العوائق ترتفع: رئيس وحكومة أم مجلس إدارة؟
مع اقتراب دخول البلاد مدار الاستحقاق الرئاسي في الأوّل من أيلول المقبل تتكثف الاجتهادات والتفسيرات الدستورية التي تقدم المقاربات المتناقضة لما يرافقها من مواد دستورية وقانونية تتحكم بمجرياتها. ولذلك ارتفع عدد الخبراء الدستوريين الى الحد الاقصى بحيث يمكن ان تقدم الشاشات للمشاهدين العشرات منهم. وان بدأ المراقبون بتقليب الأسماء والوجوه يثبت لديهم تضاؤل عدد الخبراء المحايدين منهم الساعين الى تفسير الدستور والقانون بالحد الذي يقترب مما أراده المشرع منه، في مقابل تكاثر الخبراء والمستشارين الذين يتقنون استشارات "غب الطلب" شرط ان يكون طالبها واضحا ويعرف ما يريد ليبحثوا في المواد الدستورية عما يقود الى الهدف المنشود.
لا يخفي الذين يتقنون القراءة الدستورية والسياسية الحيادية للمواد الدستورية التي ترسم الطريق الى الاستحقاق الرئاسي في حديثهم الى "المركزية" قلقهم من الضخ الإعلامي في تفسير البعض للمواد الدستورية المؤدي تلقائيا الى زرع الشكوك لدى غالبية اللبنانيين باهمية دستورهم الى درجة بات البعض يبحث عن واضعيه واخضاعهم الى محاكمة دستورية - تاريخية ولو كانوا في القبور منذ منتصف القرن الماضي. ولذلك فهم مجبرون على التأكيد بداية على أنه من الضروري جدا عدم الربط بين المواد الدستورية التي تتحدث عن آلية تشكيل الحكومة والصلاحيات التي منحها الدستور الى كل من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف من جهة، وتلك التي تتحدث عن ولاية رئيس الجمهورية والآلية الدستورية المعتمدة لانتخابه.
فبالنسبة الى الأولى يؤكد الخبراء الدستوريون ان المواد التي تتحكم بخريطة الطريق الممتدة من استقالة الحكومة الى ولادة الجديدة واضحة وضوح الشمس ان كان الوضع السياسي في البلاد مستقرا وان كانت السلطات المكلفة بعبور هذه المرحلة تتعاون في ما بينها باحترام صلاحيات كل منها والتزام ما اعطاهم اياه الدستور من أدوار. وعليه يمكن القول ان الظروف المؤدية الى الإستقالة او الاقالة لا تسمح بالنقاش فيها، مهما اختلفت الآراء. وهي مسيرة دستورية تبدأ بالاستشارات النيابية الملزمة لرئيس الجمهورية وتلك غير الملزمة التي على الرئيس المكلف القيام بها وصولا الى مرحلة اختيار الاسماء واسقاطها على الحقائب، الى خاتمتها المتعلقة باصدار المراسيم الثلاثة بقبول استقالة الحكومة السابقة ورئيسها وتسمية الرئيس المكلف وهما مرسومين على عاتق رئيس الجمهورية إصدارها قبل ان يتشارك والرئيس المكلف في إصدار المرسوم الثالث والاخير الخاص بتشكيل الحكومة.
اما بالنسبة الى الآلية الدستورية المتصلة بكيفية تحديد ولاية رئيس الجمهورية والآلية الدستورية التي يجب اعتمادها لانتخاب الخلف فهي واضحة ايضا وقد رسمت بعناية لادارة شؤون البلاد والعباد بطريقة حضارية تؤكد على كون نظام لبنان "نظامًا برلمانيًّا ديمقراطيًّا"، وهو نظام لا يدار عن طريق استخدام القوة وفرض النفوذ من خارج المؤسسات الدستورية ومن خارج التعاون الذي يجب ان يكون قائما بين مختلف السلطات لا التنافر في ما بينها والإصرار على خوض المواجهات المتبادلة استنادا الى مصادر قوة توفرت لكل منها من خارج هذه المؤسسات والتي سمحت باستخدامها متاريس متقابلة في ما بينها. كما ان الدستور لم يترك منفذا للشغور الرئاسي إن تم تطبيقه فصلاحياته تنتقل تلقائيا الى اي حكومة مجتمعة تكون مهمتها إدارة البلاد بما تحتاجه من صلاحيات الرئيس السلف الى حين انتخاب الخلف المفقود.
على هذه الخلفيات، يصر الخبراء الدستوريون على ضرورة الفصل بالوجوه الدستورية والقانونية والسياسية بين هذين الامرين، فلا ربط فيما بينها، ولكل منهما آليته الدستورية التي عليها ان تراعي المصلحة الوطنية العليا، وبما يوفر للبنانيين استمرار قناعاتهم بأهمية نظامهم الفريد في بحر من الانظمة التي تعيشها دول المنطقة المحيطة بهم والتي سخرت لها الدساتير التي يضمنها الحزب الحاكم ومعه جيش النظام تحت مظلة الدين.
ومن هذه المؤشرات يتطلع الخبراء الدستوريون المحايدون الى أهمية التنازلات المتبادلة التي تخرج البلاد مما تعيشه من أوضاع غير طبيعية لم تعرفها من قبل، وهو أمر مستبعد في ظل موازين القوى الداخلية التي فرضت منذ عقد ونصف تقريبا آلية من خارج القانون والدستور في ادارة شؤون البلاد والعباد وان العودة الى الدستور عملية مطلوبة باسرع مما يعتقده البعض وهي عملية تبدأ باحترام المهل الدستورية وبتطبيق النواب المكلفين بانتخاب الرئيس معنى وجودهم اعضاء في مجلس نيابي عليهم واجب انتخاب الرئيس من ضمن المهلة الدستورية التي لا نقاش في كيفية تحديدها بمراحلها المختلفة قبل ستين يوما من نهاية الولاية وما يفرض عليه القيام به في الايام العشرة الاخيرة ان لم ينجحوا في مهمتهم في الفترة الاولى منها.
وعليه، فان بين ما يجري اليوم وما هو متوقع ان بقيت المناكفات قائمة بين المراجع المعنية بالمحطات الدستورية المقبلة وما يقول به الدستور يقود بسرعة الى مرحلة ترتفع فيها الحواجز العالية والمعوقات الكبيرة امام اي امل بولادة عهد جديد لإنقاذ ما يمكن انقاذه من الدولة ومؤسساتها واستعادة قدرتها على تقديم الحد الادنى من الخدمات المفقودة في أكثر من مجال قبل انهيار الهيكل.
وختامًا، يبقى السؤال المطروح هل ان ما يجري يمكن ان يقود الى عبور المرحلة المقبلة بقدرات داخلية ام ان الامر يحتاج الى حراك دولي يقود من يعنيهم كل استحقاق على حدى الى التزام المهل والآليات الدستورية. وهو أمر يقود حتما الى انتخاب رئيس للجمهورية كأولوية لا يتقدم عليها اي أمر آخر وتشكيل حكومة بكامل مواصفاتها الدستورية فالبلاد لا تدار بمجلس إدارة تتعدد فيه الرؤوس الحامية قياسًا على حجم القوى المتحكمة بالسلطات والمؤسسات الدستورية لئلا ندخل مرحلة غامضة تضيع فيها الصلاحيات ومعها المسؤوليات وهو ما يؤشر الى الفشل المتمادي في مرحلة لم يعد فيها اللبنانيون قادرون على تحمل أعبائها على مختلف المستويات.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|