"أصدروا بياناً يُضحك حتى الأموات"... نائب إيراني يتهمّ 3 دول بمقتل رئيسي!
هل يجرؤ رئيس "المردة" على الإعتذار؟
في ظلّ استراتيجية وحدة الجبهات التي يقودها «"حزب الله"» ويطبّقها في الحرب المفتوحة مع إسرائيل، تتراجع جبهة رئاسة الجمهورية في لبنان إلى الموقع الخلفي لتصبح أداة من أدوات هذه الحرب وسلاحاً من أسلحتها. وعندما يعلن «"الحزب"» أنّ مرشحه الرئاسي هو سيلمان فرنجية ولا أحد غيره، فهو يضع الرئاسة ضمن استراتيجية هذه المواجهة. فهل يعتبر فرنجية نفسه أنّه في موقعه الصحيح الذي يزجّه فيه «"الحزب"»؟ أم أنّ عليه الإعتذار؟
في 16 كانون الأول 1969 عُقِد اجتماع مسيحي موسّع في بكركي برئاسة البطريرك الماروني الكاردينال مار بولس بطرس المعوشي للبحث في الهواجس المسيحية والأخطار التي تهدِّد الكيان اللبناني. كان ذلك بعد سلسلة أحداث أمنية أدّت إلى توقيع «اتفاق القاهرة» في 4 تشرين الثاني 1969، الذي أعطى الفلسطينيين حقّ الحراك المسلّح في لبنان، وقبل أربعة أيام من انعقاد القمة العربية في الرباط في المغرب التي كان سيحضرها رئيس الجمهورية شارل حلو. حضر الإجتماع كلّ من: وزير الإقتصاد سليمان فرنجية، وزير التصميم موريس الجميل، رئيس حزب «الكتائب» الشيخ بيار الجميل، رئيس حزب «الوطنيين الأحرار» كميل شمعون، رئيس حزب «الكتلة الوطنية» ريمون إده، رئيس «الرابطة المارونية» شاكر أبو سليمان، الشيخ بطرس الخوري رئيس «جمعية الصناعيين» ورئيس الحزب «الدستوري» الشيخ خليل الخوري.
لم يكن هذا اللقاء تحت اسم «الجبهة اللبنانية» التي وُلِدت في الحرب أواخر العام 1975. ولكنه كان بداية لتلك المرحلة من خلال استطلاع مبكر للخطر الآتي على لبنان بسبب السلاح الفسطيني. لم يكن «اتفاق القاهرة» وليد التوازن السياسي والقبول الطوعي، إنّما جاء نتيجة ضغط أمني وعسكري وسياسي سوري وعربي وانقسام داخلي. بين نيسان وتشرين الثاني 1969 إعتكف رئيس الحكومة رشيد كرامي، وحاصر النظام السوري لبنان واستمرت العمليات الفلسطينية التي عرّضت لبنان للخطر، وكان أخطرها تدمير مطار بيروت في 28 كانون الأول 1968. منذ العام 1965 انطلق الكفاح المسلّح الفلسطيني من لبنان. بعد عامين انهزمت دول المواجهة في حرب حزيران 1967 واحتلّت إسرائيل الجولان السوري والضفّة الغربية وقطاع غزة وصحراء سيناء. قبل تلك الهزيمة كان الرئيس المصري جمال عبد الناصر يشعر بفائض من القوة على رغم انغماسه في حرب اليمن، ولذلك أمر بإغلاق مضائق تيران وسحب المراقبين الدوليين قبل أن تحصل الحرب وتنتهي بالهزيمة وبإعلانه إننا «انتظرناهم من الشرق فأتوا من الغرب»، على قاعدة «لو كنت أعلم»، ثم بتقديم استقالته قبل العودة عنها، والتضحية برئيس أركان جيشه اللواء عبد الحكيم عامر من خلال تحميله المسؤولية، الأمر الذي حمله على الإنتحار. وانعقد في 29 آب مؤتمر القمة العربية في الخرطوم الذي أعلن «لا صلح لا مفاوضات ولا اعتراف» بإسرائيل. وأصبحت بعده منظّمة التحرير الفلسطينية الممثّل الشرعي والوحيد للقضية الفسطينية وقد سعت بقيادة ياسر عرفات إلى انتزاع هذا الحق على خلفية المراهنة على السلاح الفلسطيني في ظلّ عجز الأنظمة العربية عن الحرب.
قبل عام من ذلك اللقاء في بكركي، جرت بين 24 آذار و7 نيسان 1968 الإنتخابات النيابية التي خاضها الحلف الثلاثي في مواجهة النهج الشهابي. كان هذا الحلف يضمّ في شكل أساسي شمعون والجميل وإده الذين حضروا ذلك اللقاء، أما فرنجية الحاضر فكان من خط الوسط. بعد ذلك، سيخرج إده من هذا الحلف وسيدخل إليه فرنجية رئيساً للجمهورية في 17 آب 1970، وعضواً في «الجبهة اللبنانية» بعد العام 1975.
من المفارقات أيضاً أنّ المواجهة التي حصلت بين الحلف الثلاثي وبين النهج والشعبة الثانية لم تستمرّ طويلاً. صحيح أنّ العهد الجديد اقتصّ من رموز تلك الحقبة في العهد الشهابي، ثم في عهد شارل حلو، إلا أنّ الشعبة الثانية برئاسة العقيد جول بستاني وفي عهد الرئيس فرنجية هي التي تولّت استقدام السلاح لتسليح الأحزاب المسيحية بطلب من فرنجية لمواجهة خطر السلاح الفلسطيني، وهي كانت تراقب قائد الجيش العماد إميل البستاني الذي وقّع الإتفاق في القاهرة، ثم عملت مع الرئيس شارل حلو على إبعاده عن القيادة، بعد تحميله مسؤولية التوقيع واتهامه بأنّه كان يريد أن يصل في المقابل إلى رئاسة الجمهورية.
ذلك اللقاء في بكركي كان بهدف وضع مذكّرة وتسليمها إلى رئيس الجمهورية ليحملها معه ويعرضها في مؤتمر القمّة العربية. وقد عمل المعاون البطريركي المطران نصرالله صفير على صياغة تلك الأفكار ثم سلّمها في اليوم التالي إلى الرئيس شارل حلو. ماذا جاء في تلك المذكرة؟
إعتبر المجتمعون أنّ القمة فرصة مناسبة لعرض واقع لبنان التاريخي أمام قادة الدول العربية، وأنّ لبنان أخذ على عاتقه المدافعة عن حقوق الشعب الفلسطيني منذ العام 1946 واشترك في حرب 1948 التي انتهت بالهدنة التي اعترفت بها الدول العربية. وهو لم يكن يوماً دولة عسكرية، وقد اعترفت الدول العربية بوضعه الخاص. و»ما لا شكّ فيه أنّ لبنان في أمسّ الحاجة إلى مناخ ثقة وطمأنينة واستقرار لينصرف إلى مساهمة بنّاءة في المجهود العربي المشترك. وأنّى له أن ينعم بهذا المناخ إذا كان بعض أشقائه العرب يثيرون في وجهه المتاعب ويناصبونه العداء؟ وأصدق دليل على هذا القول ما عاناه بين الفترة الواقعة بين 23 نيسان و4 تشرين الثاني من هذه السنة وما تخلّلها من تظاهرات واضطرابات وحوادث دامية وأزمات حادّة تركته من دون حكومة طوال سبعة شهور. وما رافقها من إثارة قلاقل تسبّبت له بها الشقيقة سوريا عندما أقفلت حدودها في وجهه، وشنّت عليه حرباً إذاعية جانية، واجتاحت أراضيه بجنودها المتنكّرين بزي فدائيين... حتى انتهى الأمر إلى اتفاقية القاهرة...». ورأت المذكرة أنّ لبنان يرى أنّ «انطلاق الفسلطينيين من أراضيه لا يعود عليه إلا بالضرر ويعرّضه لغارات العدو الإنتقامية»، واعتبرت أّن «هذه الأعمال تهدّد كيان لبنان واستقلاله ونظامه البرلماني الحرّ...».
