بطلق ناري أو حرقاً أو طعناً: لماذا يتصاعد قتل النساء في لبنان؟
"درج": ابراهيم الغريب - صحافي لبناني
خلف الأبواب المغلقة، كثيرة هي قصص التعنيف الأسري، لا سيما في مدن مأزومة اجتماعياً واقتصاديا.
كانت في طريق العودة من زيارة عائلية، فترصّد لها تحت شرفة منزل ذويها وفي يده بندقية صيد. أطلق على رجليها النار وأرداها قتيلة بطلقة في رأسها أمام أعين أهلها في وضح النهار.
قُتلت منى الحمصي (53 سنة) على يد طليقها المؤهل أول المتقاعد عيسى سمية، أواخر شهر شباط/ فبراير الماضي في منطقة جبل محسن في طرابلس، بعد سلسلة تهديدات كان قد وجهها لها بحسب عائلتها.
منى التي تعيش في منزل أهلها منذ سنتين ونصف السنة، منتظرة قرار المحكمة للبت في طلاقها، كانت قد حرمت من رؤية أطفالها الثلاثة طوال هذه المدة. تنقل عائلة منى أن والد الأطفال كان يعنف الأبناء بشكل مستمر.
في منزل عائلة منى لا يزال شعور الصدمة والحزن والغضب طاغياً، فالأيام تمر بطيئة ثقيلة، فمنى التي أنهت دراستها الثانوية وعملت بعدها في دار لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، كانت تحاول تأمين استقلاليتها المادية.
تعرّفت إلى عيسى زوجها بشكل تقليدي وارتبطت به وأنجبت 3 أبناء.. أخفت عن ذويها أنها بدأت تتعرض للعنف المبرح منذ اليوم الأول للزواج.
تقول والدة منى لـ “درج”: “كانت تسكت وتعض على الجرح من أجل أطفالها، إلى أن جاءت إلينا منذ سنتين ونصف السنة مدبّغة الجسد من آثار التعذيب وقالت إنها لم تعد تريده فهو يضربها ويعذبها منذ اليوم الأول الذي تزوجته فيه . كان يطلب منها أن تُلبِسَه الجوارب وتقبل قدميه بعدها، كان يقول لها إنها إن تركت المنزل فسيقتلها ويقتل كل أهلها”.
حاولت منى الحصول على حريتها بالطلاق، وسلكت مساراً قانونياً، لكن قوانين الطلاق في لبنان صعبة ومعقدة، خصوصاً أن قوانين الأحوال الشخصية خاضعة للمحاكم الدينية التي تعطي غالباً القوامة والسلطة للزوج والأب والأخ في مسائل الطلاق والزواج والإرث عدا عن المحسوبيات والفساد المستشري في المحاكم وكل البلاد.
شقيقة منى كشفت لـ”درج” المماطلة التي عاشتها واستمرت لنحو 13 عاما”، كان يتهرب دائماً من حضور الجلسات، لقد وكّلنا 3 محامين لكنهم كانوا يأتون إلينا ويتراجعون عن استلام القضية طالبين منا ألا ندفع المال سدى، لأن المجلس الإسلامي العلوي متدخل في القضية بحكم نفوذ شقيق عيسى فيه . لقد حضر عيسى الجلسة الأخيرة وهدد أختي أمام القاضي، وقال لها إنه سيقتلها ويقتل كل أهلها. ماتت أختي وهي تنتظر إنصاف المحكمة لها بعد 13 سنة من التعذيب والألم”.
وحالياً، الزوج موقوف قيد التحقيق ولاحقاً المحاكمة، لكن عائلة منى تخشى من تدخّل مرجعيات دينية وسياسية لإطلاق سراحه تحت حجج مختلفة.
قصص لا تنتهي
خلف الأبواب المغلقة، كثيرة هي قصص التعنيف الأسري، لا سيما في مدن مأزومة اجتماعياً واقتصاديا مثل طرابلس، شمال لبنان، المدينة المطوّقة بالفقر والإهمال وسطوة رجال الدين والعائلة على حياة النساء.
منى الحمصي، هي الاسم المستجد في سلسلة ضحايا العنف الأسري، الذي لم تستطع النجاة منه، لكنها لن تكون الأخيرة للأسف.
في لبنان، يتكرّر شيوع أخبار تعرُّض النساء والزوجات للعنف، ويسمع الجيران والمقربون محاولات الاستغاثة، لكنّ أحداً لا يتدخل في معظم الأحيان، على أساس أن هذا يعدّ شأناً عائلياً خاصاً، وبذلك تنتشر ثقافة أن من حق الزوج والأب والأخ تأديب نساء العائلة والتحكّم بحياتهن. وعلى رغم صدور قانون حماية المرأة من العنف عام 2014، وتشريع الحق في تقديم شكوى الى قوى الأمن في حال اشتباه الجيران بتعرض امرأة ما لتعنيف، إلا أن التبليغ عن مثل تلك الحالات لا يزال محدوداً.
طرابلس كانت شهدت آخر العام الماضي جريمة قتل هناء خضر (21 سنة) على يد زوجها عثمان عكاري بعدما أضرم النار بها.
والدها محمد خضر يعيش في طرابلس، وتنقل عنه وسائل إعلام أنه في اليوم الأخير من زيارتها في أوائل آب/ أغسطس الماضي لعائلتها، جاء زوجها ليأخذها إلى المنزل حيث كانوا يعيشون، في جزء آخر من طرابلس، مع ابنيهما. “ثم تلقيت مكالمة هاتفية بعد الظهر تفيد بأن ابنتي في المستشفى”، يقول خضر. هرع إلى هناك ليجد هناء “تصرخ من الألم” ويتهم زوجها، كما يقول، بإغراقها بالغاز السائل من عبوة يحتفظون بها في المطبخ. “سألتها عما حدث فقالت لي، أبي، لقد أحرقني. أشعل فيّ النار”.
بعد أشهر طويلة على الجريمة، لا تزال عائلة هناء في حيرة من أمرها. زوجها، وهو سائق سيارة أجرة، في السجن في انتظار محاكمته بتهمة القتل. وقبلها، شهدت محافظة عكار جريمة قتل سيدة تبلغ من العمر 35 سنة على يد زوجها العسكري بعد إطلاق النار عليها.
الأرقام الى ارتفاع
وفق دراسة أجرتها منظمة “أبعاد” عام 2021 في لبنان، فإن نسبة التبليغ عن حالات العنف بحق النساء ارتفعت بنسبة 200 في المئة، فيما 92 في المئة من المعنّفات لم يبلّغن عن تعرضهن للعنف. وهذا مؤشر إلى أن قصصاً كثيرة تشبه قصة هناء مع التعنيف، ما زالت أسيرة الصمت والعيب وغياب الدعم.
الصحافية والناشطة النسوية عليا عواضة، قالت في حديث لـ “درج”: “هناك دائماً تلكؤ من الأجهزة الأمنية والمرجعيات الدينية بخصوص قضايا النساء”، وشددت عواضة على أن الرسالة يجب أن تكون لكل المرجعيات الدينية التي تستعمل الدين كشماعة لحماية النظام الأبوي”.
قتل النساء على يد أزواجهن ليس نادراً في هذا البلد، سواء بين اللبنانيين أو الـ 1.5 مليون سوري لاجئ في البلد. وفقًا لقوى الأمن الداخلي، قُتلت تسع نساء في جرائم عنف أسري بين كانون الثاني/ يناير وتشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، و18 امرأة في عام 2021. ويُعتقد أن الرقم الحقيقي أعلى بكثير، إذ يعتقد حقوقيون أنه لم يتم الإبلاغ عن كل الحالات.
على رغم أن الدستور يعتبر “كل اللبنانيين متساوون أمام القانون”، إلا أن عدم المساواة بين الجنسين ينخر في نسيج المجتمع من خلال مزيج من القيم الأبوية والتشريعات غير المتكافئة وإرث “الذكورة العسكرية” من الصراع الماضي، كما يقول النشطاء والمحامون والأكاديميون. ويتفاقم هذا بسبب الأزمة الاقتصادية القاسية في البلاد، مع تفاقم الفقر والفساد المستشري والخلل المؤسسي والشلل السياسي، كلها عوامل تعزز ضعف الأقل قوة في المجتمع.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|