العلاقة بين اللبناني والسوري بأسوأ مراحلها: تمييز وتوترات اجتماعية
لبنان الملجأ، هذه السردية التي رافقت تاريخ لبنان منذ زمن الصليبيين حتى مرحلة الانتداب الفرنسي. ومن ساهم في نشر هذه النظرية هو المستشرق البلجيكي "هنري لامنس" في كتابه "لبنان الملجأ"، الذي عرّف فيه لبنان على أنه الملجأ الآمن للمضطهدين.
لطالما لعب لبنان دور الملاذ، للباحثين عن الحرية والعدالة، وللأقليات المضطهدة، وللمعارضين السياسيين وللحالمين من كل الجنسيات والأعراق. فلجأ إليه الأرمني، الفلسطيني، والسوري، بحثاً عن الأمان كما عن أدنى مقومات العيش الكريم، فكان اللبنانيون لهم بالمرصاد في كثير من الأحيان!
العنصرية في ذروتها
"بس العامل اللبناني هو يللي بقرّب على سيارتي". بهذه الكلمات كوفئ أحد العمال من الجنسية السورية على اندفاعه لمساعدة شابة لبنانية تريد غسل سيارتها في إحدى المحطات. علماً أنه نادراً أن نجد لبنانياً يعمل بغسيل السيارات!
من خلال مناقشتنا لهذه الحادثة مع صاحب محطة الوقود، شادي، الذي أوضح أنها ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها العمال السوريون في محطته لهذا النوع من التمييز العرقي. ويؤكد لـ"المدن" أن "هذه التصرفات ليست وليدة اليوم، لكن لا شك أنها تفاقمت بشكل ملحوظ في ظل الحملة الأخيرة التي شُنت على النازحين أو اللاجئين السوريين". ولاحظ شادي تغيراً في سلوك العامل نتيجة هذه المضايقات، فأصبح أقل اندفاعاً وأكثر عصبية مع زملائه والزبائن.
تختلف الحوادث والعنصرية واحدة. فاطمة، العاملة في "سناك"، تعبّر لـ"المدن" عن استيائها من بعض الكلمات التي توجّه إليها من قِبَل الزبائن. وتروي قائلة "في أحد الأيام، جاءت زبونة وطلبت مني ساندويش، لكنها سألتني إذا كان هناك عاملة لبنانية يمكنها تحضيرها". وتختم فاطمة حديثها قائلة "أفكر كل يوم في تقديم استقالتي، لكنني على دراية بأن هذا النوع من التعصب تجاه السوريين موجود في كل مكان".
كثيرة هي الحالات التي تسلط الضوء على معاناة العمال السوريين. يخبرنا محمد، وهو عامل هاتف في مطعم لبناني، أن العديد من الزبائن يغيرون طريقة التحدث معه عندما يدركون من لهجته أنه من الجنسية السورية، ويفضل بعضهم إنهاء الحديث وإلغاء الحجز. ويضيف "ذات مرة، اتصل رجل لحجز طاولة لـ20 شخصًا، ولكن خلال المحادثة، سألني إذا كان صاحب المطعم وجميع العمال سوريين".
السوريون في لبنان يواجهون تحديات كبيرة من التمييز والتحريض، وهذا أصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية. يعانون من التمييز في جوانب حياتهم المختلفة، بما في ذلك العمل والسكن والتعليم والتفاعلات الاجتماعية. وتلك الوقائع العنصرية والتحريضية تؤثر سلبًا على حالتهم النفسية وتثير غضبهم واستياءهم. إذ يشعرون بالظلم والاستهانة بكرامتهم، مما يزيد من شعور الحقد والكراهية، ويفاقم التوترات بين السوري واللبناني. فما رأي اللبنانيين؟
خوف وانتقام
حين بدأ اللجوء السوري إلى لبنان عام 2011 هربًا من العنف الممارس من قبل النظام بحق مواطنيه، انقسم المجتمع اللبناني بين مُرحب ورافض. لكل فئة اعتباراتها التي غالبًا ما تكون مبنية على مواقف سياسية أو طائفية، وهو الشائع في لبنان، وقلة قليلة كان موقفها نابع من منطلقات إنسانية بحتة.
في هذا السياق، يعبر كريم، الشاب اللبناني البالغ من العمر 25 عامًا، عن وجهة نظره قائلاً: "أعمل ليلاً ونهارًا من أجل تأمين حياة كريمة، وما أحصل عليه من أجر لا يتجاوز نصف قيمة المساعدات التي يتلقاها السوريون". وعندما سألناه عن العلاقة بين عمله والمساعدات التي تقدم للسوريين، أشار قائلاً: "يعيشون في رفاهية في بلدنا، بينما نحن نعاني، لو كانوا في بلدهم، لما تقاضوا مساعدات".
ليلى، على العكس من كريم، ترى أن هناك تشابهًا في معاناة الشعبين اللبناني والسوري، وتعتبرهما ضحيةً للنظام السياسي. وتستعرض وجهة نظرها قائلة: "لدينا معاناة مشتركة، لذا يجب أن نتحد ونتقبل بعضنا البعض وندعم بعضنا لإعادة إعمار بلادنا".
لا شك أن جزءاً كبيراً من النزاع الثقافي والاجتماعي بين اللبنانيين والسوريين يعود لفترة وجود القوات العسكرية السورية في لبنان خلال الحرب الأهلية اللبنانية، والذي بلغ ذروته في التسعينيات وما رافقها من انتهاكات وجرائم. في هذا الصدد، يسترجع العم غسان البالغ من العمر 70 عاماً، ذكريات هذه الحقبة ويقول لـ"المدن" "لن ننسى لما تعرضنا له من ظلم وأسى نتيجة وجود الجيش السوري في لبنان. لن نقبل بوجودهم بيننا ونتمنى ترحيلهم في أقرب وقت".
بين الوعي واللاوعي
لعب النظام السوري دوراً أساسياً في لبنان في زمن الحرب الأهلية اللبنانية، فأصبح وجود الجيش السوري، حسب المعالجة والمحللة النفسية ثروت دليقان منذر، يشكل مصدراً للخوف وعدم الأمان والتهديد بالنسبة للبنانيين. وتشير لـ"المدن" بأن "ما عاشه اللبنانيون أثناء الوجود السوري دفع بهم إلى إسقاط تجربتهم الدامية على كافة الشعب السوري الذي أصبح رمزاً للموت والتهديد الدائم". وتضيف "تحركت الصورة المكبوتة في "لاوعي" اللبناني عن السوري وأيقظت لديه شعور الخوف والقلق وعدم الأمان منه، خصوصاً بعد ارتباطه ببعض حوادث السرقة والقتل التي تحصل حالياً". وفي سياق الحديث أكدت منذر أن "الأزمة التي يعيشها اللبنانيون اليوم التي طالت لقمة عيشهم وحاجاتهم الأساسية من طعام وأدوية فاقمت شعور الحقد تجاه السوري الذي يتمتع بمساعدة الأمم المتحدة المادية والمعنوية بالإضافة الى عمله بالكثير من الوظائف وتغلبه على اليد العاملة اللبنانية". أمّا بالنسبة لرد فعل السوري فهي "الشعور بالدونية" الذي طالما شعر به السوري إزاء اللبناني، لكن هذه المرة لأسباب مختلفة.
وتنهي حديثها قائلة أن من الطبيعي نتيجة لكل ما ذكرنا من أسباب نفسية أن يبقى النفور والرفض والغضب والكره متبادلاً لدى الشعبين الجارين. وتبقى الوسيلة الوحيدة لإنهاء هذه الجدالات -حسب علم النفس- هو الاعتراف المتبادل وبتقبل الآخر.
يبقى أن الحل في هذه الحالة يتطلب سنوات من الجهود الاجتماعية والتربوية والسياسية من قبل الطرفين. كما من المهم أن يدرك اللبناني أن النظام الذي أدى لتهجير السوريين من بلادهم ولجوئهم لبلدان أخرى كلبنان، هو نفسه النظام الذي سبّب معاناتهم في ظل وجوده في لبنان.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|