بين نيسان 1969 ونيسان 2023 مسافة 54 عاماً يبدو فيها وكأنّ التاريخ يعيد نفسه. على رغم أنّ مجلس النواب اللبناني ألغى في العام 1987 اتفاق القاهرة إلا أنّ «حزب الله» يريد أن يعيد عقارب الزمن إلى الوراء من خلال تبشيره بالقدرة على إزالة الكيان الإسرائيلي من الوجود، واستبدال «اتفاق القاهرة» باستراتيجية الجبهة الواحدة المفتوحة من لبنان إلى سوريا وقطاع غزّة والضفّة الغربية بالتحالف مع النظام السوري وحركة حماس والجهاد الإسلامي، وباعتباره أن «المقاومة» لا تحتاج إلى اتفاق. مع أنّ التاريخ طوى تلك الصفحة إلا أنّ «الحزب» يريد تجديدها. «الحركة الوطنية» التي كانت مع الفلسطينيين خرجت باستنتاجات سلبية عن تلك التجربة وطلبت إعادة النظر بها. محسن ابراهيم الذي اعتكف بعد الحرب، تخلّى عنها وقال إنّهم حمّلوا لبنان أكثر من طاقته حتى انفجر. كمال جنبلاط اغتاله النظام السوري. المفتي حسن خالد الذي كان مؤيّداً للسلاح الفلسطيني، اغتاله أيضاً النظام السوري. جورج حاوي خرج من تلك التجربة إلى رحاب تفاهم وطني جديد وانتهى اغتيالاً على يد نظام الممانعة. ياسر عرفات عاد إلى دولة السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله. هذه السلطة وحركة «فتح» تقولان دائماً إنّ لا عودة للسلاح الفلسطيني إلى المعادلة اللبنانية. ومع ذلك يصرّ «حزب الله» على المغامرة بمصير لبنان مع حركة «حماس» من خلال إطلاق الصواريخ الذي حصل نحو الأراضي الفلسطينية. ومن خلال استباحة السيادة اللبنانية والتصرّف كأنّه يعيش في دولة يحكمها ويسيطر عليها، وليست رئاسة الجمهورية فيها إلّا منصباً يختاره ويعيِّن فيه من يشاء. ولذلك يستقبل رئيس المكتب السياسي في حركة «حماس» اسماعيل هنية وآخرين من دون اعتبار أي وجود للدولة اللبنانية.
عام 1969 كان هناك فراغ في الحكم من خلال اعتكاف رشيد كرامي. واليوم هناك فراغ في الحكم من خلال منع انتخاب رئيس للجمهورية. «حزب الله» يُعلن أنّ رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية هو مرشّحه الوحيد ولا بديل عنه. يُقفل الخيارات الرئاسية ويذهب إلى الحرب وإلى تهديد الكيان اللبناني ونظامه الحرّ. في هذه المعركة أين يقف رئيس «المردة» سليمان فرنجية؟ عندما شارك جدّه في ذلك الإجتماع لم يكن طبعاً في «الخط» الذي يضع فيه نفسه فرنجية اليوم. كان فرنجية الجدّ ضدّ السلاح الفلسطيني واستباحة السيادة اللبنانية، وضدّ النظام السوري الذي استباح حدود لبنان وأرسل جيشه تحت ستار المسلّحين الفلسطينيين وسمح بعبور المسلّحين من الأردن إلى لبنان. ضمن هذه الخلفية كان سليمان فرنجية الجدّ في «الجبهة اللبنانية» وضمن هذا الخطاب كان يحاكي جمهوره وتياره «المردة» الذي كان يقاتل مع أبناء عائلات زغرتا الأخرى على الجبهات المفتوحة في الشمال.
لا يمكن أن يكتفي سليمان فرنجية الحفيد بالصمت وبالتفرّج على «حزب الله» يرشّحه ويتاجر بترشيحه. هل هو موجود أم غير موجود؟ هل يوافق على استباحة الحدود اللبنانية وهو يريد أن يكون رئيساً للجمهورية؟ إنّه الإمتحان الحقيقي لمن يريد أن يكون رئيساً وليس الإمتحان في تقديم العروض الكلامية بالإنفتاح على الجميع في الداخل والعالم العربي. عن أي انفتاح يمكن الكلام في ظلّ التهديد بالحرب؟ قبل أن يصير رئيساً من حقّ الناس على سليمان فرنجية أن يجيب على هذه الأسئلة. هل يملك الجرأة على الخروج من هذا الإستخدام السيّئ لترشيحه؟ هل يملك حرية القرار في الإعتذار؟ هل يعود إلى المذكّرة التي وقّع عليها جدّه في كانون الأول 1969؟ هل تبدأ طريق الرئاسة من بكركي أم من حارة حريك؟
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|