طلاب طرابلس لم يتعلموا: نجاحهم بالامتحانات رهن بالجمعيات
رغم أن وزارة التربية ستعمل على تسهيل الامتحانات الرسمية وستتسامح في تصحيح المسابقات لاحقاً، مراعاة لطلاب المدارس الرسمية، إلا أن "عملية التجميل" هذه لا تغير من سوء الوضع على أرض الواقع.
صحيح أن الطلاب سيمتحنون في مناطق سكنهم، ولن يوزعوا على باقي المحافظات، إلا أن هذه "الحسومات" التي تجرى للامتحانات لمساعدة الطلاب، غير كافية في ظل عدم تعلم مئات الطلاب أي حرف منذ أربعة أشهر، وما زالت ثانوياتهم مقفلة.
آلاف الطلاب بلا علم
عدم تعلم مئات الطلاب يعم جميع المناطق، من صور مروراً ببيروت وجبل لبنان والبقاع ووصولاً إلى محافظة الشمال. بيد أن مأساة محافظة الشمال، وتحديداً مدينة طرابلس أن هناك أربع ثانويات ما زالت مقفلة، لأن الهيئات التعليمية فيها، والمقدرة بنحو 200 أستاذ ومعلمة، ما زالت ممتنعة عن التعليم. والثانويات المقفلة هي: اندريه نحاس والحدادين للبنات، وجورج صراف، والقبة الأولى. فيما التعليم بباقي الثانويات العشرة في المدنية جزئي ويقتصر على مواد دون أخرى.
ويشير الأساتذة في تلك الثانويات إلى أن تسعين بالمئة من طلاب الثانوي في المدينة تُركوا بلا علم هذا العام. وحالياً هناك ما لا يقل عن ألفي طالب ما زالوا في بيوتهم، أو تسربوا إلى سوق العمل في الثانويات الأربعة الآنفة الذكر. ومن بين هؤلاء الطلاب يوجد نحو 400 طالب وطالبة في صف الشهادة يفرض أن يتقدموا للامتحانات الرسمية.
الجمعيات مكان الوزارة
بيد أن الفضيحة التربوية في طرابلس أن الجمعيات حلت مكان الدولة في تعليم الطلاب ومن خلال أساتذة المدارس أنفسهم أو من خلال أساتذة مستعان بهم من أهل المدنية. فجمعية "ليزر"، التي تنظم دورات تقوية للطلاب في كل عام، وسّعت نشاطها وشمل العديد من الثانويات حالياً. وكان من المفترض أن تكون الدورات التي تجريها في فترة بعد الظهر للتقوية فقط. لكن عملياً حلت الجمعية مكان الوزارة وبدأت تعلم الطلاب المناهج الرسمية للمواد العلمية وهي تدفع لكل أستاذ عشرة دولارات عن كل حصة.
رسمياً الجمعية لا تعلم الطلاب بل تجري دورات تقوية، لكن على الأرض عُهد تعليم الطلاب في العديد من الثانويات إلى الجمعية. وصمت وزارة التربية على هذه الفضيحة مرده إلى أنها تستفيد في إظهار صورة أنها تمكنت من إعادة انتظام العام الدراسي في طرابلس. وتستفيد أيضاً لأنها تورد في الإحصاءات عن سير التعليم بأن الطلاب يتعلمون بشكل طبيعي. لكن المشكلة هي بأن التعليم الجزئي هذا يقتصر على طلاب صفوف الشهادة لمساعدتهم لاجتياز الامتحان، بينما طلاب صفوف الأول والثاني ثانوي متروكين للقدر. هذا فضلاً عن النزاعات التي تحصل بين الأساتذة في المدينة. فجزء من أساتذة الثانويات بدأ يعلّم مع الجمعية وتم إحضار أساتذة آخرين ليحلوا مكان زملائهم الممتنعين عن التعليم.
غير جاهزين للامتحانات
مأساة طرابلس لا تعبّر عن مأساة المدينة، بل عن مأساة آلاف الطلاب في القطاع الرسمي الثانوي الذين سيتوجهون بعد شهر إلى الامتحانات الرسمية. فحيال إضراب الأساتذة المتواصل منذ مطلع العام الحالي قرر جزء من طلاب صفوف الشهادة إما الاستعانة بأساتذة خصوصيين أو التسجيل في معاهد تقوية، أو تركوا للجمعيات التي حلت مكان الدولة. أو، وهو الأخطر، للتسرب المدرسي كحال طلاب طرابلس.
وقد نظمت "المدن" لقاءً من بعد مع العديد من الطلاب في الثانويات المقفلة وغيرها من الثانويات في طرابلس وأكدوا أنهم لم يتعلموا هذا العام أكثر من عشرين بالمئة من المناهج المخفضة للامتحانات. فحتى الذين عادوا منذ نحو أسبوعين لمتابعة دروسهم يشعرون أنهم غير جاهزين للامتحانات لأن التعليم في المدينة ما زال جزئياً، ويقتصر إما على المواد العلمية أو المواد الأدبية، بحسب كل ثانوية ومن عاد من أساتذة إليها. هذا وشكا الطلاب في صفوف الأول والثاني ثانوي من أنهم لم يتعلموا للسنة الثانية على التوالي ولن يكونوا مؤهلين لمتابعة تحصيلهم العلمي في الصف الثالث ثانوي العام المقبل.
وروت إحدى الطالبات في ثانوية اندريه نحاس أنه بعد دمجهم في ثانوية سابا زريق لم يحضر إلا 12 طالبة من أصل 21 من زملائها في فرع الاجتماع والاقتصاد، وهذا يسري على باقي الفروع.
وأكد الطلاب والأساتذة في طرابلس أن جزءاً كبيراً من الطلاب ترك المدرسة وتسربوا إلى سوق العمل، وهم يعملون في حدادة السيارات أو في مجال تركيب الطاقة الشمسية أو في متاجر أو مطاعم. وهناك طلاب ما زالوا في بيوتهم وغير جاهزين لإجراء الامتحانات. وطلاب آخرون تسجلوا في معاهد متخصصة للتقوية كي يتسنى لهم متابعة تحصيلهم العلمي العام المقبل أو لاجتياز الامتحان السنة الحالية.
الامتحانات كسبق صحفي
في لبنان ما زال نحو ستمئة أستاذ يرفضون العودة إلى التعليم، ليس لتحصيل حقوقهم فقط، بل لعدم المشاركة في "الفضيحة التربوية" التي ترتكب للسنة الثانية على التوالي في الامتحانات الرسمية، كما يقولون.
ويقول العديد من الأساتذة من مختلف المناطق، أن 15 يوماً تعليمياً متبقية للعام الدراسي لا تعوض الكفايات المطلوبة التي خسرها الطلاب منذ مطلع العام الدراسي. هي في عرف وزارة التربية كافية كي يحفظ الطلاب بعض الدروس لاجتياز الامتحانات، لكن هذا الحل "الترقيعي"، الذي يطرح للسنة الثانية على التوالي، يقضي على التعليم الرسمي وعلى مستقبل هؤلاء الطلاب.
ويشير الأساتذة إلى أن وزارة التربية تركت تسيير شؤون الثانويات إلى المدراء بعدما عقد "دارسو المناطق" صفقات مع أساتذة ومدراء للحضور ليوم واحد في الأسبوع للقول إن "التعليم ماشي". فهناك عدد كبير من الثانويات يقوم التعليم فيها على المناوبة بين الأساتذة كي تبقى أبوابها مفتوحة لأربعة أيام. ويقوم المدير بتسجيل حضور جميع الأساتذة يومياً، لكن في الواقع يتناوبون في الدوام ليس أكثر. وبالتالي يقتصر التعليم على صفوف الشهادة من خلال جمع كل الصفوف في صف واحد.
ويعتبر الأساتذة أن ما يحصل جريمة بحق التربية. فتركيز الوزارة كله ينكب على "انجاز الامتحانات" كسبق صحفي، وليس كمحطة تربوية في مسار تعلّم الطلاب وفحص مدى جاهزيتهم للانتقال في مسيرتهم العلمية والحياتية.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|