الشرط السعودي للمبادرة الفرنسيّة

لا نتصور أن الأمير محمد بن سلمان كان بحاجة الى طروحات ايمانويل ماكرون بأن لبنان، ومنذ نشأته عام 1920، بلد الأزمات الأبدية والتسويات الآنية. لا مجال لتعليق أركان المنظومة الفاسدة بأقدامهم. هذا يعني تعليق النظام، وتعليق لبنان بقدميه، مع أن الخراب الذي حصل يستدعي تعليق المشانق...

لا وقت ولا امكانية للتغيير. الصراعات السياسسية والطائفية تنذر بالانفجار، ربما الانفجار الدموي. قد يكون الحل بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي لانتاج أجيال بعيدة عن اللوثة الطائفية، وحيث الاجترار المروع لثقافة الخنادق، ودون أي اطلالة على القرن الا من خلال فاتنات الزمن الرديء، وهنّ ما تبقى لنا من... استراتيجيتنا الدفاعية!

ما حدث منذ دستور الطائف (1990 ) وحتى الآن، ارساء قواعد المحاكاة بين النظام والمنظومة، ما حال دون تطبيق المادة 95 من الدستور التي تقضي بالغاء الطائفية السياسية. خلافاً لمنطق ومنطوق النص، جرى احلال المذهبية السياسية محل الطائفية السياسية ليكون السقوط المدوي، لا في أروقة القرن التاسع عشر، وانما في أروقة الجحيم...

الفرنسيون يرون في انتخاب رئيس الجمهورية، المدخل لانتظام الهيكلية الدستورية للسلطة. كل ما يجري على الأرض، بما في ذلك ترسيخ وجود اللاجئين والنازحين، يشي بأن الدولة التي تتلاشى شيئاً فشيئاً، على بعد خطوات من الزوال. لا ندري أين كانت فرنسا الضنينة بلبنان، في مؤتمر بروكسل. بكل وضوح بدت ملامح السيناريو الخطير. الذريعة عدم التطبيع مع النظام السوري. لعل هناك من كان يراهن على التطبيع مع أبي بكر البغدادي.

الضنينون بأحوالنا الذين يجرهم الأميركيون، هل فاتهم أن ثمة قوى داخل الولايات المتحدة ما زالت تأخذ بوصف هنري كيسنجر للبنان بـ «الفائض الجغرافي» الذي يمكن استعماله، إن لحل المشكلة الفلسطينية (بتشتيت الفلسطينيين)، أو لحل المشكلة السورية (بتشتيت السوريين). في المحصلة أن اللبنانيين هم الذين يتشتتون في أصقاع الأرض.

حتماً، الذين ذهبوا لن يعودوا «الا للسياحة». من بقوا وضعوا حقائبهم عند الباب. هذا كان حلم زئيف جابوتنسكي منذ مائة عام. سقوط لبنان النموذج، بتنوعه الديني والحضاري، كنقيض للنموذج التوراتي...

السعوديون في طليعة من ينقذون لبنان. تفاهمهم مع كل من طهران ودمشق يمضي الى الأمام. المشكلة هنا أن ولي العهد السعودي لا يثق، ولو في الحد الأدنى، بناهبي المال العام. يتردد وراء الستار أنه سأل المضيف الفرنسي «هل يفترض بنا أن نكافئ من حوّلوا هذا البلد ـ المثال- الى مغارة للمافيات»؟ (راجعوا ما كتبته الصحف السعودية)...

ندرك الى أي مدى استشرى الفساد في لبنان، والى أي مدى تم تسييس القضاء ليغدو أداة لبارونات السلطة، ودون أن نرى أي رئيس للجمهورية، أو أي رئيس للحكومة، أو أي وزير ونائب وراء القضبان. ولكن باستطاعة السعوديين، والعرب الآخرين، الاشراف المباشر على ادارة الأموال التي تقدم للبنان كمساعدات، أو كقروض (لا ودائع)، لتنفيذ مشاريع النهوض.

ما حدث في المنطقة، وحيث التفاهمات حلت محل الصراعات، كما لو أنها المعجزة الالهية. وهذا هو الوقت الملائم لاخراج لبنان من عنق الزجاجة.

ها اننا نرى الايرانيين، الذين طالما أتهمهم الكثير من العرب بمحاولات السيطرة على بلدانهم، يأخذون بالواقعية السياسية بعد تلك السنوات الايديولوجية، ويمدون يدهم الى مصر التي يأمل اللبنانيون أن تستعيد دورها المركزي. غيابها الكلي عن المسرح زاد في مصائب العرب...

ما يستشف من التعليقات والتسريبات الفرنسية، أن محادثات الاليزيه حول لبنان كانت شاقة ومعقدة. لم يتراجع الضيف السعودي عن موقفه من المنظومة السياسية. ارتضى التنسيق «عن بُعد» ؟ مع الفرنسيين في لمّ شمل اللبنانيين، في اطار رؤية اصلاحية ومتكاملة، لا اجترار «الحالة» التي أدت الى غياب (وغيبوبة) الدولة.

من هنا تبدأ مهمة جان ـ ايف لودريان، الديبلوماسي التائه، في البحث عن صفقة شاملة، ولكن دون المفتاح السعودي الذي لو كان يحمله لفتحت أمامه، وعلى مصراعيها، أبواب كثيرة «موصدة»...

نبيه البرجي - الديار