الصحافة

هل يحمي برّي سلامة؟ كيف وإلى متى؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

إنها مسألة وقت قصير، ويطوي لبنان صفحات 30 سنة من السياسات النقدية والمصرفية المدمّرة التي أودت بمدّخرات اللبنانيين وقدرتهم الشرائية وتركتهم نهباً للفقر والبطالة والهجرة.

انتهى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عملياً، ولم تبق منه إلا ظلال حماية سياسية ستتناقص في الأيام المقبلة تحت ضغط القضاء الدولي والرأي العام المحلي... وربما العالمي أيضاً، فالقضية عابرة للحدود، وهناك في 6 دول على الأقل تحقيقات حول شبهات احتيال واختلاس وتزوير وتبييض أموال وجرائم مالية أخرى. وهناك أيضاً نظام مالي عالمي يتابع كل تفاصيل هذه الشبهات وتلك القضايا، ويترقّب على مدار الساعة ما الذي سيفعله لبنان لسير العدالة وتنقية القطاع المالي من شوائب باتت على كل شفة ولسان حول العالم.

الذريعة القانونية ورقة تين لا تستر عورة
ما يتذرّع به سلامة في قانون النقد والتسليف، بما يخوّله البقاء في منصبه حتى آخر ولايته، هو ورقة تين لا تستر عورة، إلا إذا تذرّع حماة سلامة أيضاً بمواد ملتبسة في ذلك القانون لشراء بعض الوقت الذي بات ضرره أكبر بكثير من نفعه. علماً بأن حديث القانون في لبنان خرافة كرّستها ممارسات شنيعة، ومقولات كثيرة تنسب واحدة منها الى رئيس مجلس النواب نبيه برّي مفادها الآتي:»لا يلجأ إلى القضاء (القانون) إلا الضعيف!». لذا لم يفاجأ اللبنانيون بما تسرّب عن المحقّقين الأوروبيين لجهة عدم ثقتهم بالقضاء اللبناني الذي يرضخ فيه قضاة لضغوط سياسيين نافذين، وأن القوانين مطّاطة والإجراءات شبكة (منخل) ينفذ من ثغراتها المرتكبون بأيسر السبل، وأن اللعب على الشكل في الدفوع وطلبات رد القضاة ومقاضاة الدولة وإطالة المهل... كلها في خدمة الأقوياء والنافذين. ما دفع بأحد محامي الادّعاء في باريس للقول «إن محقّقين وقضاة لبنانيين بصقوا على التعاون القضائي بين لبنان والدول الأوروبية المعنية بالتحقيق في شبهات حول رياض سلامة».

سحب الحجة الطائفية والسياسية

وعلى سيرة برّي، ولماذا يسود اعتقاد أنه الحامي الأول لسلامة؟ وما مبرّرات هذا الاعتقاد؟ بداية وقبل الذهاب بعيداً في بحث الأجوبة، تتعيّن الإشارة إلى إجماع أحزاب مسيحية وازنة (القوات، الكتائب، والتيار) على ضرورة استقالة سلامة أو إقالته فوراً. فهل من مصلحة برّي تحدّي الرأي العام المحلي لا سيّما المسيحي المطالب بإقالة سلامة؟ وهل يمكنه إنكار ضغط القضاء الدولي؟ يمكنه اليوم أن يقول أن لا علاقة له في كل ذلك، والأمر منوط بمجلس الوزراء، أو مجلس النواب إذا كان لا بدّ من تعديل القانون الذي يتمسّك به سلامة كما قال لتبرير بقائه في منصبه. وهنا بيت القصيد، إذ إن شبه الإجماع المسيحي على ضرورة خروج سلامة من الحاكمية اليوم قبل الغد ينزع من برّي ورقة مهمة من أوراق التذرّع الطائفي والسياسي. وفي جانب القانون، لم يعد باستطاعة برّي القول إنه لن يسمح للنائب الأول للحاكم (وسيم منصوري) تسلّم المهام مرحلياً الى حين تعيين حاكم جديد.

ميقاتي يتهيّب الموقف
وبالنسبة إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ليس سرّاً أنه يمشي بمحاذاة حائط الثنائي الشيعي الذي كان أول من بارك عودته الى رئاسة الحكومة وأمّن له الغطاء، ويمون عليه لدرجة فاقعة ظهرت جليةً في الفيديو الشهير الذي طلب فيه برّي تمديد العمل بالتوقيت الشتوي، فاستجاب مثل الشاطر. ثم كان ما كان، وخسر الإثنان من صورتيهما لدى شرائح واسعة من الناس المستغربين هذا الاقتراح الغريب، إن لم نقل المريب. لكن ميقاتي هذه المرّة يحاول التمايز بإرسال إشارات تدلّ على أنه يتهيّب الموقف ويرغب في قرار حكومي مناسب في قضية سلامة.

