الصحافة

الشباب اللبناني بين "الفرصة" و"حبة القمح"

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

إزدحمت المناسبات في شهر نيسان، مع زحف دفء الربيع، وافترار ثغر الطبيعة بعد طول تجهّم وعبوس: عيد الفصح لدى الطوائف التي تتّبع التقويمين الغربي والشرق، بفارق زمني لا يتخطى الاسبوع، عيد الفطر لدى الطوائف الاسلامية، وعيد القديس جاورجيوس قاتل التنين، تنين الشر والظلم. ولا ينتهي شهر نيسان حتى يطل شهر أيار، أو نوار، عابقاً برائحة الزهر، رافلاً بمواكب العطر. انه الشهر الذي تزدحم فيه مناسبات عالمية ووطنية: عيد العمل والعمال، اليوم العالمي لحرية الصحافة، ذكرى شهداء الصحافة اللبنانية، وهم يشكلون عدا ما يزيد على نصف الذين علّقوا على اعواد المشانق في السادس من أيار ١٩١٦، في ساحة البرج - بيروت ، التي تسَمّت باسمهم، وهي تقع في قلب العاصمة.

كثيرة هي الأعياد في لبنان، لكن بهجتها إلى انحسار، ورونقها إلى ضمور، وروحيتها إلى أفول. لا بسبب الثقوب التي تملأ الذاكرة اللبنانية الجماعية، فتبعدهم عن أهمية ما ترمز إليه المناسبات والأعياد الوطنية والدينية من إخاء انساني، ورابط وجداني، يشد أطراف العائلة اللبنانية المتنوعة في وحدتها، والواحدة في تنوعها، بعضاً إلى بعض، لبناء ثقافة الحياة الدائمة في ظلال إرادة العيش، على الرغم من الرياح العاصفة التي تهب على وطن الارز من كل صوب، من دون هوادة.

لا أقول ان لبنان كان بلدا نموذجيا ولم يتعرض لهزات منذ بروتوكول المتصرفية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الغابر، واعلانه دولة كبيرة في الأول من ايلول ١٩٢٠، وصولاً الى يومنا هذا، مروراً بأحداث العام ١٩٥٨، وحروب الاخرين على أرضه وفيها بدءاً من العام ١٩٧٥ حتى العام ١٩٩، من دون أن ننسى ما كان للبنانيين من يد طولى في تأجيج سعير الحرب، واجتياح إسرائيل في العام ١٩٨٢ ودخولها بيروت، وعملياتها المتكررة ضد الجنوب التي توّجتها بمحاولة إعادة غزوه في العام ٢٠٠٦، من دون أن تحقق اي نجاح، بل خرجت تجرّ اذيال الهزيمة. لكن، الهزة الاشد هولاً هي أن يفقد اللبنانيون، والمسيحيون منهم على وجه الخصوص، الإيمان والامل بأن وطنهم لا يزال قابلا للحياة، وأن دوره الريادي لم يتراجع، على الرغم من العمران والتقدم والتطور الذين غزوا بلداناً عربية تشدنا إليها أواصر الأخوة. ليس قليلاً ما اضطلع به شبابنا في نهضة هذه البلدان. وانّ الادمغة اللبنانية التي تشكل عصب كبريات الشركات العالمية، ليست قاصرة في إعادة تركيب لبنان المشلّع، الذي اصاب إدارته واجهزته وبناه التحتية الاهتراء، جرّاء سموم الطائفية والمذهبية والمناطقية، والفساد والأفراد.

إلا أن على الشباب اللبناني أن يأخذ هو المبادرة للتغيير، مُتّعظاً من إخفاق ما سمّي بانتفاضة ١٧ تشرين التي داخلتها اجندات خارجية وحسابات محلية ألقتها في متاهة تسببت بوهنها، والفشل في تحقيق ما علق عليها من آمال. وهي قد أصبحت مجرد ذكرى تضاف الى سلسلة من الذكريات التي نستعيدها في البال بشيء من الحسرة، أو التعجب، أو الشماتة.

كذلك على الشباب اللبناني أن ينظر إلى تاريخ وطنه بعين اخرى، ومن زاوية مختلفة، محاولاً استخراج العِبر بنفسه، ومقارنته بالواقع المعيوش راهناً، والواقع الذي سبق، والعمل على ابتكار صيغة تستبقي من الصيغة الحالية جوهر معناها في الحياة الواحدة، والتفاعل الدائم في مجتمع تعددي، متنوع، يسوده التناغم والانسجام. وهذا ممكن لأنّ شبابنا، خصوصا من هم في الخارج، اكتشفوا أنّ بإمكانهم النجاح هناك، حيث حَط بهم الرحال، من دون محسوبية، وواسطة، و«توصية» من هذا النافذ أو ذاك.

وعندما يصبح الأمر كذلك في لبنان، فإن الأمور تسلك طريقها إلى الالتزام.

أقول للشباب اللبناني ان أحدا لن يخلي لكم الساح بملء إرادته. عليكم انتم القبض على فرصتكم. ولا تكونوا كذاك الرجل الذي توهّم انه حبة قمح، فكان يلوذ إلى الفرار عندما يلمح دجاجة تقبل نحوه. عبثاً حاولوا إفهامه انه رجل وليس حبة قمح.

أجل على الشباب اللبناني الّا يخامرهم الشك بقدراتهم، وأن يقبلوا بشجاعة، وتصميم، لانتزاع المبادرة، وخلق الفرص، والمضي إلى بناء لبنان الجديد الذي به نحلم.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا