دخان أبيض رئاسي و3 مرشحين بعد قائد الجيش وسفير سابق لدى الفاتيكان
عودة سوريا إلى جامعة الدول العربيّة… “هزيمتنا” لا تعني انتصار الأسد
"درج": كريم صفي الدين - ناشط سياسي لبناني
هزيمتنا لا تعني انتصار الخصم، وفي الساحة السياسية العربية بشكل خاص، تمسّكنا بربيع الأمل ينبع أولاً من إيماننا بأننا نواجه أنظمة عربية مأزومة.
عاد النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، على رغم كل ما ارتكبه من قتل وتعذيب بحق مئات آلاف السوريين إضافة إلى تهجير الملايين. عاد النظام إلى الحضن العربي بعد عداوة بينه وبين أنظمة الخليج دامت عقداً تقريباً، واجتمع “الأصدقاء” في دارٍ تجمع دكتاتوريات المنطقة.
التعاطي مع هذا التطور كحدث معزول لا يفسّر خلفية القرار، إذ نعيشُ اليوم مناخاً إقليمياً في جوهره ينقض التقدم الديمقراطي الذي حصل بعد عام 2011 مباشرةً. عادت الأنظمة، وعودتها رسالة للملايين الذين انتفضوا في السنوات الـ13 الأخيرة: “مواردنا أقوى من إرادتكم”، فالشعوب لا تملكُ سوى الإرادة، والأنظمة، بعساكرها ونفطها وميليشياتها، انتصرت في هذه الدورة على مَن استرجع المبادرة في الدورات السابقة.
التحركات العمّالية في مصر عام 2004، ربيع بيروت عام 2005، الربيع العربي عام 2011، انتفاضات لبنان والسودان والعراق والجزائر عام 2019… هذه المحاولات لتكريس “الحقوق” والمؤسسات في أنظمة كرّست العنف والوصفات الاقتصادية النيوليبرالية، قدّمت دروساً لأجيالٍ من الشباب والشابات الذين انخرطوا في هذا التحدي المستحيل. يُقال إنّ الثورات “فشلت”، قتل وهُجر الملايين من السوريين، سيطر العسكر في مصر والميليشيات في العراق ولبنان، اشتدت قوةّ أنظمة النفط والريع، وعززت سلطة الرئاسة على حساب العملية الديمقراطية في تونس…
إنما على رغم هذه الأحداث، نستطيع أن نقول: نعم، حصلت هذه الثورات، نعم، نزل الملايين إلى الشارع لإسقاط النظام. نعم، الديمقراطية ليست قيمة محصورة ببعض الدول والمجتمعات. خسرنا في هذه الدورة، ولكن لا خسارة من دون دروسٍ وتجارب وخبرات تراكم في سبيل مستقبلٍ يختلف في جوهره وتفاصيله عن حاضر الهزيمة.
من رموز الهزيمة إلى أساطير الأمل
تنازلْنا وأكّدنا أننا نعيشُ في زمن الهزيمة، ولكن حتّى هذه الهزيمة أنتجت رموزاً سُجّلتْ تضحياتها في الكتب واللوحات والصور المنشورة على الطرق والصحف والمنصات الإلكترونية.
هذه المواد في الدرجة الأولى هي ذكريات هذا الزمن، ولكنها أيضاً سلاح مناضلي المستقبل. فالحركات الاجتماعية الجديدة، بحسب الدراسات الراهنة في السوسيولوجيا والعلوم السياسية، قائمة على “العواطف” (بالمفهوم الواسع للكلمة) التي تدفع هؤلاء المناضلين إلى التضحية وصرف الطاقة في التنظيم والكتابة والمواجهة.
من علاء أبو فخر ولقمان سليم وسمير قصير (لبنان) إلى علاء عبد الفتاح وسارة حجازي (مصر) إلى علي مصطفى وإبراهيم قاشوش (سوريا) إلى طارق البوعزيزي (تونس)… هذه الأسماء ليست مجرد صورا توضع على حيطان غرفة الاجتماعات، بل أصبحت أساطير توجّه النضال وتثبّت معانيه عبر الأقوال والنصوص والمقابلات والفيديوات.
ولكن هذا الماضي الغني بالتضحيات والبطولات الفردية والجماعية لا معنى له من دون حاضرٍ غني بالفعل المتكيّف مع شروط هذا الزمن، وأحد هذه الشروط التخلّي عن الحزن البائس والمظلومية المهزومة التي تترافق مع تلك الأيقونات. التوجّه نحو بناء حركات اجتماعية جديدة تُراكم الانتصارات بدل الهزائم، عبر التحرر من “عاطفة الهزيمة”، واستبدالها “بعاطفة الأمل” التي حرّكت رجال ونساء التجارب السابقة، رُغم ظروفها الصعبة. على الأقل نستطيع أن نقول إن توجه الأنظمة نحو استخدام العنف والقتل للتخلّص من معارضي الماضي يؤكّد أننا خطرٌ جدّي، وحكّام المنطقة يخافون من الشعوب المنتفضة، وللكلمة العنيدة تداعيات حقيقية في الساحة العربية.
الهزيمة تنتج المعرفة
الانتصار الأول بعد الربيع العربي حصل في مصر، حيث طرد الثوار حسني مبارك، وأجريت انتخابات ديمقراطية أتت بمحمد مرسي رئيساً للجمهورية. كانت أول تجربة ديمقراطية في تاريخ مصر، ولذلك سُجّلت انتصاراً كبيراً للديمقراطيين والمعارضين في البلد.
“النقد الذاتي بعد الهزيمة”، كتاب للمفكّر السوري الماركسي الراحل صادق جلال العظم، تحدّث فيه عن تناقضات الخطاب القومي وأزمة العالم العربي الداخلية من حيث حقوق المرأة والأمور الأخرى التي تتعلق بالتحرر الاجتماعي المباشر. “هذا الكتاب كتب تحت ضغط نفسي سببه الهزيمة المريعة والطريقة المهينة التي حدثت بها”، يقول العظم في مقدمة الكتاب.
فالنقد الذاتي ليس فعلاً مريحاً، ولكنه الفعل الأول قبل الانتقال إلى المرحلة المقبلة. في نقد تجربة الأنظمة العربية العسكرية القومية، ظهرت كتابات سمير قصير التي نادت بأولوية التمسك بالديمقراطية والحرية والعلمنة، في مواجهة الأصولية الدينية والحروب الأميركية واستبداد الأنظمة، وهذه هي روحية الربيع العربي، التي وُلدت بعد النقد. في ظلّ هذه الهزيمة الجديدة، علينا إنتاج المعرفة التي تنقض الحاضر في محاولةٍ للبحثِ عن المستقبل، ويجب أن يبدأ هذا البحث في مجال الحركات الاجتماعية. كيف نجمع بين القيادة والديمقراطية، وبين الفعالية والتشاركية؟ كيف نتعامل مع قوى مجتمعية محافظة ذات مواقف ملتبسة من التعددية السياسية الفعلية؟ كيف يخرج اليسار والقوى التقدمية الجديدة من الفقاعات الإلكترونية ليكونوا جزءاً من التاريخ وليس على هامشه؟ هذه بعض الأسئلة الضرورية وحسب، كي نبدأ بعملية إنتاج المعرفة بخصوص تحديات هذه المرحلة.
الأنظمة دائماً مهزومة
هزيمتنا لا تعني انتصار الخصم، وفي الساحة السياسية العربية بشكل خاص، تمسّكنا بربيع الأمل ينبع أولاً من إيماننا بأننا نواجه أنظمة عربية مأزومة. هؤلاء الحكام لا طموحات مؤسساتية لديهم، وأحلامهم تقاس بالسنوات المتبقية من حكمهم، ويتشاركون هذا الحكم مع طبقة محصورة من العساكر والتجّار الذين أعلنوا الحرب الدائمة على أجيالٍ من الشباب والشابات المضطهدين والمقموعين والعاطلين من العمل. هم في طبيعتهم يصنعون الأعداء نظراً إلى موقعهم في مافيا سلطوية مجرمة تعيش وتعتاش على حساب حقوق أضعف الناس في مجتمعاتهم.
لذلك، عملية الحفاظ على تلك الأنظمة ليست عملية مستدامة، لأنها تقف في وجه طموحات “الآخرين” وتصنع تناقضاتٍ مجتمعية كبيرة بين طوائف وقبائل وطبقات تتنازع على موارد المجتمع. إدارة تلك التناقضات تحتاج أولاً إلى مشروع حكم يهدف إلى القيام بمؤسسات عادلة وديمقراطية وقادرة. قد لا نملكُ الأجوبة النهائية حول طبيعة تلك المؤسسات ونظرية التغيير التي سنتّبعها لتحقيقها، ولكن خصمنا لا يملكُ حتى الإرادة أو الرغبة. على هذا الأساس، إرادتنا للتعلم من الماضي وإنتاج المعرفة، طالما وُجدت، أقوى من مواردهم، وعودتهم اليوم لن تؤخر ربيع المستقبل.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|