بالفيديو : بعد تواريه عن الأنظار لأشهر... دكتور فود يطّل على متابعيه من جديد
إنهيارات البنوك تحيي فكرة المصارف "الضيّقة"
يحتفظ البنك «الضيّق» بأمواله لدى الإحتياطي الفيدرالي ويترك المخاطرة لشركات مالية أخرى
*الإحتياطي الفيدرالي يعارض «الفكرة» باعتبار أنها تعزّز المخاطر التي تحيق بالنظام المالي
تبنّى الليبراليون واليساريون نسخاً مختلفة من «البنوك الضيقة» في إطار رؤى منفصلة للإصلاح المصرفي
كان انهيار ثلاثة مصارف أميركية إقليمية هذا الربيع تذكرةً بأن الأعمال المصرفية قائمة في جوهرها على المجازفة. مع ذلك يعتبر المودعون أن إيداع أموالهم في أحد المصارف استثمار خالٍ من المخاطر لأنها مؤمّنة فيدرالياً بما يصل إلى 250 ألف دولار لكلّ مودع. من هنا جاءت عبارة «كما المال في البنك» التي تستخدم للإشارة إلى الموثوقية والضمان. غير أن البنك لا يبقي الودائع في صورتها الأولية كسيولة نقدية، بل يتحمّل مسؤوليتها باعتبارها ديناً قصير الأجل يدين به لعملائه، فيما تشكّل القروض والاستثمارات طويلة الأجل الشق الآخر من ميزانيته العمومية.
بالتالي، يصبح المصرف في مأزق عند اتخاذه قراراً استثمارياً فاشلاً ويرغب العديد من مودعيه باسترداد أموالهم، وهذا ما حدث لمصرف «سيليكون فالي بنك» ونظرائه من المصارف التي أخفقت.
لكن ماذا لو احتفظ البنك بجميع ودائع عملائه على هيئة سيولة نقدية آمنة، أو ما يقوم مقامها تماماً، وترك وظيفة الإقراض لمؤسسات أخرى يدرك مستثمروها أنهم يجازفون بإيداع أموالهم لديها؟
ما هي «البنوك الضيقة»؟
يُطلق على هذه الفكرة أحياناً النشاط المصرفي «الضيق»، لكونه يختزل البنك إلى أبسط وظائفه. لدى الاحتياطي الفيدرالي أدوات من شأنها أن تجعل ذلك ممكناً، لكنه جادل بأن تطبيق مثل هذا المقترح قد يقلب طريقة عمل النظام المالي رأساً على عقب. قال كامبل هارفي، أستاذ التمويل بجامعة ديوك: «يقف الاحتياطي الفيدرالي موقفاً سلبياً من البنوك الضيقة».
تختلف المعايير في ما يتعلق بوجهة نظر مؤسسة مالية كبيرة حول الصيغة الأكثر أماناً «للنقد»، إذ لا يؤدي الاحتفاظ بكومة أوراق نقدية في مكان ما هذا الغرض، وإنما إيداع هذه الأموال في حساب لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي. بينما لا يستطيع الأفراد الحصول على التسهيلات المختلفة التي يتيحها البنك المركزي الأميركي، إلا أنه يمكن للبنك نظرياً أن يكون بمثابة سكة تحويل بلا أثر إلى حساب بنك الاحتياطي الفيدرالي.(اقتصاد الشرق)
يمكن للعملاء إيداع أموالهم لدى مصرف ما، والذي بدوره سيدّخرها لدى الاحتياطي الفيدرالي، ثم يمرّر الفائدة إلى العملاء مطروحاً منها رسوم الخدمة. بالتالي، لن ينطوي الأمر على مخاطر سحوبات الذعر نظراً لأن كل دولار من الودائع سيكون مدعوماً بالنقد.
تبنّت تيارات سياسية نسخاً مختلفة من فكرة «الأعمال المصرفية الضيقة»، فأيّدها الليبراليون باعتبارها وسيلة لتقليل الحاجة إلى التنظيم، وحذا حذوهم اليساريون الذين يتطلعون إلى تقليل الخطر النظامي والنفوذ السياسي للبنوك التي تُعتبر أكبر من أن تفشل.
مخاوف الإحتياطي الفيدرالي
كانت الدعوى القضائية التي رفعتها شركة «تي إن بي يو إس» (TNB US) ضد البنك المركزي في 2018 بمثابة أكبر دفعة لتأسيس بنك ضيق. طالبت الشركة، الخاضعة لإدارة رئيس قسم الأبحاث السابق في بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، بالسماح لها بفتح حساب إيداع بفائدة لدى البنك المركزي، لكن الأخير اعترض بشدة، وأُلغيت دعوى «تي إن بي يو إس» في آذار 2020.
أثار البنك المركزي عدداً من المخاوف بشأن البنوك الضيقة، كان أبرزها أن هذه البنوك ستتمتّع بجاذبية طاغية كملاذ في أوقات الأزمات. على سبيل المثال، يمكن أن تتدفّق الأموال من أذون الخزانة أو السندات عالية الجودة أو حتى من حسابات المصارف التقليدية، فتعزّز المخاطر التي تحيق بالنظام المالي الأوسع نطاقاً.
كما قد تُصعّب المصارف الضيقة على البنك المركزي إدارة أسعار الفائدة القصيرة الأجل، بل قد تؤدي جاذبية هذه المصارف إلى تراجع حجم الودائع لدى نظيرتها التقليدية، التي قد ينتهي بها الأمر إلى تشديد شروط الائتمان وزيادة تكلفة القروض بما يصعب الحصول عليها. يحاجج بعض المدافعين عن الأعمال المصرفية الضيقة بأن مزيداً من الإقراض يمكن أن يكون عبر المؤسسات المالية أو صناديق التمويل التي لا تندرج تحت المظلة المصرفية. قال جون كوكرين، الخبير الاقتصادي والزميل الأقدم في معهد هوفر بجامعة ستانفورد: «جازف وامنح قروضاً محفوفةً بالمخاطر، فقط اجمع الأموال اللازمة لذلك من الديون الطويلة الأجل أو طرح كثير من الأسهم العادية».
يعتقد آخرون أن الاحتياطي الفيدرالي يمكنه استخدام ميزانيته العمومية لضمان استمرار توفر الائتمان حين تشتدّ الحاجة إليه. اقترحت سولي أوماروفا، الأستاذة في كلية الحقوق في جامعة كورني، التي رشحها الرئيس جو بايدن في البداية لرئاسة مكتب مراقب العملة في 2021، السماح للجمهور بفتح حسابات لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي، مشيرةً إلى أنه يمكن إدارتها عبر البنوك المجتمعية القائمة.
قالت أوماروفا إن البنك المركزي يمكنه بعد ذلك إقراض الأموال في إطار التسهيلات الائتمانية المرصودة للبنوك التجارية بأسعار فائدة تفضيلية لتشجيعها على منح قروض للشركات الصغيرة أو المجتمعات التي تفتقر إلى الخدمات. كانت الأستاذة في كلية الحقوق في جامعة كورنيل قد سحبت ترشيحها لرئاسة مكتب مراقب العملة بعدما واجه معارضة شرسة من القطاع المصرفي.
تقنين التسهيلات الإئتمانية
ربما يكون هناك أكثر من طريقة لتطبيق فكرة «البنوك الضيقة»، فقد أكد التدفّق النقدي الأخير من الودائع المصرفية إلى صناديق أسواق المال أن الصناديق تبدو مثلها إلى حد ما. لا تحظى صناديق أسواق المال بتأمين على الودائع، حيث انهار أحد الصناديق الضخمة في حادث شهير إبّان الأزمة المالية لعام 2008، لكن اللوائح رجّحت كفة ميزان الصناديق التي تستثمر في الأدوات المدعومة ضمنياً من حكومة الولايات المتحدة. كانت الصناديق قد رصدت آنذاك استثماراً جماعياً تجاوز تريليوني دولار في أداة أخرى كثيراً ما يستغلّها الاحتياطي الفيدرالي لامتصاص كتلة النقود في ما يعرف باتفاقية إعادة الشراء العكسي. بموجب الاتفاقية سالفة الذكر، حازت صناديق الاستثمار الأوراقَ المالية الحكومية وتعهدت إعادة بيعها في تاريخ لاحق، ما جعل الصناديق تحقّق أرباحاً تجاوزت 5% بين عشية وضحاها.
شدّد البنك المركزي أخيراً على قواعد إبرام اتفاقيات إعادة الشراء العكسي في محاولة واضحة لمنع أي شخص من استغلالها للتحايل بغية إنشاء بنك ضيق. إذا وجد الاحتياطي الفيدرالي أن أحد الصناديق يبدو مصمّماً لغرض نقل الأموال إلى مؤسسة من هذا القبيل فقط، فيمكنه رفض طلب الصندوق لإبرام اتفاقية إعادة الشراء العكسي. كانت هذه أنباء سيئة بشكل خاص لبعض مستثمري العملات المشفرة المعنيين بالعملات المستقرة. بوجه عام، يجب أن تكون هذه العملات، المفترض ثبات قيمتها دائماً عند دولار واحد، مدعومة نقداً أو باستثمارات منخفضة المخاطر لتحتفظ بميزتها التنافسية. مع ذلك، قد يجعل استثمار أصول العملة المستقرة بالكامل في صندوق استخدم تسهيلات إعادة الشراء العكسي، التي يمنحها البنك المركزي، تبدو وكأنها عملة مشفّرة مدعومة من الاحتياطي الفيدرالي بحكم الواقع.
يحترز البنك المركزي من السماح بانخراط الأصول الرقمية أكثر في النظام المصرفي التقليدي. لذلك، يبدو أنه لن يكون هناك أي بنوك ضيقة قائمة على العملات المشفّرة في المستقبل المنظور.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|