أين الحاكم؟
تبيّن ان حاكم "المركزي" رياض سلامة لا يغادر مقر سكنه في مصرف لبنان وهو بحراسة مشددة، وهو يقصد في حال اضطراره للخروج، اماكن خاصة ومحددة وسط حراسة كاملة في ظل الخطر الكبير الذي يتعرض له سلامة، بحسب معلومات "ليبانون فايلز".
من ناحية أخرى، كتبت المدن :
ما الذي جعل رياض سلامة وعصبته والمتعاونين معه وسائر المتورطين في الشبكة الهائلة التي تحوي مصرفيين وسياسيين وموظفين كبار.. على هذا القدر من اللصوصية والانحطاط الأخلاقي، وعلى هذا المستوى من الفجور والوقاحة في الإنكار واللامبالاة؟
بالأمس واجهني سائق بعكس السير. أمرني أن أتراجع وأفسح له الطريق. هكذا بكل ثقة وعنجهية. كان موقناً أن حجتي بالنظام والقانون لا محل لها هنا، وفي البلد كله. كان يدرك أن لا عقاب على الإطلاق لفعلته. وأن لا أحد في الشارع كله يهمه الأمر. والأهم أو الأخطر، أن هذا السائق كان خالياً من أي مشاعر خجل. الجملة الوحيدة التي قالها كحجة تافهة ومفحمة في آن معاً: البلد كله عكس السير.
السائق، كما معظم اللبنانيين، كان متسلحاً بأقوى الأسلحة: اللاعقاب. فهذا السلاح كان ولا يزال الناظم الوحيد تقريباً للحياة اللبنانية طوال ثلاثة عقود، استمراراً وامتداداً لـ"الفوضى" أو غياب القانون في عقديّ الحروب اللبنانية. وعلى الأرجح، تغذى هذا المبدأ أيضاً من الترجمة الرديئة والخبيثة لمقولة "دعه يعمل، دعه يمر" في زمن السلم والمقاولات والتدفقات المالية، ورسو السياسة المحلية على مزج السلوك الميليشياوي بعقلية البيزنس واقتناص الأرباح. أي ولادة اقتصاد اللصوص.
هكذا بدأ سباق النهب، حمى وطنية عارمة للاختلاس والرشوة والسطو، بنهم وجشع لا حد لهما. حمى ترفدها المنافسة السياسية تحت عنوان: "أي طائفة ستتفوق بتكديس الثروة والاستيلاء على مصادرها. أي طائفة ستحوز على المقدرات". وقد جُعل هذا العنوان واجباً على كل "مواطن" نصرة لجماعته وملته، وعليه أن يبذل جهداً يومياً في هذه المنهبة، منفعة لنفسه ومؤازرة لطائفته. فأرباحه أرباحها.
كان هذا هو القانون الأول الذي يعلو فوق كل القوانين. بل من لا يعتنقه يُعاقب بالتهميش والسقوط والإفقار والنبذ. من لا ينهب سيبدو كمن يحمل يافطة عار: "فاشل".
يمكن القول أنه لأول مرة في التاريخ الحديث تستولي المافيا على الدولة والمجتمع بالكامل. تتسيد على نحو مطلق وتفرض ميثاقها الأخلاقي على بلد بأكمله، وتنتفي أي مقاومة له تقريباً.
قبل ثلاثين عاماً كان رياض سلامة موظفاً مرموقاً وخبيراً مالياً مقتدراً. في اللحظة التي نال فيها منصبه حاكماً لمصرف لبنان، وارتضى "النظام" الذي يخدمه وينتمي إليه، عقد صفقة بيع روحه للشيطان. الانتساب إلى ما سيسمى لاحقاً المافيا السياسية- المالية، كان يقتضي منه ترك "الأخلاق" خارج مكتبه. ولم يكن ذلك مبعث تذمر من أحد في زمن الوفرة ونيل الجميع حصتهم، كل وفق مقامه وشطارته (أو دناءته). كان "النظام" ناجحاً، ويوزع البحبوحة على البلد.
بمعنى آخر، كان الفساد يحقق اقتصاداً مزدهراً، وكان رياض سلامة ينال التصفيق والجوائز في المؤتمرات الدولية. وكان يُكافئ نفسه رفاهية وأرصدة ونساء وهدايا باهظة. ولم يكن وحيداً أو فريداً من نوعه. فعلى منواله انغمس الجميع في حفلة "الأورجي" هذه، التي صارت نمط حياة لبنان، دولة ومجتمعاً، سياسة واقتصاداً وثقافة وأخلاقاً.
على الأرجح، رياض سلامة كما ذاك السائق بعكس السير: بلا أي شعور بالخجل، ولا أي وخز ضمير، ولا أي شك بقوة حجته. بل أيضاً هو مندهش ومصدوم أن أحداً سيعاقبه. فهو يعيش في دولة اللاعقاب. سيبدو له الأمر ظلماً. وقد يكون "محقاً" في ذلك: أتطاردونني والذين قتلوا واغتالوا وفجروا أحرار طلقاء؟ وقد يصرخ من أعماق وجدانه: أنا بريء.
لربما، والحال هذه، قد يطالب سلامة وشلته بقانون عفو، وفق مبدأ سياسي وقضائي معمول به: عفا الله عما مضى.
هذا ما يفسر إلى حد بعيد الصمت الرسمي واللامبالاة العامة إزاء ما حدث لسلامة. فاستجوابه واتهامه وإصدار مذكرة توقيف بحقه، كإنما هو استجواب واتهام ومحاولة اعتقال وإدانة للدولة كلها بمواطنيها ومسؤوليها وزعمائها. رياض سلامة هو "اللبناني" كما نحتته وصنعته سيرورة المناهبة على امتداد حقبة جهنمية.
رياض سلامة، هو "نحن".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|