عربي ودولي

مفاجأة الولايات المتحدة: مفاعلات نووية لا مثيل لها

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

شهدت بداية العام الحالي مصادقة لجنة التنظيم النووي الأميركية على تصميم أصغر مفاعلٍ نووي نمطي على الإطلاق، يَعِدُ بإنتاج طاقةٍ محايدة للكربون، ويكون أكثر أماناً وكفاءة من محطات الطاقة النووية التقليدية. ومع اقتراب ساعة الصفر لبدء العمل على هذا المفاعل، تتكشف المزيد من المعطيات عن هذا المشروع الأول من نوعه في العالم، وما تصبو إليه الولايات المتحدة من مشاريعٍ مشابهة في سعيها للوصول إلى عصرٍ جديد من تكنولوجيا الطاقة النووية.

مفاعل متناهي الصغر
يوشك الباحثون النوويون الأميركيون على وضع حجر الأساس للبدء في مهمةٍ لحل واحدة من أعظم مشاكل البشرية باستخدام جهازٍ صغير. إذ سيشرعون مطلع العام المقبل داخل مختبر "إيداهو الوطني" التابع لوزارة الطاقة الأميركية، في بناء مفاعل "مارفل MARVEL"، وهو أول مولد متناهي الصغر للطاقة النووية من نوعه، يتم تبريده بمعدن سائل وينتج 100 كيلوواط من الطاقة. وبحلول عام 2024، يتوقع الباحثون أن يكون "مارفل" هو المحرك عديم الانبعاثات لأول شبكة نووية صغيرة في العالم.

يبلغ طول "مارفل" أربعة أمتار ونصف المتر، ويزن 907 كيلوغرامات، أي أنه يعادل حجم شاحنة. وهو مقارنةً بمحطات الطاقة النووية التقليدية، التي تمتد على مساحةٍ واسعة، وتنتج غيغاوات من الكهرباء لتشغيل دولٍ بأكملها، ويمكن أن يستغرق بناؤها أكثر من عقدٍ من الزمن، يُعتبر "مارفل" مفاعلاً صغيراً جداً، لكنه يشكل لعلماء مختبر "إيداهو الوطني" الذين اختبروا عشرات المفاعلات على مدى عقود في منطقة تقارب بمساحتها ولاية رود آيلاند، إعادة تخيل جذري للتكنولوجيا النووية.

مشروع طموح وسط أزمة الطاقة
يمكن أن يساعد تصميم هذا المفاعل في التغلب على أكبر العقبات التي تواجه الطاقة النووية، ألاّ وهي السلامة والكفاءة والحجم والتكلفة والمنافسة. وهكذا يجسد "مارفل" تجربة فريدة لمعرفة كيف يمكن أن تتلاءم كل هذه المعطيات معاً في العالم الحقيقي.

ويأتي هذا المشروع في وقتٍ أصبح فيه العالم أكثر تعطشاً من أي وقتٍ مضى للطاقة. ووفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، فإن الطلب الإجمالي على الكهرباء آخذ في الازدياد، وبذلك ستزداد الاحتياجات العالمية للكهرباء بنسبة 70 في المئة تقريباً بحلول عام 2050 مقارنةً باستهلاك اليوم. وتتقاطع هذه الحقائق مع التزام معظم دول العالم بالتخلص من الانبعاثات بحلول منتصف القرن.

لتلبية هذا الطلب على الطاقة والحؤول دون تفاقم مشاكل تغير المناخ، قال تقرير لوزارة الطاقة الأميركية في شهر آذار المنصرم أن الولايات المتحدة ستحتاج من 550 إلى 770 غيغاوات من الطاقة النظيفة والثابتة الإضافية للوصول إلى انبعاثاتٍ صفرية، وبأن الطاقة النووية هي أحد الخيارات القليلة التي أثبتت جدواها، والتي يمكن أن تحقق ذلك على نطاقٍ واسع.

وإنطلاقاً من ذلك، جددت الحكومة الأميركية رهاناتها على الطاقة النووية، ومن ضمن خططها الموضوعة، سيدرس الباحثون المشرفون على مشروع "مارفل" كيف يمكن أن تعمل المفاعلات النووية الصغيرة على شبكة كهرباء. ويأتي ما ذكرناه تزامناً مع ضخ شركات رأس المال الاستثماري 3.4 مليار دولار في شركات الطاقة النووية الناشئة. إضافةً إلى الاستثمار في الأفكار بعيدة المدى، مثل طاقة الاندماج النووي.

استراتيجية نووية جديدة
بالنسبة للصناعة النووية، تتمثل الإستراتيجية الجديدة للدول العظمى في تقليص حجمها باستخدام المفاعلات النمطية الصغيرة. وبدلاً من بناء مفاعلاتٍ ضخمة في مواقعٍ محددة، أخذت شركة "نوسكايل NuScale" الأميركية على عاتقها القيام بأبرز هذه الجهود، عبر تطوير مفاعلاتٍ أصغر، ذات قدرة كهربائية تصل إلى 10 و50 ميغاواط، يمكن بناؤها في المصانع ونقلها بالشاحنات أو شحنها حول العالم. ومن خلال البدء على نطاقٍ صغير وتوسيع نطاقها لاحقاً، سيمكنها التأقلم مع مجموعة متنوعة من الظروف لتوليد الكهرباء.

لفت هذا النهج الجديد أنظار العالم أجمع. فبدأت البحرية الأميركية بتشغيل أكثر من 200 مفاعل نووي صغير لتحريك غواصاتها وحاملات طائراتها. وعلى الضفة المقابلة، باشرت الصين وروسيا بتشغيل مفاعلاتٍ نمطية صغيرة بقدرة تتراوح بين 200 و300 ميغاواط، فيما تقوم 19 دولة بتطويرها. وقد كشف رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو في نيسان المنصرم عن رغبة بلاده بالاستثمار في بعض المفاعلات النمطية الصغيرة.

وباستخدام تصميماتٍ شبيهة بمفاعل "مارفل"، يدرس الباحثون في مختبر "إيداهو الوطني"، كيفية بناء مفاعلاتٍ أصغر يمكن تشغيلها في المجتمعات البعيدة أو لتكون داعماً لمصادر الطاقة المتجددة أو حتى لتوفير الطاقة في حالات الطوارئ بعد وقوع أي كارثة. 

الجيل الرابع من المفاعلات النووية
في السياق، لا بد لنا أن نذكر بأن الولايات المتحدة تمتلك أكبر شبكة من المفاعلات النووية في العالم، حيث يتواجد فيها 92 مفاعلاً عبر 53 محطة طاقة في 28 ولاية. وإلى جانب مشروع "مارفل" المبهر، يعمل العلماء الأميركيون حالياً لبناء الجيل الرابع من المفاعلات النووية. ولفهم ما يميز تصميمات المفاعلات الجديدة، سنذكر بإيجاز كيفية عمل التصميمات السابقة.

بقيت مفاعلات الجيل الأول مجرد تصميماتٍ تجريبية اختبر عليها العلماء إمكانية توسيع الحجم وإضافة ميزات أمان لجعلها أكثر قابلية للاستخدام في العالم الحقيقي. من هناك، تشكلت مفاعلات الجيل الثاني، التي تشكل الجزء الأكبر من المفاعلات النووية العاملة في العالم في الوقت الحالي، كما أنها أساس معظم نماذج الأعمال ولوائح الطاقة النووية. ثم جاء زمن مفاعلات الجيل الثالث الأحدث المزودة بميزات أمانٍ محسّنة. وتستخدم هذه المفاعلات أجزاء متحركة بنسبةٍ أقل من التصميمات التقليدية ويمكن أن تبرد من تلقاء نفسها في حالة حدوث خطأ ما.

أما مفاعلات الجيل الرابع والتي هي حالياً قيد الإنشاء، تستخدم على عكس المفاعلات الحالية، الماء بشكلٍ أساسي للتحكم في التفاعل وللحفاظ على البرودة، كما أنها تستخدم بتصميماتها مواد أخرى مثل المعدن السائل والغاز المضغوط والملح المصهور. فيما ميزتها تكمن بأنها يمكن أن تصل إلى درجات حرارة تشغيل أعلى، ما قد يؤدي إلى زيادة الكفاءة. 

ويمكن للعديد من تصميمات الجيل الرابع أيضاً استخدام أنواع وقود نووي أرخص، وهذه أحد الأساليب التي طورتها شركة "تيراباور TerraPower"، وهي شركة نووية أسسها الملياردير الأميركي بيل غيتس. فيما تسمح بعض تصميمات الجيل الرابع استخدام نفايات مفاعلات أخرى. لذا، تعمل هذه التأثيرات مجتمعةً على تحسين الجدوى الاقتصادية للطاقة النووية، وتبسيط العملية الشاملة من تقليل تكاليف الوقود إلى توليد الطاقة بشكلٍ أكثر فعالية وصولاً إلى تقليل النفايات وتحسين السلامة.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا