الاتّفاق على نار حامية... "حماس" توافق على هدنة بوجود إسرائيلي موقت
نادي الغولف والبلدية: أين مساحات الضاحية الجنوبية الخضراء؟
أعاد السجال الدائر بين بلدية الغبيري ونادي الغولف، والمطالبة بأن يكون النادي مساحة خضراء ومتنفساً لأهل الضاحية، البحث أو السؤال عن المساحات الخضراء في هذه المساحة الجغرافية المكتظة. ففي الضاحية لا حديقة عامة مركزية ولا ملاعب رياضية عامة مخصصة للشباب والأطفال. فهي عبارة عن كتلة إسمنتية ضخمة، باتت لا تسع حجراً ولا بشراً، وتزداد بها التعديات على الأملاك العامة والمساحات الخضراء التي كان من المفترض أن تكون متسعاً لأهالي المنطقة، وهي تشهد تزايداً عمرانياً فوضوياً، بالإضافة إلى الموت البيئي، والتلوث البصري والسمعي.
تعديات حزبية وأمنية
البحث عن مساحات الخضراء في الضاحية، يقودنا إلى تعديات بالجملة على الأملاك العامة والمساحات الخضراء، التي شُرعت بقرارات قانونية من قبل الدولة اللبنانية. مساحات خضراء استغلتها جهات سياسية على مدى أربعة عقود من الحروب والفوضى.
تبدأ التعديات على الأملاك العامة والمساحات الخضراء من قضم مساحات حرج بيروت، وإنشاء مباني تابعة لأجهزة الدولة. يُفند المدير التنفيذي لجمعية "نحن"، محمد أيوب، في حديثه لـ"المدن"، بأن منطقة حرج بيروت الملاصقة للضاحية الجنوبية، شهدت التعديات عليها منذ إنشاء مجمع الإمام شمس الدين والمهنية، ومدافن "الشهداء" و"الشهيدين"، ومبنى سرية السير، وصولاً إلى مبنى كشافة الرسالة الإسلامية ومبنى الإذاعة التابعين لحركة أمل. فحسب أيوب، تم "إخضاع قسم من الأملاك التابعة لحرج بيروت، المحظور البناء عليها حظراً تاماً، لأملاك يمكن إقامة أبنية ومنشآت إسمنتية عليها. فالتمادي بقضم مساحة حرج بيروت كان من قبل جميع الجهات السياسية أو الطائفية".
البناء الذي أقامته جميعة كشافة الرسالة على أملاك الحرج يعود إلى العام 1985، أي في ذروة الحرب الأهلية. ولكن بدلاً من إزالة التعدي حفاظاً على المساحة الخضراء، عمدت بلدية بيروت في العام 1995 إلى إصدار قرار خُصص لجمعية الرسالة، وحظي بموافقة المجلس الأعلى للتنظيم المدني في العام 2016، حسب بيانات كانت قد نشرتها بلدية بيروت آنذاك، ومن ثم تمكنت كشافة الرسالة والإذاعة من إنتزاع تسوية مخالفة البناء المشيد في جلسة حكومية في أيار 2017.
فيما الأرض التي بُني عليها مسجد الصادق ومجمع الإمام مهدي شمس الدين، والتي تبلغ مساحتها 100 ألف متر مربع، تعود ملكيتها لبلدية بيروت، وقد استأجرتها الجمعية الثقافية الخيرية من البلدية لمدة 99 عاماً بهدف إنشاء المسجد ومؤسسات شمس الدين الخيرية.
ويقول أيوب، إن عمليات قضم الحرج، حصلت على مرّ السنوات بطريقة ممنهجة، فتقلصت المساحة الخضراء من مليون و200 ألف متر مربع إلى 300 ألف متر مربع حالياً، بتواطؤ سياسي من كافة الأطراف المستفيدة من العقار. فقد فرّطت بلدية بيروت بنحو 9 آلاف متر مربع للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وأنشأت مقابر على أملاك الحرج، ووٌضعت اليد على عقارات مختلفة.
