سائقو "الديليفري": "كل شي عَحسابنا"
كتبت جنى بزي في "الأخبار":
«كل شي عحسابنا» بهذه العبارة يختصر عمّال توصيل الطلبات، أو «الديليفري»، معاناتهم. أمام المطاعم ينتظرون على دراجاتهم النارية صدور «الطلبيات» لإيصالها إلى أصحابها، كمن ينتظر الفرج. يعمل هؤلاء من دون معاش ثابت، ولا ساعات عمل محدّدة، ويتقاضون على التوصيلة الواحدة، التي تحدّد ثمنها الشركة المشغّلة، تقريباً ما يساوي نصف دولار أميركي. وتتغيّر التسعيرة بحسب قرب المنطقة من مكان ركن دراجاتهم، وتزداد كلما ابتعد العامل عن مكان سكن الزبون.
رواتب لا تكفي
ما إن تسأل العمال عن ظروف عملهم حتى تنهال عليك الشكاوى من سوء أوضاعهم المعيشية والوظيفية. فما يجمعونه شهرياً يُراوح بين 8 ملايين و12 مليون ليرة لبنانية -ما يقارب اليوم الـ100 دولار- وهو يعتمد على عدد التوصيلات التي يقومون بها خلال الشهر. «احسمي منها 7 ملايين ليرة لبنانية بدل تعبئة البنزين الذي نحتاجه للعمل»، يقول أحدهم ساخراً، إذ لا تغطي الشركة التي تكلّفهم بمهام التوصيل، كلفة تعبئة الوقود. حتى الإنترنت الذي يستخدمه العامل لتشغيل الـGPS، أي لاتّباع خريطة الوصول إلى الزبون وكذلك للتواصل معه، يدفعه من راتبه الشهري ولا تغطيه الشركة. وبحساب بسيط يحتاج العامل لباقة الـ20 جيغا التي بات ثمنها يفوق المليون ألف ليرة. ويشكو آخر من توقيت العمل «بعد الساعة الثامنة مساءً لا نستطيع أن نوصل طلبية لأمكنة بعيدة بسبب عمليات النشل الذي قد نتعرّض لها». ويكشف عدد من العمّال أنّهم حاولوا مراراً المطالبة بزيادة على سعر التوصيلة، «فتتجاوب الشركة لمدة ثلاثة أيام فقط ليسكتوننا، ثم تعود إلى نهجها السابق».
في المقابل، يعتبر يوسف، صاحب إحدى شركات «الديليفري» في بيروت، أن العامل الذي يعمل لحسابه، أي من دون ساعات عمل محدّدة، يربح أكثر من العامل المثبّت لديه الذي يعمل ضمن دوام محدد. «صاحب الدراجة النارية، يوصل طلبيات أكثر من الموظف الثابت، وأعطيه 30 إلى 50 طلبية يومياً، كلّما وزّع أكثر، استفاد أكثر». مشيراً إلى أن أغلب أصحاب الدراجات النارية يعملون لديه كمهنة أخرى إلى جانب مهنتهم الأساسية. أما الموظف الثابت «فيقود سيارة الديليفري، عندها تتكفّل الشركة بكل تكاليف الوقود والإنترنت وغيرها من متطلبات إصلاح السيارة أو غسلها بالإضافة إلى معاش ثابت لا يتغيّر».
من المسؤول عن الحوادث؟
في حال ألغى أحد الزبائن الطلبية، وكان العامل في طريقه لإيصالها من يتحمل المسؤولية؟ يجيب أحد العمّال قائلاً: «لا تتحمّل الشركة تكلفة الوقود الذي صُرف على الطلبية، لا تعوّضنا ببدل نقل». أما يوسف فيقول إن شركته تتحمل المسؤولية، وتدفع للعامل بدل نقل في حال تخلّف الزبون عن استلام الطلبية. وماذا عن حوادث السير؟ وفي حال تأذى العامل؟ أو تأذى أحد بسبب العامل؟ يعلّق يوسف بكلمات محسوبة «يجب أن يؤمن دراجته ضد الغير». ويقول عمال آخرون «حسب... في حال كانت الحادثة صغيرة، تتحمّل الشركة المسؤولية، أما إذا احتاج أحدنا إلى عملية جراحية فتسحب الشركة يدها تماماً».
وبحال وقع حادث وتضرّر أحد الأشخاص بسبب سائق الدراجة، على من يدّعي الشخص؟ على الشركة المشغّلة أم السائق؟ ومن يتحمّل المسؤولية؟ تجيبنا المحامية فداء عبد الفتاح أنه «في هذه الحالة، علينا أن نرى ما إذا كانت الدراجة مسجلة على حساب الشركة، وإذا كانت الشركة تتحمل مسؤولية أعمال هذا العامل خلال دوام العمل وخلال طريق توصيل الطلب». تذكر عبد الفتاح أن إحدى الفتيات تعرّضت لحادث سير بسبب أحد سائقي الديليفري، وتأذّت جسدياً، فقرّرت أن ترفع دعوى قضائية على الشركة. «لكن الشركة تملّصت من السائق بالقول إنه متعاقد معها وليس موظفاً، فتراجعت الفتاة عن الشكوى لأنها تدرك أن هذا السائق بالكاد يملك قوت يومه وهي لا تريد إيذاءه، ولأنها إذا استمرّت في دعواها ضد الشركة لن تصل إلى نتيجة».
ماذا عن قانون العمل؟
تعدّ حوادث السير بالنسبة إلى عمّال «الديليفري»، موضوعاً حساساً جداً لأن احتمالات حدوثها مرتفعة، رغم ذلك لا يوقّع معظم عمال «الديليفري» عقود عمل مع المؤسسات التي يتعاملون معها، ما يتيح للشركات التملّص من مسؤوليتها، واعتبار الموظف متعاقداً ولا علاقة للشركة بالحوادث التي تنتج عن خطأ قد يرتكبه.
ولكن وإن لم يكن بين العامل ورب العمل عقد عمل مكتوب، فإن قانون العمل اللبناني في المادة 12 منه واضح في أن «العقود لا يشترط أن تكون خطية، أي يكفي أن يثبت العامل أنه يعمل بدوام عمل منتظم، وأن المسؤول عنه يحاسبه ويتابعه، ويتقاضى معاشاً شهرياً». تقول عبد الفتاح إن «كلّ ذلك يدفعنا للقول إن هناك علاقة تعاقدية بين العامل ورب العمل، إذ يستطيع العامل في حال أراد أن يدّعي على المؤسسة التي يعمل فيها، بسبب صرف تعسفي أو تخلّفٍ عن إعطاء الحقوق أو غيرها، ولا يوجد بينهما عقد عمل مكتوب، أن يعود للقواعد العامة لقانون العمل المتعلق بعدد ساعات العمل والحدّ الأدنى للأجور وغيرها، التي تحمي العامل». لذلك، وبحسب عبد الفتاح، «عقد العمل أساسي في هذا النوع من الأعمال، إذ إنّه مهم جداً أن تنظم الشركات عقودها مع أولئك العمال لتحمي نفسها وتحمي الآخرين».
وتشير عبد الفتاح لـ«الأخبار»، أن «هناك بعض الشركات التي تُورِد في عقود عملها أنها غير مسؤولة عن العامل باعتباره مياوماً ولا يعمل بشكل دائم، ومنهم من يتقصّد أن يرتب دوام العامل بطريقة لا تسمح له أن يطالب بحقوقه بحسب قانون العمل، كي تتملّص الشركة من مسؤوليتها حتى أمام القضاء». ويعود ذلك برأيها إلى ما تسميه «أزمة الأزمات» أي غياب الرقابة. إذاً، بحسب عبد الفتاح، نحن نعيش في «فوضى قانونية» تدفعنا إلى طرح علامات استفهام كثيرة، إذ يوجد ثغرات في قانون العمل ويوجد عدم التزام بقوانين العمل بأكثر من مكان، لذلك «يجب تنفيذ عقود عمل مكتوبة تحدد المسؤوليات والواجبات والحقوق للعامل ورب العمل».
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|