سنة مدرسية سوداء: أقساط تلميذ في الخاص توازي الراتب السنوي لموظف
كل التوقعات تشير إلى أن التعليم في السنة المقبلة سيواجه تحديات لا سابقة لها. الازمة تشمل القطاعين الخاص والرسمي، وهذا الاخير يعاني من مشكلات تراكمت خلال السنوات الماضية بفعل الانهيار الذي انعكس كارثياً على المدرسة وعلى قدرات المعلمين وأدى إلى إضرابات ومقاطعة تسببت بهجرة أعداد كبيرة من التلامدة إلى المدارس الخاصة. وفي حين أن المدارس الرسمية غير جاهزة وحتى غير مؤهلة لاستيعاب هجرة معاكسة من الخاص محتملة بفعل توجه المدارس لاستيفاء الاقساط بالدولار الأميركي، من خارج الموازنات المدرسية، ستكون الأمور في غاية من التعقيد ما لم يسارع المعنيون إلى وضع خطط كفيلة باستيعاب تداعياتها.
شرعت غالبية المدارس الخاصة بوضع لوائح للأقساط بالدولار، مختلفة عما كانت تستوفيه خلال السنة الحالية والعام الماضي، مبررة الأمر بأن الدولرة صارت أمراً واقعاً، وأن المترتبات التشغيلية لم يعد ممكناً تغطيتها بالليرة، وهو أمر يرتب على أهالي التلامذة أو أكثريتهم من الفئات المتوسطة أعباء لا يستطيعون تحملها في ظل تراجع قدراتهم المعيشية، وبعدما باتت الدولرة أمراً واقعاً.
ووفق لوائح للأقساط ما زالت ضمن مساهمة الأهالي الدولارية من دون أن تُدرج في الموازنات، والتي تتفاوت بين مؤسسة وأخرى، وصل القسط في مدرسة مثلاً ابتداء من السنة المقبلة إلى 6 آلاف دولار للتلميذ يقابله مبلغ 300 مليون ليرة، حتى أن مدارس تجاوزت القانون وسعّرت اقساطها بالدولار كاملاً. وتتراوح الأقساط الجديدة في المدارس بين 800 دولار و6 آلاف، تضاف إليها نسبة بالليرة بين 50 مليوناً و300 مليون ليرة. علماً أن هناك مدارس ما زالت تتريث في اعلان أقساطها المدولرة، لكن المعلومات تشير إلى أن مؤسسات كبرى بدأت بإعداد لوائح بقيمة القسط بالدولار لا يتخطى 2500 دولار ولا يقل عن 1200 دولار مثل المدارس الكاثوليكية والمدارس الإنجيلية والليسيه الفرنسية والمقاصد، فيما تخطت مدارس مثل الانترناشيونال كولدج مبلغ الـ6 آلاف دولار والشويفات الدولية 4 آلاف دولار والمدارس الأميركية 5 آلاف. أما المدارس التجارية فهي الاخرى سعرت بالدولار وان كان لا يتجاوز 500 دولار وصولاً إلى الألف.
تسعير الاقساط بالدولار وارتفاع كلفة التعليم، يمكن ان يفجر أزمة كبرى مع بداية السنة الدراسية المقبلة، إذ أن قسماً كبيراً من الاهالي والموظفين سيضطرون إلى إخراج أبنائهم والبحث عن مدارس أقل تكلفة، ومنهم يستعد للتوجه إلى المدرسة الرسمية التي تعاني بدورها من أزمات، ليس في الاستيعاب فحسب، بل بتأمين التمويل وتحسين أوضاع الأساتذ مع وجود أكثر من 600 ألف سوري نازح في عمر المدرسة، ما يطرح على وزارة التربية تحديات مضاعفة، أولاً في اعادة الانتظام للتعليم الرسمي، وثانياً في معالجة التفلت الدولاري في الخاص. وتناقش التربية اقتراح القانون الذي تقدم به رئيس لجنة التربية النيابية حسن مراد لتعديل القانون 515، وتنظيم المساهمات الدولارية من الأهل وادخالها في الموازنات. أما نقطة الضعف في القانون فهي متعلقة بلجان الأهل، إذ ينص المشروع على تدقيق اللجان في الموازنات، ومشاركتهم في تحديد الأقساط، في الوقت الذي نعرف فيه أن أكثر من نصف لجان الاهل تتدخل في اختيارها إدارات المدارس.
