القرض الحسن: مصرف ظلّ أسود موازٍ...
أصدر البنك الدولي تقريراً يقدّر فيه بـ9.9 مليارات دولار أميركي قيمة الاقتصاد النقدي في لبنان، أي ما يعادل نصف الاقتصاد الشرعي حتى نهاية العام 2022.
وبحسب "نداء الوطن"، يفرض اليوم الاقتصاد الأسود أي الاقتصاد الموازي، وجوده في لبنان إلى جانب الاقتصاد الشرعي. وتهيمن معظم الأحزاب السياسية والقوى النافذة والخارجة على القانون على الاقتصاد الأسود، ومن هذه الأحزاب "حزب الله" الذي بنى منظومته الاقتصادية بشكل مستقل عن الدولة اللبنانية، وذلك في كل القطاعات، وأبرزها القطاع المصرفي الذي اتخذ من "القرض الحسن" الجمعية وليست المؤسسة المالية، واجهةً له.
انطلقت هذه الجمعية في العام 1982 من دون أي ترخيص للممارسات المالية، وأخذت في التوسّع بداية في مناطق سيطرة "حزب الله"، لتدخل أخيراً إلى مناطق لبنانية أخرى ذات غالبية غير تابعة للحزب مثل منطقة سوق الغرب في جبل لبنان.
بدأت الجمعية بمنح قروض شخصية مقابل إيداعات بالذهب، لتصل إلى منح قروض للمشاريع الاستثمارية، وأصبح لديها اليوم ماكينات صراف آلي ATMs منتشرة في العديد من المناطق اللبنانية.
ومن أنواع القروض التي تمنحها:
1 - قروض مقابل ضمانات الذهب (هو الأكثر شيوعاً واستخداماً).
2 - قروض شهريّة مقابل ضمانة للمشتركين الذين يودعون الأموال في الجمعية.
3 - قروض مقابل كفالة أثرياء.
4 - الضمان المقدّم للمقترض بغرض شراء السلع والخدمات من المؤسسات.
5 - قروض الطاقة الشمسية التي دخلت حيّز التنفيذ في رمضان 2022، وبلغ عددها 19 ألف قرض (5000 دولار بالحد الأقصى للأفراد و35000 للبلديات).
التمويل
تحصل الجمعية على تمويلها بشكل أساسي من "حزب الله" وإيران، إلى جانب العمولات التي يدفعها المقترضون (ثلاثة دولارات عن كل دفعة شهرية للقرض)، والتبرّعات الماليّة المنقولة وغير المنقولة، ورسوم العضويّة. وارتفع رأسمال القرض الحسن منذ العام 2019 لأنّ اللبنانيّين، تحديداً من البيئة الشيعيّة، تودع أموالها اليوم في القرض الحسن عوضاً عن المصارف.
ومن المموّلين التابعين لحزب الله، الذين أظهرتهم وثائق "القرض الحسن" المخترَقة:
1- علي تاج الدين: هو واحد من ثلاثة أشقاء فرضت عليهم عقوبات وزارة الخزانة الأميركية.
2- حسين وزهراء تاج الدين: يشغل علي تاج الدين وابنه حسين وابنته زهراء مناصب في شركات تسيطر عليها عائلة تاج الدين، مثل تاجكو التي تفرض عليها الولايات المتحدة عقوبات.
3- حسين أحمد العيساوي: تُظهر قائمة الوثائق المخترقة حسين أحمد العيساوي من كبار المودعين وأصحاب الحسابات.
وكشفت تسريبات SpiderZ عن علاقة بعض المصارف اللبنانيّة بالقرض الحسن بغضّ النظر عن العقوبات الأميركيّة المفروضة عليه وعلى المتعاملين معه. وعلى الرغم من غياب أي علاقة مباشرة بين مصرف لبنان والقرض الحسن، إلّا أنّ المصرف يتغاضى عن أعمال القرض الحسن "المصرفيّة والصيرفيّة" غير القانونيّة، وحتى عن العقوبات الصادرة بحقّها.
في هذا السياق يرى النائب السابق مصطفى علوش أنّ الفراغ الذي أوجده غياب الدولة عن دورها في المراقبة وانسداد الأفق الاقتصادي فتحا المجال لـ "القرض الحسن" للتوسّع. ويشير علوش كذلك إلى أنّ القرض الحسن كان موجوداً من الأساس منذ ما قبل الأزمة، عندما كانت الدولة موجودة وتلعب دورها، لكنه كان محصوراً في مناطق محدّدة، بالتحديد في المناطق حيث يسيطر "حزب الله" أو في المناطق حيث الغالبية مؤيّدة له. لكنّه يؤكد أن دخول لبنان في الأزمة سمح لهذه الجمعية بالتوسّع خارج مناطق "حزب الله"، وحتى في المناطق التي ليس له فيها أغلبية مؤيدة مثل مناطق الجبل خاصة. وهنا لا يستغرب أن نراه في المستقبل القريب متوغّلًا في مناطق أخرى مثل منطقة الشمال أو منطقة عكار.
لا أحد اليوم لديه أيّ ثقة بمنظومة المصارف
ويستنتج النائب السابق أن القضية الأساس هي في عدم وجود سلطة شرعية، والأفق الاقتصادي للبلد لا يزال مجهول المعالم بسبب العجز عن حلّ الأزمة، كما أن لا أحد اليوم لديه أي ثقة بمنظومة المصارف، سواء أكانت المصارف الخاصة أم المصرف المركزي. فحاكم المصرف المركزي متّهَم بشتّى الاتهامات ومطلوب للتحقيق وقد يُعتقل في أي لحظة أو يخرج من البلد. إذاً لدينا اليوم إشكالية كبيرة.
في المقابل يأتي اليوم "حزب الله"، بحسب علوش، بدعم من إيران، ليقدّم خياراً ماليّاً، ويؤمّن بجزء منه سيولة للناس، وربما يعطي فرصة لجزء من الاقتصاد، وبالتحديد الاقتصاد متوسط الحجم ويقدم حلًّا لمشاكل بعض الناس.
ويختم أن "حزب الله" بطبيعة الحال ليس جمعية خيرية، وإيران ليست جمعية خيرية، وبالتأكيد هناك أثمان مقابل هذا الأمر، منها ربط المواطنين، والشيعة بشكل أساسي بالخيارات الاقتصادية لحزب الله، وبالتالي خياراته السياسية، ثم التوسع بهذا الوضع غير الشرعي، وهذا كله بسبب الفراغ في الخيارات الأخرى.
ويشير المحامي رفيق غريزي من جهته إلى أنّ القانون يُنظّم النظام المالي والنظام النقدي الخاضعَين لسيطرة مصرف لبنان. أمّا في الوقت الحالي، فإنّ جمعية "القرض الحسن" هي خارج هذا النظام بشكل مطلق وكليّ. وخروجها من النظام يجعلها في حالة انتهاك للاختصاص العام لمصرف لبنان ودوره في الحفاظ على الاقتصاد الوطني والحفاظ على قيمة العملة اللبنانية ورفاهية القطاع المصرفي.
ويؤكّد غريزي أنّ "القرض الحسن" هو خارج هذا النظام لأنه يمتنع عن الأمور التالية:
1 - الحصول على تصريح أو مصادقة رسمية من مصرف لبنان.
2 - إدراج معاملاته في دائرة التخليص.
3 - إيداع الأموال الاحتياطية.
4 - اتخاذ اجراءات السلامة لحماية رهن الذهب للمقترضين.
يحظر القانون ممارسة الأنشطة المالية في شكل جمعيّات
من ناحية أخرى، يلفت غريزي إلى أن المادة 121 تصف المصارف على أنها مؤسسات ذات نشاط أساسي لمنح القروض، وهي الأموال الواردة من المودعين. ووفقًا لهذه المادة، يرى غريزي أنّ الأموال التي يتسلّمها الجمهور هي إمّا ودائع وإمّا أموال ناتجة عن القروض.
علاوة على ذلك، تحظر المادة 125 ممارسة الأنشطة المالية في شكل جمعيات. وفقاً لقواعد المادة 10 (تاريخ 6 آب 2001) ولوائحها، والمادة 128 (المعدلة بالمرسوم التشريعي رقم 77 تاريخ 27/6/1977) من القانون رقم 347، يجب أن يكون النموذج شركة مساهمة ويجب أن تستحصل على ترخيص.
في هذا الإطار يؤكد غريزي أن المصارف والمؤسسات المالية يجب أن يكون لها رأسمال على النحو الذي يقرره القانون، وأن تلتزم بأحكام مصرف لبنان، وأن تكون مسجلة في مصرف لبنان، والأهم من ذلك، أن تقوم بتعديل الأموال المستلمة من العملاء وتوازنها، بطريقة تحافظ على ودائع العميل.
ووفقًا للمادة 178 وما بعدها، يجب على المؤسسات المالية، لا سيما تلك التي تقدم القروض والتسهيلات، الحصول على تصريح رسمي من مصرف لبنان وأن تكون على شكل شركة مساهمة وليس "منظمة غير حكومية". وهنا يقول غريزي إنه إذا اعتبرنا "القرض الحسن" مؤسسة مالية وليس بنكاً، فيجب بالتالي أن يلتزم بالتنظيم المذكور أعلاه، كما يجب أن يكون له رأسمال ومساهمات استثمارية وأن تكون مسجلة في مصرف لبنان.
ووفقًا للمادة 181، يُحظر التصريح بأنّ مؤسسة ما هي مؤسسة مالية ما لم تُستوفَ جميع الشروط ويُمنح التصريح من قبل مصرف لبنان ويُسجّل بحسب هذه المادة. كما يجب أن تلتزم هذه المؤسسات بتنظيم مصرف لبنان وضوابطه، وأن تكون تحت إشرافه. ولخرق الأحكام المذكورة أعلاه، هناك عقوبات جنائية يفرضها القانون.
من ناحية أخرى، يتابع غريزي أنه بعد تطوير طرق الدفع الإلكتروني والمعاملات وأجهزة الصراف الآلي وبطاقات الائتمان وما إلى ذلك، لقد وُضِع قانون هو القانون رقم 133، تاريخ 26/ 9 /1999 ينظم مصرف لبنان ويمنح سلطة تنظيم العملية.
يمتلك القرض الحسن أجهزة صراف آلي، لكنها بالتأكيد غير معنية بهذه الأحكام ولا تلتزم بها.
وفي الإطار القانونيّ عينه يفنّد المحامي أديب طعمة النقاط التالية:
طعمة: الأثر القانوني لمنح القروض الشخصية مقابل ضمان الذهب
يشير المحامي أديب طعمة إلى المادة 2 من قانون النقد والتسليف التي تنص على أن قيمة العملة اللبنانية تتقرر مقارنة بالذهب الخالص، وتنص المادة 4 من القانون نفسه في الفقرة الأخيرة على أنه يجوز إصدار عملات ذهبية كلما سمح القانون بإعادة قيمة الأوراق النقدية بالذهب. ومع ذلك، تُحَدَّد مميزات إصدارها وشروطه بمرسوم صادر عن الحكومة.
أمّا المادة 4 فيقول طعمة إنها واضحة بطريقة تجيب على السؤال الأساسي الذي أثير أعلاه. لذا يجب أن يحدد القانون موعد إعادة قيمة النقود بالذهب، ويجب أن تحدد الحكومة الشروط.
ويتابع طعمة في السياق عينه أنه إذا قارنّا المواد أعلاه بحالة "القرض الحسن"، فمن الواضح أنّ الأخير يمنح قروضاً بالدولار الأميركي في مقابل رهن الذهب. لذلك، وإن لم يسدّد المقترض القرض، يستطيع القرض الحسن بيع الذهب أو مصادرته.
لذا بطريقة أو بأخرى، تتم تسوية القرض بما يعادله بالدولار الأميركي، وفي حالة التخلّف عن السداد، بالذهب في انتهاك واضح للمادة 4.
وهنا يسأل طعمة الأسئلة التالية: ماذا لو نقصت قيمة الذهب أو زادت؟ ماذا لو نشأت أزمة دولية وانخفض الدولار الأميركي؟ ما تأثير منح القروض غير المنظمة بالعملة الأجنبية؟ كيف يؤثر ذلك على القطاع المصرفي من حيث المنافسة والأمان والثقة؟
وبحسب طعمة فإن تطوير "القرض الحسن" يثير الخوف من تحول البلاد إلى منطقة ينعدم فيها القانون ولا حدود لها. وهي أيضاً منظمة غير حكومية تعمل في أنشطة مالية، مثل سمسرة البيدق، أو إقراض المال مقابل إيداع الذهب. وقامت أخيراً بتركيب أجهزة صراف آلي تسمح لمن يتلقون مدفوعات مباشرة من "حزب الله"، ومن يستفيدون من قروض المؤسسة بسحب الأموال بالليرة اللبنانية أو الدولار الأميركي دون أي قيود. لذا فإن القرض الحسن، على حدّ قول طعمة، هو مؤسسة مالية غير خاضعة للتنظيم بحكم الواقع تقوم بأنشطة مالية يجب أن تلتزم، على الأقل، بالامتثال الدولي والقواعد والمعايير، لكنها لا تفعل ذلك. والأسوأ من ذلك، أنه كيان يخضع لعقوبات أميركية ويُعَدّ الذراع المالي لحزب الله. باختصار، إنه مثال لمؤسسة تعمل على دوي النظام النقدي الدولي وتطمح لأن تكون بديلًا عن نظام مصرفي محتضر. إذا لم يكن مقيداً، فسوف يعرض للخطر أي إمكانية للعودة إلى النظام المصرفي التقليدي وسيأخذ البلاد على شفا كارثة لا يمكن علاجها.
وفي الواقع، جميع المكونات موجودة في ليلة مظلمة طويلة يعددها طعمة كالآتي:
- انهيار النظام المصرفي نتيجة انتهاء أكبر مخطط بونزي، وفقدان الثقة في المصرفيين والبنك المركزي.
- التدمير المنهجي وتفكيك المؤسسات العامة.
- .وقوع الغالبية العظمى من الناس دون خط الفقر والبؤس.
- تفلت الحدود وسيطرة الميليشيات على جميع المنافذ، ما يترك الباب مفتوحاً أمام التهريب والإتجار عبر الحدود بجميع أنواعه.
في محصلة كل هذا الدمار، يرى طعمة أنّ نظاماً مصرفيّاً غير تقليدي يتحرك على مستوى عالٍ، مستفيداً من الهشاشة والأيديولوجية والأسلحة والدعم الأجنبي. وتتمّ مبادلة الدولار مقابل الذهب من قبل حزب يدّعي معارضته للولايات المتحدة باسم الله في سياق عملها والتوسع، وبرأي طعمة: لا يمكن النظر إليها إلا بصفتها خطوة أخرى في تشكيل آلة ضخمة "داخلية" لغسيل الأموال. إن ظهور نظام جديد خارج عن القانون على أنقاض نظام قديم فاسد يقوّض أي أمل في خلق شيء مستدام ويهدد مستقبل البلاد. إن الأسوأ لم يأت بعد.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|