عهد "أستانا" ولّى... الدور العربي في سوريا أقلع!
في كانون الثاني من العام 2017، انطلقت محادثات استانا للسلام في سوريا في جولتها الأولى، بين ممثلي الدولة السورية وعدد من قادة فصائل المعارضة السورية برعاية روسيا وتركيا في العاصمة الكازاخستانية "أستانة"، أما الجولة التاسعة عشرة والأخيرة، فعقدت في 23 تشرين الثاني 2022، في العاصمة الكازاخية، بمشاركة الدول الضامنة تركيا وروسيا وإيران، إلا أن كل هذه الجولات لم تفضِ الى أي نتيجة. فهل تعقد الجولة العشرون قريبا ويكون ختامها مسك، خاصة بعد التطورات الايجابية والانفتاح على الدول العربية مجدداً؟
يؤكد المحلل السياسي الدكتور خالد العزي ان "استانا" انتهت واستبدلها الروس في عملية تطبيع سريع ما بين الأتراك والسوريين. محادثات استانا لم يعد لها أي جدوى بعد العجز الروسي الواضح الذي لم يتمكن من إنجاز تسوية او تعويم النظام السوري وفقا لشروطه، ودخول المملكة العربية السعودية على خط القبض على الملف السوري مباشرة كما الايراني، ووضعت دفتر شروط للرئيس السوري بشار الأسد. وبالتالي التعويم لا يمرّ في انقرة أو طهران أو موسكو، بل يمرّ بشروط السعودية نتيجة موقع المملكة وقوتها وميزانيتها التي تخولها الدخول في مشاريع، خاصة مشروع إعادة إعمار سوريا.
لو كان من داعٍ لأستانا لما انعقد الاجتماع الرباعي امس، الروسي السوري التركي والايراني، الذي يعد الارضية للقاء الرئيسين السوري والتركي، في إطار التطبيع، ولكان اجتماع "استانا" بديلا. الا ان ما جرى يؤكد انتهاء حقبة استانا".
ويشير العزي الى ان "مسار استانا فشل بعد 19 جولة، ولم يستطع الروس استثمار انتصاراتهم العسكرية التي فرضوها بإنتاج نظام سياسي يستطيع ان يعوم دوره، كما بسبب عجزهم عن إعادة إعمار سوريا. كما ان استانا فشل لأنه لا يحظى برضى اميركي، وبسبب حصار قيصر على سوريا، حيث لم تتمكن روسيا ولا حتى الصين من فك هذا الحصار. يضاف الى كل ذلك العامل الاسرائيلي، والهجمات الاسرائيلية المتكررة على سوريا والتي يقابلها صمت روسي وايراني".
كل ذلك، يعود الى عملية تغيير الوجهة الدبلوماسية العالمية، والتي نتجت بحسب العزي، بسبب التقارب الايراني - السعودي والذي يشمل التقارب مع سوريا، والذي من شأنه ان ينعكس على لبنان، بالاضافة الى الملفين العراقي واليمني. وما جعل هذا التقارب يتم هو الضعف الروسي وانشغاله بحرب اوكرانيا وفرض عقوبات عليه وجر الايراني الى هذه الحرب والعقوبات المفروضة على طهران. من هنا، فإن ايران لا تستطيع التحرك لأنها وقّعت اتفاقا مع السعودية بعدم التدخل في شؤون الدول، كما ان وضعها الاقتصادي سيئ جداً، وأزماتها الداخلية تحكم عليها بالمواجهة، وهي بالتالي منشغلة في كيفية إقفال هذه الابواب".
ويؤكد العزي ان "مسار "استانا" لم يعد يعني تركيا لأنها لم تعد تريد التفرد في القيادة في سوريا، بل تسعى للتطبيع معها بسبب الأزمة الداخلية التي تعيشها ولأنها اتخذت قراراً بتصفير مشاكلها، وقد بدا ذلك واضحاً من خلال انفتاحها على العالم العربي وعدم قبولها بحماية معارضات اسلامية متطرفة تضر الموقف العربي".
ويتابع: "اذاً الموقف العربي استطاع ان يؤمن غطاء اقليمياً وخليجياً وبالتالي تقوم الامارات وقطر والكويت اليوم بعملية التسوية، لكن ضمن الاستراتيجية السعودية. فالمملكة وضعت 12 بندا او شرطا للاسد، وهذا يُسقط في النهاية مشاريع استانا ومشاريع روسيا كلها في المنطقة. ومن ضمن شروط المصالحة مع المعارضة والذهاب الى تعديل الدستور، والكشف عن معامل تصنيع الكبتاغون وآليات تهريبها وتصديرها إلى الدول العربية الخ. وبالتالي السعودية أمنت له غطاءين، الاول تعويمه من البوابة العربية اذا حلّ الـ12 بندا والثاني تتعهد السعودية ودول الخليج بإعمار سوريا ولكن هذا الاعمار لن يتم قبل الاصلاحات التي يجب ان يقوم بها النظام ومن ضمنها اعادة النازحين، إنما بعيداً عن الطريقة الشعبوية التي يتم التعاطي فيها بهذا الملف في لبنان"، مضيفاً ان "السعودية طلبت من الاسد أيضاً اقفال الحدود لمنع تجارة المخدرات والتهريب. كما من بين الشروط بند يطالب بخروج الميليشيات وحزب الله من سوريا. لكن التطبيع مع سوريا ودعوة الاسد الى حضور القمة العربية، لا تعني شيئاً إذا لم ينفذ الأسد الشروط، فيجني على نفسه وستكون السعودية أكثر حسما في عملية الضغط".
ويؤكد العزي ان "العقوبات وقيصر والشركات الاجنبية والتنقيب عن النفط لن يأتي الى سوريا اذا لم يكن هناك تغيير من قبل هذا النظام. السعودية فهمت امرا، وهو اذا تركنا استانا، فإن سوريا ستذهب اكثر باتجاه تطبيع وتغيير ديمغرافي في المنطقة من خلال ضرب الاقليات وجلب ايرانيين وعراقيين وباكستانيين وتوطينهم في سوريا عبر هذه الميليشيات، لأن بشار الاسد لن يستطيع ايجاد اي حل لهؤلاء بسبب مشكلته الاقتصادية في ظل الحصار والانقطاع الغربي والعربي عنه. من هنا، فهمت السعودية ان هناك فرصة لتقول لروسيا بأنها تقف معها في ملفات ايجابية ولكنها في المقابل تريد سحب الملف السوري من يد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كما تريد الملف السوري واليمني من يد الرئيس الاميركي جو بايدن".
وهنا، بحسب العزي، تتقاطع المصالح، "لأن هذين الملفين عربيين وبالتالي احتضانهما من الدول العربية واعادة الدور الى الامم المتحدة ومنظمات المجتمع الدولي والحضانة العربية سيؤدي الى تخفيف اعباء النازحين، وحل مشاكل المعارضة وسحب الميليشيات وبناء قوى معارضة من الداخل. فإذا سار الاسد بهذا الاطار، فذا يعني أنه فهم نقطة مهمة جدا، وهو أن مصيره سيحميه العرب ولن يذهب الى محاكمة دولية، ومن هنا اهمية التطبيع العربي للاسد".
ويختم : "دور استانا قَلَبَ كل الموازين وأخّر الحلّ، والروس بطريقة او بأخرى، كانوا يستخدمون الملف السوري من اجل التأثير والضغط في المنطقة لاعتبارات خاصة بهم، لكنهم فشلوا في هذا الملف ولم يتمكنوا من انتاج اي شيء وبالتالي هم من أبعدوا العرب عن ملف استانا، وقاموا بمفاوضات مع مجموعات عسكرية في استانا ووضعوا كل هذه التقسيمات، وبالتالي هم يسترضون الطرف الاسرائيلي الايراني التركي على حساب الطرف العربي. اليوم الطرف العربي يقول لهم بأنه سيستعيد هذا الملف وممنوع المتاجرة بالدين أو بالمذهبية، لأن هذا ما أدى الى تهجير نصف سوريا الى الخارج وجعلها دولة عصابات وكبتاغون".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|