في حال تفلتت الامور في الخاص، سنكون أمام كارثة، فبينما تسعى التربية الى انهاء العام الدراسي الحالي في الرسمي بأقل خسائر عبر التعويض وإجراء الامتحانات، تواجه مشكلة إقلاع الدراسة في السنة المقبلة في ظل انهيار رواتب المعلمين وتراجع التمويل من الجهات الدولية، والذي بات مشروطاً بالاصلاحات. وعليه ستضطر وزارة التربية إلى إجراءات هيكلية في التعليم الرسمي من دمج مدارس وفتح أخرى وفق الحاجات إذا تبين أن هجرة معاكسة تلوح في الأفق من الخاص الى الرسمي.
الآن هو وقت التصدي لضبط التفلت في الخاص وإعادة هيكلة الرسمي استعداداً لمواجهة سنة رمادية في التعليم وربما سوداء...
من ناحية أخرى، كتبت "النهار"
توجه وفد من رابطة إتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة الأربعاءالماضي للقاء لجنة التربية النيابية في مجلس النواب لمناقشة الإرتفاع العشوائي في الأقساط. نقل المجتمعون عن الأجواء أنها حملت وعداً من رئيس لجنة التربية حسن مراد بتقديم إقتراح قانون معجل مكرر لإقراره في أول جلسة شريعية، والذي يمنع فيه إدارات المدارس من إستيفاء أي أقساط مدرسية دون موافقة 75 في المئة من أعضاء لجان الأهل. وهو ما فعله مراد اول من امس بتقديمه مشروع القانون الذي يعيد تأكيد دور لجان الاهل في مراقبة الاقساط.
في الإطار نفسه، نقل عضو منسقية الشؤون القانونية في الرابطة نفسها في منطقة الجنوب زينو حرب لـ"النهار" أن مجموعة من أولياء تلامذة المدرسة الوطنية الإنجيلية لم يتسلموا اي رد من السينودوس الإنجيلي على خلفية إعتراضهم الأسبوع الفائت وفي وقفة إحتجاجية في المدرسة على عدم قانونية صندوق دعم بالدولار إضافة الى إمتعاضهم من تبليغ بعض أهالي التلامذة أن القسط المدرسي للسنة المقبلة سيراوح من 1700 الى 2000 دولاراً للتلميذ الواحد،" مشيراً الى ان" الأجواء تنذر بتصعيد متوقع في حال فشلت المفاوضات بين الجانبين.."
إنطلاقاً من ذلك، يعكس المشهد التربوي في السنة المقبلة وضعاً معقدا في المدارس الرسمية ومقلقاً الى حد كبير في المدارس الخاصة، ما ينذر بتغيير ديموغرافي في المدارس وحتى في نوعية التعليم...
في التفاصيل، أكد الباحث التربوي في مركز الدراسات اللبنانية نعمه نعمه لـ"النهار" أنه وفقاً لجدول الأقساط المدرسية، كما نشرتها المدارس على مواقعها، "فإننا سنشهد في السنة المقبلة نوعاً من النزوح من التعليم الخاص إلى الأقل كلفة أو إلى الرسمي بالرغم من تعثر الاخير لأن الموظفين من ذوي الدخل المحدود، أي من الفئة الثالثة الى الخامسة والعسكر والقوى الامنية بمن فيهم بعض الضباط، لا يمكنهم تغطية نفقات التعليم الخاص لأولادهم"، مشيراً الى أنه "على الأقل نصف الموظفين في القطاعين العام والخاص سيلجأون إلى تغيير نمط حياتهم وانفاقهم على التعليم بما في ذلك تدبير حلول بديلة، وبالتالي سينخفض عدد المنتسبين إلى التعليم الخاص بنحو 40 إلى 60% وستتضخم أعداد الملتحقين بالخاص المجاني بالرغم من المشكلات التي تعتري هذا القطاع ومنها مدارس غير مرخصة وتعمل بأذونات استثنائية وأخرى دكاكين وكلها خارج رقابة التفتيش التربوي المعطل".
وأبدى نعمه خشيته من أن ينعكس الامر أيضاً على العديد من المدارس الخاصة التي ستقلص أعداد معلميها والموظفين فيها، وقد يلجأ بعضها إلى الإغلاق، ما سينذر بتزايد أعداد البطالة في هذا القطاع بنسبة لا تقل عن 10% من القطاع الخاص، أي ان نحو 4 آلاف معلم سيتحولون إلى أعمال بأجر أقل في قطاع التعليم أو خارجه".
وذكر أن "متوسط دخل الأجور عند الموظفين في القطاع العام مع مضاعفة الأجر الأخير يصل إلى 15 مليون ليرة أي 160$ شهرياً (بدون النقل)، ما يجعل متوسط دخل العائلة في حال وجود أكثر من معيل واحد 360$ شهرياً، في حين تراوح منح تعليم تعاونية موظفي الدولة ما بين 10 ملايين و17 مليون ليرة أي 170$ للولد الواحد، مع الإشارة الى أن المستفيدين من تقديمات المؤسسات والمصالح العامة مثل الريجي والضمان والقضاة وغيرهم يستفيدون من منح تعليم تغطي 80% من قيمة القسط على الأقل، في حين أن موظفي القطاع الخاص يستفيدون من منح الضمان الإجتماعي وقيمتها لا تزال هزيلة جدا مع العلم أن متوسط القسط في مدرسة متوسطة يبلغ نحو 25 مليون ليرة و1000$ أي ما يقارب 80% من دخل موظف لمدة عام من دون المصاريف الأخرى مثل النقل من المدرسة وإليها والقرطاسية والثياب والكتب ، أي أن مصاريف تعليم ولد واحد في مدرسة خاصة توازي راتب الموظف السنوي".
في ظل تمنّع إدارات مدارس خاصة عن التعليق على أقساطها المقررة للسنة المقبلة، قال الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب يوسف نصر لـ"النهار" ان "الصعوبات التي واجهتها المؤسسات التربوية في الأزمات المتراكمة في الأعوام الثلاثة الماضية وواقع جائحة كورونا، فرضت على مدارس كثيرة عدم تطوير مؤسساتها ووقف أعمال الصيانة فيها، مع العلم أن بعضها على حافة الإنهيار، إضافة الى أن المصاريف التشغيلية ترمي بثقلها على الإدارات وتنعكس على موازنة كل مدرسة"، مشيراً الى "أننا نتوق رغم كل ما ذكرناه سابقاً الى أن نعزز رواتب المعلمين، ما فرض زيادة على الأقساط في السنة المقبلة من خلال صندوق دعم بالدولار". وأكد "أننا لن نقبل بإقفال المدارس الخاصة المجانية لتبقى مشرعة لأولاد غير ميسورين من خلال فرض مساهمة من أولياء التلامذة - هي بديلة من مساهمة الدولة - تضمن من خلالها تأمين حوافز مالية وانتاجية للمعلم".
واذ إكتفى الأب نصر بذكر المعايير، التي على أساسها يتم إحتساب نسبة مساهمة الأهل منها عدد التلاميذ في االمدرسة، عدد التلاميذ لكل معلم ، المنطقة الجغرافية وحاجتها الى التدفئة، حجم المباني ، نسبة الدولرة من أساس راتب المعلمين وكلفة التطوير والمناهج الاجنبية وأكلاف الصيانة، رافضا الدخول في الارقام، اكد بصفته منسق إتحاد المؤسسات التربوية الخاصة "أنها تتبع عموماً النهج العام المذكور في ما خص المدارس الكاثوليكية".
وعلمت " النهار" انه يرجح فرض مساهمة على أولياء التلامذة في المدارس الخاصة المجانية بنحو 200 دولار اميركي، اما المدارس المتوسطة فقد تلجأ الى تحديد مساهمة الأهالي بما لا يقل عن 800 دولار سنويا للولد الواحد لتضمن كحد وسطي من 400 الى 500 دولار حوافز مالية وإنتاجية للمعلم، فيما يرجح أن تكون هذه المساهمة للغاية نفسها ما لا يقل عن 1500 دولار سنوياً في المدارس ذات الجودة العالية...
أما رئيسة اتحاد لجان الأهالي وأولياء الأمور في المدارس الخاصة في لبنان لمى الزين الطويل، فاعتبرت في اتصال مع "النهار" أن ارتفاع الأقساط في السنة المقبلة هو "عامل مرعب ومخيف لأولياء التلامذة"، مشيرة الى "جملة مخالفات قانونية تبرز من خلال طرح القسط المدرسي للسنة المقبلة في توقيت غير مناسب لأن تحديد القسط يتلازم مع فتح باب تسجيل التلامذة ويجب أن يتزامن مع تقديم قطع حساب للهيئة المالية في لجان الأهل المنوط بها مشاركة الإدارة في تحديد القسط بعد التأكد من الشفافية في تحديد القسط ومكوناته، مع ضرورة اطلاع لجان الأهل على تكاليف النفقات التشغيلية للمدرسة وجداول رواتب المعلمين وما يلحقها من زيادات..."
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|