أزمة السودان نموذج لمأزق الظاهرة الميليشياوية في قلب دول المنطقة
من يتابع ما يجري من مأساة في السودان الشقيق سرعان ما يدرك ان اصل الازمة التعايش غير الطبيعي في دولة واحدة ومجتمع واحد بين الدولة والميليشيا اي كانت تلك الميليشيا نشأة وتنظيما ونهجا .
في دولة واحدة لايمكن تأمين التعايش البعيد المدى بين جيش نظامي شرعي ودستوري لدولة وبين ميليشيا مهما كان دورها ومهما كان مبرر وجودها .
هذه الظاهرة التي تعيشها بعض البلدان العربية سواء التي خضعت للنفوذ الايراني مثل لبنان واليمن والعراق او ترعرت في مسيرتها ميليشيات على مثال الدعم السريع في السودان باتت ترقى الى مستوى الازمة المصيرية والخطر المصيري على تلك الدول والانظمة والجيوش النظامية .
هذه الظاهرة انفجرت في السودان نتيجة استكبار وتعنت ميليشا قائدها ليس من اصل سوداني بل تشادي والمدعو حميدتي ووجودها يريد ان يضاهي وجود الجيش النظامي جيش الدولة الشرعية وقد رفضت مرارا دعوات الجيش للانخراط في الويته محددة مدد زمنية طويلة الامد كشرط لهذا الانخراط في وقت تبين ان لدى هذه الميليشيا سياستها الخارجية الخاصة مع روسيا التي اشترت من الميليشيا كميات هائلة من ذهب السودان وثرواته في مقابل الدعم المالي والعسكري والتحالفي مع ميليشيا فاغنر الروسية فيما الشعب السوداني صاحب الحق الوحيد بتلك الثروات .
ميليشيا الدعم السريع وان كانت قد شاركت من خلال كتيبتين في حرب اليمن الى جانب التحالف العربي السعودي الاماراتي شاركت بناء لطلب وتنسيق من الجيش السوداني كما ان الدعم السريع المتحدر من قبيلة الجنجويد ارتكب مجازر يندل لها الجبين في دارفور السودان .
هذه الميليشيا المسماة الدعم السريع تطرح انطلاقا من السودان مسألة بالغة الدقة والاهمية لا بل الخطورة قد لا تقل خطورة عن خطر احزاب الاسلام السياسي التي حاولت خلال الربيع العربي قلب انظمة الحكم في الدول العربية انطلاقا من مصر حيث لو نجحت حركة الاخوان في السيطرة على للنظام المصري لكانت تهاوت ٨ انظمة عربية واحدة تلو الاخرى كما قال الشيخ محمد بن زايد للرئيس باراك اوباما في معرض انتقاد دعم واشنطن لما كان يحصل في مصر من ثورة .
من هنا فان الدول العربية وعلى رأسها الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية مدعوة في اطار جهودها في النهوض بالعالم العربي من براثن ايران وثورتها وتصديرها العقائدي لمذهب الشيعية السياسية مدعوة لوضع خطة مواجهة شاملة لتلك الظاهرة الميليشياوية المتفشية في دول عربية ومن ضمنها السودان .
طبعا كلنا يعلم ان الدول الخليجية ولا سيما السعودية والامارات لا يتعاطون مع ميليشيات بل مع دول ومن حكومات الى حكومات لذا ومن الاهمية بمكان تقوية جيوش تلك الحكومات واتخاذ ما يلزم لقطع مصادر تمويل واستمرارية تلك الميليشيات التي تحولت مع الوقت الى اجسام سرطانية تنهش في الجسم العربي وها هي مشاهدها المتتالية بين العراق ولبنان واليمن وسوريا وصولا الى السودان حاليا .
دعونا نؤكد ان لا احد يريد سفك دماء الشعوب العربية ولا احد يريد اشعال نيران حروب اهلية في قلب الدول العربية المحكومة او الموجود فيها ميليشيات وهذا امر مفروغ منه لكن بالمقابل علينا جميعا كدول عربية تعاني من توسع وتغلغل الظاهرة الميليشياوية في محتمعاتها ان تقرر كيفية انهاء هذه الظاهرة لان الاستمرار في تعايش مستحيل بينها وبين هيكليات دولتية وفي مقدمتها الجيوش النظامية والقوات المسلحة الشرعية ان يساعد في النمو والتقدم والتطور والنهوض الاقتصادي والمالي والسياسي والمؤسساتي في تلك الدول بل ستبقى تشهد تراجع تلو التراجع والفشل تلو الفشل والتخلف تلو التخلف وها ان الامثلة المعبرة امام عيون الجميع في المنطقة .
من هنا يجب على قيادة ميليشيا الدعم السريع في السودان ان تستوعب ان المساكنة غير الشرعية وغير المشروعة بينها وبين الجيش السوداني وقوات الشرعية في السودان مستحيلة وان الغلبة لا بد وان تكون لمنطق الدولة والشرعية والجيش النظامي ولا مكان بالتالي لدور ميليشياوي في حكم السودان كما في حكم اية دولة عربية .
ليس المطلوب تصفية الميليشيات جسديا بل اندماجها وانخراطها في الجيوش النظامية وتنظيم وجودها ضمن اطر الدولة والدستور والمؤسسات الشرعية ومن هنا نرى انه اذا كان بمقدور الجيش السوداني انهاء ظاهرة التمرد بالقوة لكن بسرعة وفعالية فليكن ذلك خاصة وان كل يوم يمضي على الازمة السودانية يعمقها ويشجع الخارج على التدخل لمصالحه اولا قبل مصالح السودان والشعب السوداني .
اما اذا كان الجيش السوداني عاجزًا عن انهاء التمرد بالقوة فعندها لا بد من ايجاد حلول سياسية ووقف اراقة دماء السودانيين الابرياء الذين يسقطون ثمنا للتهور واللامسؤولية من قبل قيادة ميليشيا دموية لا تقيم وزنا لا للقيم ولا للاخلاق ولا للدولة .
والمؤسف حين نعود الى تاريخ الدعم السريع ان نجد ان من انشأه كان رئيس السودان المخلوع عمر البشير وذلك لحماية نظامه وها هي نتيجة فعلته اليوم تحول ميليشيا رديفة للقوى النظامية والشرعية الى وحش فرانكشتايني ينهش من لحم ودماء السودانيين والجيش والمؤسسات والاقتصاد .
ما يحصل في السودان اليوم يقرع جرس الانذار للدول العربية كافة لضرورة وقف ظاهرة تحكم الميليشيات بمصائر الشعوب والدول والسماح لها بالتمادي اكثر فاكثر في ضرب الكيانات الدولتية الشرعية ونشر الفوضى والتخلف والانهيار .
من مفارقات الوضع السوداني ان الدعم السريع مدعوم من العميد حفتر في ليبيا الذي ارسل له سلاحا فيما الجيش السوداني مدعوم من مصر التي دعمت حفتر في مواجهة الاخوان وحكمهم المدعوم تركيا خلال الحرب الاعليك في ليبيا مؤخرا .
انه لمثال اخر على حسابات المصالح المتضاربة والمتشابكة محليا واقليميا ودوليا في هذه الحقبة من تاريخ النظام العالمي المتخبط .
ظاهرة الميليشيات في الدول العربية من السودان الى لبنان باتت تنافس وتناهض وتناهز الجيوش النظامية حيث وجدت وفي هذا قمة الخطر لانه لا يجوز ان تكون الجيوش النظامية ثاني اكبر قوة في اي بلد بعد الميليشيا وليس مقبولا ان يكون الوضع على هذا الشكل .
الفوضى والدماء والتشبيح والسرقة والتعصب مصير الدول العربية التي تتحكم بمفاصل حكمها الميليشيات ويبقى السؤال الى متى ؟
امامنا السودان حاليا فماذا نقول ؟
هل يصبح الفصيل المنبثق من لدن الجيش النظامي بنفس مستوى هذا الجيش شرعية ومشروعية ؟ طبعا لا … لان حكم الميليشيات لا يمكن ان يسود …
الامر الاكيد ان ما من دولة تتواجد فيها قوات شرعية وميليشيات الا وتخرب وتتهاوى فاما تستعيد الدولة المبادرة واما تسقط الدولة ويصبح البلد ساحة فوضى وتخلف .
ولنا كلبنانيين في وضع السودان اسوأ مثال.
جورج أبو صعب - الكلمة أونلاين
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|