رعاة سلامة وحماته مرعوبون من محاميَين فرنسيين متطوعين لحفظ حقوق الدولة اللبنانية
ترتفع درجات التوتر بين الحكومة اللبنانية ووزير العدل هنري خوري، حول ملف عقد اتفاق بالتراضي بين وزارة العدل، ممثلة بهيئة التشريع والقضايا ورئيستها هيلانة اسكندر، مع محاميَين فرنسيين هما باسكال بوفيه وايمانويل داوود لحفظ حق لبنان في الدعوى أمام قاضية التحقيق الفرنسية، في ملف الحاكم رياض سلامة بتهم الاختلاس والتزوير وتبييض الاموال والتهرب الضريبي، والحجز على امواله.
سبب الكباش هو تذرع الحكومة بأن الطلب المقدم من اسكندر (في 4 نيسان الماضي) تشوبه ثغرات قانونية، وأن هناك علامات استفهام تحوم حول أحد المحاميين (ايمانويل داوود)، بالاضافة الى المحامي انطوان اوري (احد المحامين الذي تم تكليفه حسبما جاء في كتاب مجلس الوزراء، وهذا امر غير صحيح كما تؤكد أسكندر لـ»نداء الوطن» إذ تمّ استبعاده لنفس الاسباب التي تتذرع بها الحكومة)، كما تدعي الحكومة ان هناك صلة وثيقة بالمحامي ويليام بوردون الذي هو مؤسس ووكيل منظمة sherpa احد المدعين في الدعوى، مما يعزز الريبة بحيادية الخيارات المقترحة، كما تقول الحكومة!
مظاهر الكباش ظهرت في جلسة مجلس الوزراء يوم الجمعة 26 أيار، حيث اتُهمت فيها وزارة العدل بتعيين محام فرنسي ينتمي لمنظمة صهيونية تعمل لصالح العدو. لم يكن خوري مشاركاً في الجلسة التي لم يكن ضمن بنودها أي موضوع يتعلق برياض سلامة، وتم تجاوز غيابه ليجري الاستماع للمدير العام في وزارة العدل القاضي محمد المصري، واتخذ قرار حكومي يطلب من وزير العدل تغيير أسماء المحامين.
واعلن خوري أنه سيعقد مؤتمراً صحافياً في مكتبه في الوزارة ظهر اليوم الثلاثاء، وبحسب بيان صادر عن مكتبه الاعلامي، «فان الهدف من المؤتمر تبيان الحقيقة من الباطل بالوثائق والمستندات، في موضوع قانونية العقود التي وقعها لتوكيل محامين دوليين لاسترجاع أموال الدولة اللبنانية، بعد تمادي البعض وتشكيك البعض الآخر بأسباب صمته». استكملت فصول الكباش امس من خلال اصدار الامانة العامة لمجلس الوزراء كتاباً إلى وزير العدل دعاه فيه، «بناء على طلب الرئيس ميقاتي، إلى حضور جلسة عاجلة وطارئة للحكومة، على جدول أعمالها بند وحيد يتعلق بالاتفاق بالتراضي مع محاميين فرنسيين، لمعاونة رئيس هيئة القضايا في الدعوى المقدمة من الدولة الفرنسية، أمام قاضية التحقيق الفرنسية في الملف آنا كوساكوفا (لسلامة منها ابنة) ورفاقها، وذلك للتباحث والنقاش مع الوزراء حول هذه المسألة، ليقرر مجلس الوزراء في ضوء النقاشات ما يراه مناسبا»، لكن خوري أعلن في تصريح له عدم حضوره الجلسة.
من المفيد التذكير أنه بتاريخ 23 أيار الجاري، طالب المحاميان داوود وبوفيه بتثبيت الحجز على أملاك حاكم مصرف لبنان في فرنسا، لصالح الدولة اللبنانيّة. وأتى طلبهما، بعدما حاول الوكيل القانوني الفرنسي للحاكم رفع الحجز وإخراج الدولة اللبنانية من الملف بشكل نهائي.
ؤكد رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل هيلانة اسكندر لـ»نداء الوطن» «أنها قامت بواجباتها باجراء مفاوضات مع المحامين الفرنسيين، بعد التشاور مع المدير العام لوزارة العدل في بداية نيسان الماضي، حيث ابلغته بأنها ستكلف كل من المحاميين باسكال بوفيه وايمانويل داوود، لحفظ مصالح الدولة اللبنانية في قضية سلامة أمام القضاء الفرنسي ومن دون بدل أتعاب»، مشيرة الى أن «جوابه كان بأنه موافق (شفهياً) وبأنه على ثقة بالخطوات التي تتخذها». وبناء على ذلك أرسلت له نسخة بخط اليد، وعبر الواتسآب عن الكتاب الذي سترسله الى وزير العدل وكان يوم أحد. وفي اليوم التالي أرسلت له الكتاب مطبوعاً.