ويضيف أيوب، بأن الأحزاب ليست وحدها الشريكة بالتعدي على المساحات الخضراء، بل كانت الأجهزة الأمنية متواطئة ومتعدية على الأملاك العامة، حين أُجيز لقوى الأمن الداخلي تشييد مخفر في المنطقة. ومن ثم استتبعتها أيضاً بتشييد مبنى الأمن العام في المنطقة الذي شُيد من دون أي رخصة، تحت حجة أن المراكز الأمنية والعسكرية لا يتطلب بناؤها الحصول على رخصة. وحسب المعلومات، فإن العقار 1925 المشيد عليه المبنى كان موضوعاً بتصرف الأمن الداخلي، فأنشأت لجنة مشتركة بين المديريتين الأمنيتين لتمكين الأمن العام من إنجاز مبنى فوق هذا العقار. ويلفت أيوب، أنه حسب الخبراء العقاريين فأن الأشغال يجب أن تحوز على إذن من الجهة المالكة، أي بلدية بيروت، وأن تشييد مبنى سرية السير على العقار نفسه لا يعطي القوى الأمنية حقاً مكتسباً في تشييد الأبنية من دون مثل هذا الإذن.
والإعتداءات على الأملاك العامة والخاصة الكبرى، هي في منطقة الأوزاعي، أي الشاطئ البحري و"حرج القتيل"، وفق أيوب. ويشير بأن العمل على إزالة التعديات يجب أن يكون بتأمين حق الناس بالسكن، أي على الدولة مصادرة الأراضي، وبناء مجمعات سكنية تراعي الأماكن والمساحات الخضراء. ولا يخفي أيوب، أن التعديات كانت بفترات حروب عاشها لبنان، إلا أن ذلك لا يعفي الدولة من مسؤوليتها بإزالة التعديات، وعدم السماح للجهات الحزبية بفرض نفوذها على الأراضي، ومحاولة شرعنة المخالفات.
إعمار الضاحية في 2006 غيّب المساحات الخضراء
الأزمة في الضاحية ليست أزمة بيئية فقط، والمساحات العامة المفقودة ليست إلا واحدة من أزمات الناس مع بلديّات الضاحية. فالمنطقة أصبحت تندرج بأكثر المناطق اكتظاظاً سكانياً في العالم، ومع ذلك تستمر مشاريع البناء فيها، حتى أصبحت بعض شوارعها وأحيائها لا تعرف الشمس، في حين كانت تاريخ الضاحية يحتفظ بالبساتين وأراضيها الزراعية، وعبرات المياه في برج البراجنة.
وبالرغم من حجم الدمار الذي طال الضاحية في حرب تموز 2006، كانت هناك فرصة حقيقة في إعادة الإعمار التي قامت بها مؤسسة "وعد" التابعة لحزب الله، في إعتماد نموذج بنائي جديد يراعي المساحات الخضراء والتنظيم المدني، وبناء مواقف سيارات وملاعب للأطفال. فيلفت الدكتور الجامعي محمود شمس الدين، الذي كان من ضمن اللجنة الهندسية التي وضعت ونفذت إعمار الضاحية، في حديثه لـ"المدن"، بأن المخطط التوجيهي كان "إعادة الضاحية إلى ما كانت عليها بشكلها ومساحتها البنيوية، مخافة أن تسعى أي مخططات هندسية أخرى، إلى تغيير ديموغرافية الضاحية، وتهجير سكانها مرة ثانية". ويشير شمس الدين "أن المخطط وضع كما كانت الضاحية، أي خالية من المساحات الخضراء، إلا إنهم استطاعوا إبقاء الحيز العام في الشوارع والأبنية في المنطقة المهدمة، وإنشاء مواقف تحت الأرض ليكون هناك متسع للاستفادة من الأرصفة والخطة التشجيرية التي كُلفت فيها البلديات بتطبيقها". ويلفت شمس الدين إلى أن إعادة الإعمار كانت بمثابة "تعويض للانتكاسات التي تعرضت لها الضاحية الجنوبية، فهي بمجملها تعود لمليكات خاصة، ولا أراضي تابعة للبلديات تستطيع إنشاء مساحات خاصة بها، باستثناء منطقة حرج القتيل والأوزاعي والرمل العالي، التي كان يجب أن يُنصفها مشروع إليسار لو نُفذ". ويلفت شمس الدين إلى أن الرئة الوحيدة المتبقية للضاحية هي نادي الغولف، الذي يجب أن يبقى مساحة خضراء، وأن تُعدل رسومه مع الدولة اللبنانية وبلدية الغبيري، وأن لا تكون مصادرة نادي الغولف في إطار تحويله إلى مزيد من الأبنية السكانية". و يتطرق شمس الدين، إلى "العمل السياسي والنهج المعتمد المضر، سواء من الهدر العام المكرس في إدارة المرافق العام، كالغولف وغيره".
اتحاد بلديات الضاحية: التحسر على مشروع إليسار
من جهته يلفت رئيس بلديات الضحية الجنوبية محمد ضرغام، "أن بلديات الضاحية لا تملك أي عقار يسمح بتحويله إلى مساحة خضراء لسكان المنطقة. ونحن لا نتهرب من مسؤوليتنا بضرورة إزالة التعديات في المناطق التي نُديرها، إلا أن السياق البُنيوي والأزمات التي عصفت بالضاحية والأزمة الخانقة التي يرضخ تحتها لبنان، تجعل مهمات البلديات مستحيلة"، ويعطي درغام مثلاً، "في حال قمنا بإزالة التعديات من المقاهي والمطاعم، ومخالفات البناء وفوضوية الدراجات النارية، ستُفتح الحرب على البلديات لإظهارها مساهمة بقطع أرزاق الناس". ويشير درغام، بأن الحل هو في يد الدولة اللبنانية، التي من المفترض أن تكون مؤتمنة على أملاكها، وأن تكون خطتها مدروسة تنظيمياً، في حال أرادات إزالة التعديات كافة. لكن بالمقابل عليها تأمين مبانٍ سكنية للسكان، وخلق مساحات عامة تحت إشرافها.
اللافت في قضية الحديث عن المساحات الخضراء في الضاحية، العودة إلى المطالبة بإحياء مشروع إليسار الذي اقترحه رئيس الحكومة رفيق الحريري في التسعينات، وتوقف بسبب إعتراض الثنائي الشيعي وأهالي المنطقة. وهذا ما طالب به رئيس اتحاد بلديات الضاحية خلال حديثه لـ"المدن". وإذ يلفت بأن المشروع كان يعالج التعديات كافة مع ضمان إنشاء أماكن سكنية، ومدينة صناعية، ومساحات الخضراء، تستفيد منه الضاحية وأبناؤها. وفي سؤال عن الاعتراض القائم على المشروع من الأحزاب السياسية وفعاليات المنطقة، يقول درغام، بأن "ملح الأرض يجب أن يكون القانون، وأن تكون مثل هذه المشاريع بعيدة عن التجاذبات والمحاصصات السياسية والطائفية". فمشروع إليسار كان مخصصاً بعد الحرب الأهلية لإعادة التنظيم العمراني في الضاحية، وتعويض القاطنين على أراض خلافاً للقانون في الضاحية، ومعالجة أزمة فوضى العمران التي انطلقت في حقبة السبعينات.. إلا إن المشروع لم يبصر النور.
فالضاحية الجنوبية، حسب ضرغام، تضم حدائق مصغرة مُختلقة وليست متنفساً فعليًا، فالمساحات الخضراء يجب أن تكون أيضاً بعيدة عن الضجيج والتلوث البيئي في الضاحية. كما ويلفت درغام بأن البلديات ونظراً للأزمات المالية التي تعصف بها، ليس لديها موارد للاعتناء بأي مساحات خضراء من ناحية الري والتشجير والصيانة، وتأمين النظافة العامة في مثل هذه الأماكن.
المولوي يتوسط في قضية الغولف
وبالعودة إلى قضية نادي الغولف، المساحة الخضراء المتبقية في الضاحية، فالتخوف الفعلي هو من "شبهات تحويلها إلى عمران سكني جديد بسبب سوء إدارة بلدية الغبيري لهذه المساحة، أو تلزيمها لجهات أخرى (راجع المدن). وهذا التخوف، يدفع بالسؤال عن كيفية إدارة الدولة لملكها العام، أي نادي الغولف أو غيرها، بالفشل المُتعمد بإدارة ملكية الدولة، وتلزيمها بصفقات سياسية، وبمعالجتها تحت إطار "المونة أو التدخلات السياسية".
ففي 4 أيار الفائت، قامت شرطة بلدية الغبيري والقسم المالي بالتوجه إلى النادي لإقفاله من أجل تحصيل أموالها من النادي، ما استدعى تدخل القوى الأمنية وتوقيف عناصر البلدية، ومنعت تنفيذ القرار. هذا القرار دفع رئيس بلدية الغبيري معن الخليل، إلى عقد مؤتمر صحافي شرح فيه مجريات الأمور وقرر تسليم مفتاح البلدية لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، باعتبار أن هذا التصرف الأمني يهدد استمرارية المرفق العام والبلدية. ووجه الخليل أصابع الإتهام إلى الدولة اللبنانية بالوقوف مع نادي أو "مليشيا الغولف"، كما يسميها.
وهذه الأزمة دفعت إلى تدخل وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي، الذي عقد اجتماعاً في 5 أيار في الوزارة، ضم النائبين علي عمار وأمين شري، في حضور محافظ جبل لبنان القاضي محمد مكاوي، ورئيس بلدية الغبيري معن الخليل، ورئيس نادي الغولف كريم سلام، حيث جرى التأكيد على أهمية المحافظة على النادي وعدم إقفاله، كما تم وضع آلية لحل مسألة الخلاف حول الرسوم البلدية، إلا أن الاتفاق لم يُعلن للرأي العام.
ووفقاً لمصادر "المدن"، فإن حضور نواب حزب الله في الاجتماع، لعباً دوراً بإيجاد تسوية تقوم على المحافظة على النادي وعدم إقفاله نظراً لما يتمتع بها من مكانة اجتماعية ورياضية وتاريخية للمنطقة. والنقاش في الاجتماع بين البلدية والنادي كان على العقار 3908، الذي تحاول البلدية فرض رسوم عليه بصورة "غير قانونية". وجرى الاتفاق على أن يكون هناك نوع من التسوية بين ما تطلبه بلدية الغبيري من رسوم على العقار من أعوام 2017 حتى 2022، وما يعتبره نادي الغولف رقماً منطقياً. وتبعاً لمصادر "المدن"، فأن رئيس بلدية الغبيري ممتعض من إثارة الموضوع إعلامياً، واتهامه بأنه سيقضي على المساحات الخضراء، أو أنه ينفذ أجندات سياسية معينة. كما كان تأكيد من نادي الغولف، بأنه تحت سقف القانون اللبناني.
على ما يبدو، ستحل قضية نادي الغولف، عبر صفقة سياسية برفع قيمة إيجار النادي من قبل وزارة الأشغال. إلا أن هذا القرار يلزمه قرار من مجلس الوزراء. بالإضافة إلى تحديد الرسوم المترتب دفعها للبلدية. لكن السؤال على أي تسعيرة سيتم احتساب القيمة التأجيرية. هل على سعر صرف سوق السوداء، أو منصة صيرفة، أو وفق ما كان في عقد التلزيم في العام 2018؟
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|