تضارب المراهنات على الوقائع الإقليمية
جلسة التمديد للمجالس البلدية والإختيارية في البرلمان أمس، فضلاً عن أنها أكّدت المؤكد بأنّ القوى الرئيسية الساعية إلى تأجيل انكشافها أمام المزاج الشعبي المتغيّر حيال المنظومة الحاكمة، كرّست العديد من الوقائع المتصلة بمعركة رئاسة الجمهورية وما يحيط بالعلاقات بين هذه القوى على رغم الخلافات بينها.
ليس توزيع الأدوار بين الفرقاء الذين يتحكّمون بالسلطتين التشريعية والتنفيذية (باستثناء وزير الداخلية بسام مولوي)، إلّا إحدى وقائع إدارة الفراغ الرئاسي عن سابق تصوّر وتصميم. فهذه اللعبة باتت مكشوفة مهما مارس رموزها الرئيسيون عمليات التمويه والتبرّؤ من تأجيل الاستحقاقات الدستورية، في انتظار المعادلات الخارجية لتحقيق أهدافهم في الرئاسة وإعادة تكوين السلطة.
من الوقائع الكثيرة التي كشفتها جلسة الأمس استمرار إبقاء قيادة «التيار الوطني الحر» هامشاً من المراهنة على أن يؤدّي تسليفه «الثنائي الشيعي» تأمين النصاب لتأجيل الانتخابات البلدية، إلى استعادة الاستقرار في العلاقة بين «التيار» و»حزب الله»، في حال عاد «الحزب» عن دعمه ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية للرئاسة. بتأمين النصاب يطلق «التيار» إشارة إلى أن إمكان عودة العلاقة إلى مجاريها وارد، على رغم الانطباع السائد بأنّ التحالف بين الجانبين قد انفرط وكل منهما ينتظر أن يعلن الآخر الطلاق. وتأجيل إعلان الطلاق يعني أنّ كلاً منهما يترك هامشاً للعودة إلى التلاقي، حتى لو أنه لن يكون تلاقياً وثيقاً كالسابق.
الاعتقاد السائد لدى معظم الأوساط السياسية هو أنّ الخلاف بين «التيار» و»الحزب» سببه دعم الثاني سليمان فرنجية ورفض الأول المتواصل هذا الخيار. أما مواضيع الخلاف الأخرى التي يثيرها رئيس «التيار» فهي من عدة الشغل ومعظمها يقصد بها «حليف الحليف» رئيس البرلمان نبيه بري.
مراهنة بعض قادة «التيار» على سحب ترشيح فرنجية لاستعادة العلاقة مع «الحزب»، بسبب استمرار المعارضة المسيحية محلياً والخليجية خارجياً، هي من الاحتمالات التي يستخدمها مريدو فرنجية أنفسهم من أجل إقناع معارضي خياره من الخصوم العونيين، بما يعتقده سلبيات انسحابه من المعركة. بل إن بعض هؤلاء المريدين ينقلون عن المحيطين به من المقربين لرئيس «المردة»، أنه إذا سحب ترشيحه سيتمّ تفعيل تفاهم مار مخايل مجدداً، لأن باسيل كان أبلغ قيادة «الحزب» قبل إعلان السيد حسن نصرالله دعمه ترشيح فرنجية أنه إذا فعل ذلك «اعتبروا أن التحالف بيننا انتهى». وفي حال عودة الوئام لعلاقة «الحزب» وباسيل إلى ما كانت عليه سيؤمّن ذلك تكتلاً نيابياً كبيراً يقارب الـ60 نائباً بحيث يسهل على «الحزب» أن يؤمّن بضعة أصوات كي تكون له ولحلفائه أكثرية النصف زائداً واحداً (65 نائباً)...
مقابل مراهنة «التيار الحر» على سحب ترشيح فرنجية بسبب المعارضة الخارجية لخياره، بدليل عدم اتفاق أعضاء الخماسية الدولية على تبني فرنسا له بحكم الأمر الواقع، يعتقد مريدو فرنجية، كما قال بعد زيارته بكركي أمس أن «اللعبة تغيّرت». ففريق الممانعة يرى أن التطورات الإقليمية تأتي لصالحه، وأنّ بدء الحلول في اليمن بتبادل الأسرى وفي العلاقة السورية السعودية، هو انتصار لهذا المحور، حيث تقدّم الرياض التنازلات في سياق سياسة خارجية جديدة قرّرت اتّباعها، بعد انهزام المشروع الأميركي الإسرائيلي، لن يكون صعباً على الرياض من ضمنها أن تقبل بفرنجية رئيساً في لبنان.
كلما خطت المملكة خطوة جديدة على طريق الانفتاح يحسبها فريق الممانعة في خانته ولمصلحة خياره الرئاسي في لبنان. بل إنّ بعض مريدي فرنجية يذهب إلى حد القول إنّ الجانب السعودي يمارس التشدّد في لبنان من أجل الحصول على ما يريد في اليمن، فمتى نجح في ذلك فسيبدي ليونة تجاه فرنجية...
تقابل هذه المراهنة قراءة معاكسة للوقائع من قبل خصوم «الحزب» من السياديين، تستند إلى اختلاف الرياض ومعها الدوحة وإلى حد ما واشنطن عن دعم فرنسا خيار فرنجية. بل إن القراءة هذه ترى أنّ ربط تنازل الرياض بحصولها على ما تريد في اليمن لا يستقيم، لأنّ العملية السياسية هناك قد تطول وتتشعّب، وهو ما لا يتناسب مع استعجال الممانعين انتخاب فرنجية، للحصول على مقابل للتنازلات التي عليهم تقديمها في اليمن... كما أنّ السعي إلى إقفال ملف اليمن تدريجياً لن يواكبه أي تساهل سعودي وخليجي مع استمرار إحكام «حزب الله» قبضته على لبنان، واستسهاله استباحة حدوده، كما جرى في موقعة إطلاق الصواريخ قبل أسبوعين.
مراهنة كل فريق من منظاره على التطوّرات الإقليمية المتسارعة، وآخرها زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أمس لدمشق، ومفاعيلها، لا تنتج سوى تأجيل أمد حسم الاستحقاق. خصوم «الحزب» وفرنجية يروّجون أنّ الضمانات التي نقلها الجانب الفرنسي عن فرنجية إلى الرياض لم تقنع الأخيرة، مقابل معلومات أخرى تفيد بأن المسؤولين السعوديين استمعوا إليها من دون أخذ أي موقف منها ويقومون بدرسها. ويضيف بعضهم بأنّ المسؤولين الروس بدورهم سينقلون ضمانات إلى الرياض من فرنجية الذي يحبّذونه.
وليد شقير - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|