مقولة إن سلامة ليس وحده المعنيّ
في جانب «الزعيم الاشتراكي» وليد جنبلاط، هناك الشيء ونقيضه أحياناً. وقضية سلامة لا تشذّ عن القاعدة الجنبلاطية الاستثنائية، بدليل ما قاله في مقابلة تلفزيونية مع الزميل ألبير كوستانيان قبل أيام قليلة، وحرفيته: «إذا كان سلامة فعلاً متّهماً، فهناك العديد من الشخصيات التي يجب أن تلاحق أيضاً من سياسيين ومسؤولين وكبار مديرين ومصارف... وليس رياض فقط». ويا للصدفة في تكرار ذلك من قبل سلامة نفسه في حوار مع محطة «الحدث» قبل يومين إذ قال: «لماذا لا يلاحقون السياسيين؟ على القضاء البدء بهم قبلي».

فرنجية... المنظومة

وفي المنظومة أيضاً هناك رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي شذّ عن الإجماع المسيحي وصمت في قضية سلامة. وما صمته إلا من قبيل صمت برّي والثنائي أيضاً حتى تاريخه. مع سؤال لفرنجية: كيف تقدّم نفسك رئيساً محتملاً للبنان ولا تدقّ ناقوس خطر يهدّد هذا البلد في سمعته المالية وتعاملاته المصرفية مع العالم؟ ألا يعني لك الأمر شيئاً؟ ومن نافل القول إن حماس برّي لفرنجية مدفوع بعدة أسباب أبرزها أنه من عظام رقبة المنظومة تاريخياً، وأن انتخابه رئيساً يمدّد عمر الستاتيكو المتّهم أحياناً بأنه قائم على الإفلات من العقاب أو ضحالة المساءلة والمحاسبة، وقادر على حماية سلامة إذا اقتضى الأمر.

الرجل الأقوى في المنظومة

بالعودة الى بري والسؤال عن حقيقة حمايته سلامة، فهناك شبه إجماع على أن بري هو الرجل الأقوى في المنظومة اليوم. من جهة هو متحالف مع «حزب الله»، ومن جهة أخرى ممسك بمفاتيح مجلس النواب عموماً وبمفاتيح في لجنة المال والموازنة على وجه الخصوص وهي المعنيّة مباشرة بالشأن المالي والنقدي. الى ذلك، يعتبر برّي رفيق درب مع سلامة منذ 30 سنة، ولم يعد موجوداً من النافذين في التركيبة الأولى التي شكلت أوائل التسعينات إلا هو وذاك. فصحيح أنّ من أتى بسلامة هو رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، لكن بعد اغتيال الحريري وتغيّر مشهد النفوذ بعد 2005، ظهر برّي تباعاً وفي السنوات اللاحقة أنه عضد لحاكم مصرف لبنان.

تجلّى قرب الرجلين من بعضهما بعضاً في مراحل مفصلية مختلفة ليس أقلّها عندما تصدّى بري لإقالة سلامة أيام حكومة حسان دياب، فضلاً عن تصريحاته الشهيرة عن أن ضبط سعر الصرف يفترض بقاء الحاكم. وبقيت العلاقة بين الرجلين على ودّها رغم تقهقر سعر الصرف وانهيار القطاع المصرفي ووصول البلاد الى ما وصلت اليه في قاعات الانهيارات المتتالية على أكثر من صعيد. وهناك شواهد كثيرة أخرى، مثل الصرخة التي أطلقها نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب عندما رفض سلامة تلبية طلب حضوره الى اجتماعات اللجان المشتركة. أسقط ما بيد بو صعب وبقي برّي صامتاً وهو صاحب مقولة «المجلس سيّد نفسه»، فإذا بسلامة سيد أيضاً ولا يرضخ لمجلس النواب لأنه العارف أن برّي لن يقتصّ منه.

الكرة في ملعب الحكومة ومجلس النواب 

باستطاعة برّي الخروج على الملأ والقول اليوم إنه ليس حاميَ أحد وخصوصاً شخصاً مطارداً من العدالة الدولية. وباستطاعته تسهيل عقد جلسة للحكومة يتأمّن فيها تصويت الثلثين لإقالة سلامة، كما هو قادر على الدعوة الى جلسة طارئة (10 دقائق) لمجلس النواب لتعديل قانون النقد والتسليف الذي يتسلّح به سلامة للقول إن لا أحد يمكنه إقالته طالما لا حكم نهائياً صدر بحقه.

وفي الحالتين، سواء القرار الحكومي أم التشريعي البرلماني ليس أمام برّي، من ناحية المبدأ، أي حواجز سياسية أو طائفية طالما أن الأحزاب المسيحية الرئيسية إضافة الى التغييريين مع اتخاذ القرار المناسب فوراً.

رب سائل، لماذا يوضع كل هذا العبء على ظهر برّي وحيداً؟ أما الجواب فمستوحى ممّا سبق ذكره لا سيما الإجماع المسيحي على إقالة الحاكم إذا كان النقاش طائفياً، وشبه إجماع الرأي العام إذا كان النقاش يدور حول استجابة المؤسسات الدستورية لمواجهة حدث بهذا الحجم بات يهدّد علاقات لبنان المالية بالعالم، كما بات يهدّد ب»بهدلة» إضافية للقضاء اللبناني المنقسم على نفسه سياسياً وطائفياً ومصلحياً.

إدّعاءات مردود عليها

بالعودة الى ما قاله سلامة وجنبلاط عن أن المسألة أبعد من حاكم مصرف لبنان، ويجب توسيع التحقيقات لتشمل جهات أخرى تتحمّل مسؤوليات مختلفة في ما قد حصل، فهذه مقولات مردود عليها بأسئلة يوجّه واحد منها أولاً الى وزير حركة أمل يوسف الخليل عن مصير التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، والى يوسف الخليل أيضاً وجه المحقّقون المحليون والدوليون أسئلة عن مسؤوليته عندما كان مديراً للعمليات في مصرف، وكيف أنه لم ير اختلاسات عمولات بمئات ملايين الدولارات.

ففي نتائج ذلك التدقيق الجنائي معطيات تذهب بالاتجاهات التي أنفقت فيها الأموال وتوضح للرأي العام مقولات تمويل الدولة وتمويل الكهرباء بالأرقام لا بالادّعاءات السياسية. لذا، يسأل برّي عن ذلك التدقيق ليس لأنه مسؤول عنه مباشرة بل لأن وزيره المسؤول وصديق رياض سلامة.

مروان خير الدين والكابيتال كونترول

كما يسأل الرئيس بري عن سرّ إصراره على ترشيح رئيس بنك الموارد مروان خير الدين على لائحة الأمل والوفاء وهو العارف منذ 2019 أن المصرفيين مسؤولون عن أزمة الودائع، وأن خير الدين نفسه (المصرفي المدلل عند سلامة) كان في عين الشبهات، وتبيّن لاحقاً انه مشمول بالتحقيقات الدولية واتهامات التزوير وتبييض الأموال.

وعلى سيرة الأزمة والودائع، يذكر أن الرئيس بري وحاكم مصرف لبنان توافقا مع آخرين بداية الأزمة على عدم إقرار قانون لضبط السحوبات والتحويلات (كابيتال كونترول)، وكانت لذلك نتيجة وخيمة على المودعين جرّاء إقبال نافذين على تحويلات بالمليارات الى الخارج. وفي السياق أيضاً التقت مصالح كثيرة آنذاك على إسقاط خطة الإصلاح التي قدّمتها حكومة حسان دياب، إسقاط تضافرت فيه جهود رياض سلامة والمصارف وأعضاء لجنة المال والموازنة.

معلومات للإبتزاز... لا للحقيقة

لا مجال هنا لتناول التواطؤ على الفساد وبالأدلة، لأن الاتهامات الموجّهة حالياً الى رياض سلامة بدأ التحقيق فيها بناء على دعاوى قدّمت، وبالتالي يجب تقديم دعاوى ضد كل من هو متواطئ وليس الاكتفاء بإلقاء الإتهامات جزافاً. ولا يُنصح برفع تلك الدعاوى محلياً لأن طريق العدالة شبه مسدود كما حصل في تحقيقات المرفأ وتحقيقات ضد مصارف. أما الحديث عن أن سلامة يملك معطيات ويمكنه أن يكشف ارتكابات الجميع، وأن صمت البعض عنه والمضيّ في حمايته هو للحؤول دون الفضائح، فهذا مردود عليه جملة وتفصيلاً. فمن لديه تلك المعطيات ولا يكشفها هو متواطئ او مشارك في هدر وسرقة حقوق اللبنانيين عموماً والمودعين على وجه الخصوص. وهنا سؤال لسلامة: لماذا تقول إن على القضاء البدء بالسياسيين؟ هل تعلم شيئاً عنهم وتحتفظ بالأسرار لنفسك أو للابتزاز إذا حشروك؟ أوليس من الأجدى أن تتعاون مع التحقيق الدولي وتقول إن السياسيين متورطون، وبذلك تقدّم خدمة جليلة للبنان بدلاً من الضلوع في الصمت على طريق العمل المافيوي بالتعاضد والتكافل بين أعضاء «عصبة الأشرار» وفقاً للتوصيف الوارد في الادعاء الأوروبي في قضية سلامة وآخرين ؟

على أي حال، ما هي إلا أيام قليلة ونكتشف بالأسماء قائمة كل القضاة الذين سيؤمّنون حماية إضافية لسلامة، ولمن يتبعون ومن يأمرهم ويمون عليهم، عندئذ لا نعود بحاجة لدلائل فساد هذا السياسي أو ذاك... بانتظار العدالة الدولية أو السماوية!

 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا