلى أنه «ليس بين محامي الدولة مَن له الحق بالمثول أمام المحاكم الأجنبية التي تلاحق حاكم مصرف لبنان ورفاقه، وبالتالي لا يحقّ لأيّ منهم التقدّم أمام محاكم هذه الدول بطلبات حجز أو استرداد الأموال المحجوزة هناك. ولا يحقّ لرئيسة هيئة القضايا تكليف محامٍ في الخارج لأن ذلك يتطلب قراراً من الوزير المختص واستدراج عروض وتوقيع عقد مع مَن يتم تكليفه من قبل وزير العدل تُحدّد فيه الأتعاب ويعطى العقد صيغته النهائية بمرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء...» وها هي اسكندر «ظهرت» بصفة مدعية في اولى جاسات سلامة أمام القضاة الأوروبيين.

في الخلاصة، لا شكّ أنّ حقول الفساد شاسعة، وطريق العدالة طويل. لكن عندما يتحرّك القضاء في الإتجاه الصحيح، تضيق مساحات الفاسدين. صحيح أنّ العقبات الداخلية التشريعية والسياسية لعبت دوراً سلبيّاً، إلّا أنّ التحرّك الأوروبي، شكّل رافعة للقضاء المحلي في الوصول إلى سلامة، الذي امتنع مراراً عن المثول أمام العدالة المحلية. وفرصة في تحصيل حقوق الدولة اللبنانية والمطالبة باسترداد الأموال المنهوبة والتحفظ على أيّ أصول تمّ الاستيلاء عليها نتيجة أنشطة غير قانونية.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا