الاتّفاق على نار حامية... "حماس" توافق على هدنة بوجود إسرائيلي موقت
بمرور كل لحظة: بقاء سلامة في منصبه يزداد خطورة
يحلو لكثير من اللبنانيين أن يتحدّثوا عن فرادة وطنهم، في تركيبته ومميّزاته وأزماته وتوازناته السياسيّة. والحديث عن هذه الفرادة، رافق هذا الوطن منذ نشأته قبل أكثر من قرن من الزمن، وحتّى اليوم. وبعد الانهيار، بات هناك الكثير من العناوين التي تؤكّد هذه الفرادة، إنما من زاوية النتائج البائسة للصيغة اللبنانيّة: كأن يكون مصرفك المركزي مصدرًا لأكبر كتلة خسائر مصرفيّة قياسًا بحجم الناتج المحلّي في التاريخ الحديث، أو أنّ تكون أزمتك الاقتصاديّة إحدى أشد ثلاث أزمات على مستوى العالم منذ القرن التاسع عشر، أو أن تصبح كبرى المؤسسات الماليّة الدوليّة الرأسماليّة –كصندوق النقد والبنك الدولي- على يسار السلطة المحليّة في وصفاتها وحلولها.. إلخ.
وابتداءً من يوم الثلاثاء الماضي، بات للبنانيين تجربة فريدة يصعب أن يذكر التاريخ مثيلًا لها: أن يحكم مصرفهم المركزي مطلوب دولي، بعدما كان مشتبهًا به لأشهر مضت، وبعدما بات مدّعى عليه في وطنه لبنان، بطلب من أعلى سلطة ادعاء في الجمهوريّة اللبنانيّة. وأن يتصل كل ذلك بشبهات تصل إلى حدود الاختلاس وتبييض الأموال، لشخص يفترض أن يكون مصدر الثقة باستقرار النقد الوطني والنظام المالي. وهذا الواقع، لن تقتصر مفاعيله على تأكيد فرادة المحنة والبؤس في هذا الوطن، بل سيُنتج مخاطر ستزداد وطأتها بمرور كل لحظة يبقى فيها هذا الرجل في منصبه.
خطر صلاحيّات رياض سلامة
في الوقت الراهن، لم يعد لدى الرجل ما يخسره. يدرك جيّدًا أن الادعاء الفرنسي آتٍ، مع نشرة حمراء ستُعمم على الدول من قبل "الانتربول"، بعد أن صدرت مذكرة التوقيف التي ستمنعه من دخول منطقة "الشينغن" الأوروبيّة بأسرها. لم يعد لسلامة مستقبل يُذكر في أسواق المال الدوليّة النظيفة، إلا إذا قرّر الاختباء –كتجّار المخدرات ومافيات تهريب السيّارات- خلف شركات واجهة تخفي أسماء مالكيها. وبصورة أوضح، سيمضي الرجل السنين المتبقية من عمره فارًا من وجه العدالة الدوليّة، ومتواريًا عن أنظار الجهات الرقابيّة الماليّة، كحال زميله في الفرار من مذكرات التوقيف الفرنسيّة، كارلوس غصن.
هنا، ثمّة ما ينبغي التوقّف عنده، لجهة الصلاحيّات التي لا يزال يملكها المشتبه به، في الوقت الذي بات فيه رسميًا خارجًا عن القانون الدولي، ولا يملك همًا سوى التحضير لمرحلة الهروب من وجه العدالة.
فهذا الرجل، ما زال حتّى اللحظة يدير إحدى أكثر الأدوات النقديّة غموضًا والتباسًا، أي منصّة صيرفة المخصّصة للتداول بالعملات الأجنبيّة، والتي لا تفصح عن المعايير التي تستخدمها لبيع دولارات الاحتياطي بأسعار مدعومة مقارنة بسعر السوق الموازية، لفئة ضيّقة من عملاء المصارف.
تقرير البنك الدولي الصادر يوم الثلاثاء الماضي، الذي لم ينل انتباهًا لتزامن نشره مع الإعلان عن مذكرة التوقيف، يشير إلى أنّ المنصّة منحت أرباحًا بقيمة 2.5 مليار دولار لحلقة من المحظيين، نتيجة الفارق بين سعر المنصّة المنخفض المعتمد في عمليّات بيع الدولار، وسعر السوق الموازية الأعلى. وأشار التقرير بوضوح إلى أنّ مصرف لبنان خلق أداة مضاربة على سعر الصرف، بدل أن يخلق أداة تحقق الاستقرار النقدي.
على هذا النحو، يمكن للبنانيين اليوم طرح ألف سؤال وسؤال عن مليارات الدولارات التي يجري تبديدها من خلال هذه المنصّة بالتحديد، والتي تسمّيها التقارير الدوليّة "أداة مضاربة" وسياسة "غير محبّذة" بعبارات صريحة جدًا. وهذا الهاجس، تعزّزه معرفتنا بأن الحاكم شحن 2.11 مليار دولار من حسابات المصرف المركزي لدى المصارف المراسلة، إلى خزائنه في بيروت. وفي النتيجة، بات هذا الجزء من احتياطات المصرف المركزي موجودًا تحت يد الحاكم مباشرةً، وبالنقد الورقي، من دون أي قيود على كيفيّة استعمالها اليوم، بعدما كانت قيمة النقد الورقي الموجود لدى مصرف لبنان تقتصر على 898 مليون دولار فقط قبل عام واحد (راجع المدن).
في الحالات العاديّة، وفي أي شركة تجاريّة طبيعيّة، يمثّل ارتفاع مخزون النقد الورقي مصدرًا لمخاطر لا تُحصى، من ناحية احتمالات تبييض الأموال أو سوء استعمال السيولة أو حتّى الفساد الإداري. فكيف سيكون الحال إذا كنّا نتحدّث عن احتياطات يتم استعمالها لتمويل منصّة غامضّة ومضاربات مشبوهة، من دون أن يكون لدينا فكرة عن هويّة المستفيدين؟ وكيف سيكون الحال إذا كان من يدير المنصّة هو حاكم مصرف لبنان، المشتبه بارتكابه جرائم الاختلاس وتبييض الأموال؟ وأهم من كل ذلك، كيف سيكون الحال إذا كان من صمّم المنصّة هي المشتبه بمعاونتها الحاكم في عمليّات غسيل الأموال، أي مستشارته ماريان الحويّك؟
مطبعة النقود معه
على المقلب الآخر، لا يمكن التغاضي عن صلاحيّة أخرى يملكها الحاكم، وهي صلاحيّة خلق النقد واستخدامه لشراء الدولارات من السوق الموازية. وهذه العمليّة، يقوم بها الحاكم منذ أشهر بانتظام، وبشكل غامض، من دون أي معيار لكيفيّة اختيار الشركات الوسيطة، والمستفيدة من عمولات هذه الوساطة. كما لم تتضّح حتّى اللحظة الغاية الاقتصاديّة التي تحققها هذه العمليّات، والتي أشار تقرير البنك الدولي منذ يومين إلى أثرها الخطير، على مستوى ضرب قيمة الليرة اللبنانيّة وزيادة التخبّط في سوق القطع. ومرّة جديدة، لن يملك حاكم مصرف لبنان –حتّى نهاية شهر تمّوز المقبل- ما يخسره، عند القيام بكل هذه العمليّات الملبتسة والغامضة.
أخطر ما في الموضوع اليوم، هو أنّ الحاكم بات في موقع الخاضع للابتزاز بشكل مثالي، من قبل كل من يقدّم له الحماية السياسيّة والقضائيّة والأمنيّة. وهذا الابتزاز تحديدًا، هو سيسمح له بمقايضة الأرباح التي يمكن أن تقدّمها كل هذه الصلاحيّات والعمليّات، مقابل الحماية التي يحظى بها. وفي الوقت نفسه، من المعلوم أنّ كل هذا المشهد سيزيد من خشية المؤسسات الماليّة الأجنبيّة من التعامل مع مصرف لبنان، أو أي جهة ستحتاج إلى توقيع الحاكم على تحويلاتها وعمليّاتها. وهذا ما سيزيد من مخاطر العزلة الماليّة، التي سترتفع مع إضافة لبنان إلى اللائحة الرماديّة التي تنشرها مجموعة العمل المالي، كما هو متوقّع في نهاية الشهر الحالي.
ببساطة شديدة: كل لحظة ستمرّ قبل إقالة الحاكم من موقعه، ستزيد من مخاطر وجوده على لبنان واقتصاده ونظامه المالي. ما الذي يمنع إقالته إذًا؟
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|