تضيف: «كان على المدير العام ارسال الاقتراح لوزير العدل، وبما اني كنت على اتصال مع الوزير خوري اعلمته اننا تواصلنا مع المدير العام للوزارة ووافق. وقّع الوزير العقد، لكننا تفاجأنا في 4 نيسان الماضي (يوم جلسة مخصصة لحجز اموال سلامة) بطلب المدير العام منّا بأنه يريد نسخاً من محادثاتنا مع المحامين، والسير الذاتية الخاصة بهم. فكان الرد بأنه بناء على جوابه الشفهي بالموافقة تمّ التعيين من قبل وزير العدل»، واكدت أنها ارسلت له السير الذاتية، فطلب من نقابة محامي بيروت وطرابلس استدراج عروض لمحامين يدافعون عن مصالح الدولة اللبنانية، سائلة هل من اختصاص المدير العام استدراج العروض؟ ومن هم المحامون الذين تقدموا بهذه العروض؟ فبحسب القانون، رئيس هيئة القضايا في الوزارة هو من يختار المحامين. و قد سرّب المدير العام كتابي الى الاعلام وشنّ الاعلامي مارسيل غانم حملة ضدي متهماً اياي بأني أتمرد. هذا خرق للسرية المدنية وهذا امر مستغرب لأن واجبات المدير العام التعاون معنا».
وتوضح اسكندر أنه «بعد ابلاغ القضاء الفرنسي، باسماء المحامين المعينين من وزير العدل اللبناني للدفاع عن مصالح الدولة اللبنانية، حضر المحامون جلسة 4 نيسان الماضي المخصصة للحجز على املاك سلامة، وطلبوا تأجيل الجلسة كي يتسنى لهم الاطلاع على الملف (بناء على طلبي وتعليماتي) ووافق القضاء الفرنسي وتأجلت الجلسة الى 23 أيار الحالي. وفي الوقت المحدد قدم المحاميان مذكرة رداً على طلب وكيل سلامة لرفع الحجز عن املاكه، بأن هذا الحجز يجب أن يتم تثبيته وان يكون لصالح الدولة اللبنانية، وقد تم تأجيل جلسة للبت بهذا الطلب حتى 4 تموز المقبل، وهذا يعني أن هيئة القضايا في وزارة العدل قامت بكل واجباتها لجهة الحفاظ على مصالح الدولة اللبنانية».
وتختم: «لا علاقة لي بالحسابات السياسية، أنا قمت بواجباتي المهنية واجتهدت لتأمين محامين بالمجان لصالح الدولة اللبنانية. وسأكمل واجباتي وانتظر الحكم في 4 تموز المقبل لتثبيت الحجز على اموال سلامة، وما سيحصل هو مسؤولية الدولة اللبنانية بعرقلة هذا المسار».
من جهته يوضح الأستاذ المُحاضر في قانون الضرائب والمالية العامة، المحامي كريم ضاهر لـ»نداء الوطن» أنه «حين اصبح موضوع الحجوزات جدياً، سأل القضاء الفرنسي الدولة اللبنانية عن طريق رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل، عما اذا كنا مهتمين بالحجوزات التي ستفرض على أملاك سلامة من قبل القضاء الفرنسي، وفي حال لم تتخذوا الاجراءات المناسبة في هذا الملف سيتم الحجز على امواله من دون ان تعود الى الدولة اللبنانية بل للدولة الفرنسية والجهات التي تطالب بمحاكمته».
واضاف ضاهر هناك قانون صدر في تموز 2021 يسمح باسترداد الاموال المتأتية من أعمال الفساد، شرط ان تنطبق عليها الشروط التي وضعتها معاهدة الامم المتحدة لمكافحة الفساد، وعلى أن يتم استخدام هذه الاموال المستردة لمكافحة الفقر والتنمية المستدامة والتعويض عن الاشخاص المتضررين من اعمال الفساد. وهذا هو الهدف الاساسي من كل الاجراءات التي تنفذ في أوروبا، أي التمكن من حجز اموال ليس فقط الحاكم بل اي مرتكب ومساهم في الانهيار الحاصل في لبنان، اذ يتم حجز واسترداد هذه الاموال والتعويض على المتضررين أي المودعين والمواطنين العاديين الذين تقلصت قوتهم الشرائية بفعل التضخم ولا يملكون نظام حماية اجتماعية».
واوضح ضاهر قائلا: «لذلك فان تدخل الدولة اللبنانية ضروري، خاصة اننا نملك الآلية القانونية لاسترداد الاموال. وهناك قانون صدر في نيسان 2021 وهو القانون 214 / 2021 لاسترداد الاموال المتأتية من اعمال الفساد، وسمح باستردادها من دون تحويلها الى الخزينة بل لصندوق للتعويض عن اعمال الفساد»، مشدداً على «أنهم كانوا حريصين كنقابة محامين، حين تقدموا بمشروع قانون لاعادة هيكلة المصارف على اقتراح ان يكون هذا الصندوق هو نفسه الذي يعيد تسديد الودائع بدل خلق صندوق جديد. ليكون حجز اموال الحاكم (في حال ثبوت الاتهامات)، اول الغيث لاعادة اموال المودعين».
يشير ضاهر الى أنه «حين تراسل القضاء الفرنسي مع هيئة القضايا، لمعرفة ما اذا كان سيتم اتخاذ صفة الادعاء الشخصي في أوائل نيسان الماضي أي قبل أيام معدودة من الجلسة (4 نيسان)، كان على الجانب اللبناني الحضور لتثبيت حق لبنان. لأن القضاء الفرنسي كان على أهبة اتخاذ القرار بالحجز والبدء بالاجراءات التنفيذية. تحركت هيئة القضايا وطلبت استدراج العروض للدفاع عن الدولة اللبنانية، وتم ارسال عروض من محامين من أصل لبناني للقيام بهذه المهمة من دون مقابل، وقد ابدى العديد منهم استعداده للقيام بهذا الدور لكن مكاتب المحاماة التي ينتمون اليها رفضت الدفاع عن حقوق لبنان بالمجان، بالاضافة الى ان وزارة المالية حين كانت تصلها هذه المراسلات، عمدت الى (وضعها في الادراج) على غرار ما حصل في ملف المرفأ والتدقيق الجنائي والنظام الداخلي لمكافحة الفساد وغيرها من الملفات، لتأخير اجراءات المسار القانوني».
يؤكد ضاهر أنه «لتجنب الدخول في هذه المتاهات وتمييع الموضوع، وضعت الشروط بأن يكون المدافع عن حقوق الدولة اللبنانية هو متطوع بالمجان، وقد وجدنا 3 محامين مستعدين. الاول هو البروفيسور باسكال بوفيه الذي لا صلة له بأي طرف لبناني، وهو من اهم المراجع في هذا الخصوص ويناصر حقوق اللبنانيين المظلومين جراء الازمة، كما تقدم المحامي المشهور ايمانويل داوود الذي دافع عن العديد من الملفات وابدى استعداده للدفاع والتعاون مع بوفيه، وهما يكملان بعضهما البعض».
يضيف: «المحامي الثالث يدعى انطوان أوري الذي قدم عرضاً للدولة اللبنانية، بأنه مستعد للدفاع بدون مقابل، لكنه سيقبل تمويل شخصيات لبنانية مغتربة. لكن القاضية اسكندر ولعدم حصول تضارب مصالح، اختارت كل من المحاميين داوود وبوفيه».
يرى ضاهر أن «قرار مجلس الوزراء بالتذرع بأن أحد المحاميين هو يهودي غير صحيح. انه من أب مسلم وأم مسيحية وأعتنق المسيحية، وهو عضو في جمعية مناهضة لكل أشكال العنصرية ومنها معاداة السامية. خوف المنظومة نابع من أن تعيين المحاميين سيسمح بناء على معاهدة الامم المتحدة لمكافحة الفساد لا سيما في الفصل الرابع المتعلق بالتعاون القضائي المتبادل، والفصل الخامس المتعلق باسترداد الاموال، سيسمح للبنان بالطلب من الدولة الاخرى مصادرة الاموال لصالح الدولة التي وقع الجرم بحقها واعادتها»، مشدداً على أن «هذه المعاهدة تسمح للدولة الفرنسية بأن لا تعطي المعلومات في حال ارادت ذلك. ومع الدخول في الملف بصفة الادعاء الشخصي (كما يحصل الآن عبر هذين المحاميين)، يمكن الاطلاع على تفاصيل الملف وهذا يعني ان هؤلاء المحامين يمكنهم كشف اشخاص من المنظومة على ارتباط بتجاوزات سلامة، وهذا التشكيك يمكن ان يوسع التحقيق ويمكن لهيئة القضايا الادعاء عليهم، ولذلك يريدون تمييع الملف».
ويشدد ضاهر على أن «المعرقلين اليوم في الامانة العامة لمجلس الوزراء هم انفسهم من عرقلوا تسيير ملف التحقيق الجنائي، لأنهم على ترابط مع المنظومة، وعرقلوا منذ عامين مساراً بدأ مع الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين التي تطوعت لانجاز دراسة وخارطة طريق للدفاع عن مصالح الدولة اللبنانية. واكتشفت من خلال دراسة مع أكبر مكاتب المحامين المتخصصين في سويسرا ان هناك مساراً يمكن اتباعه مع الدولة السويسرية (بتمويل منها للدفاع عن حقوق الدولة اللبنانية)، لحجز الاموال المتأتية من أعمال الفساد، وقدمنا الدراسة لوزارة العدل كهبة ووافقت عليها. لكنها بقيت عالقة في أدراج الامانة العامة لمجلس الوزراء لتاريخ اليوم. يجب وقف التضليل، وعلى اللبنانيين ان يعرفوا ان السلطة السياسية رافضة رفضاً قاطعا الدفاع عن مصالح الدولة اللبنانية واعادة الاموال لإنصاف المودعين».
ويختم: «اتمنى ان يقوم وزير العدل بردة فعل لصالح حقوق الدولة وضد قرار مجلس الوزراء، وعلى المجتمع المدني والاعلام التصدي لهذه المحاولات التي تقوم بها السلطة السياسية، ولهذه الفضيحة. هذه السلطة الفاسدة ولا خلاص للبنان في كنفها».
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|