موت اعتباطي ببيروت: بفتحة صرف صحي أو بحاوية نفايات
السّورياليّ في كل ما حلّ بالقاطنين بهذه البقعة الجغرافيّة الضئيلة المُسماة بلبنان، لا يتوقف فقط عن تحولهم المباغت من مجتمعٍ مكتفٍ لحدٍّ ما، نحو نسيجٍ اجتماعي مُفتت يقاسي ما يقاسيه من شظف العيش ومغبة الانهيار الطرديّ. السّخريّة في كل ما نعيشه اليوم، أننا لا زلنا مُقتنعين أن هناك وبالرغم من المآسي والنكبات، تَميزاً حدّ الفرادة، وتَحضراً وتمدناً ينزهان الشعب اللبناني عن شعوب أخرى. وأن النخب الشّابة الطموحة المبادرة هي من جعلت واقع فرادتنا ممكنًا. إلا أننا بالحقيقة مخدوعون إلى درجة الغُبن بهذه الدعايّة. والحال، أننا ببساطة شعبٌ مُفكك، دولةُ متحلّلة، مُحاصرون بدوامة من الفقر والعجز، وأن شبابنا (النخب) تموت اعتباطًا ومجانًا، يوميًا، في الشارع العمومي.
الموت المجانيّ
ضجّت وسائل التّواصل الاجتماعي بخبر وفاة الطالب حسين فرحان (ويليام، كما هو معروف عند أصدقائه وزملائه)، منذ صباح الإثنين 3 تموز الجاري. وحسين (ويليام) الشاب العشرينيّ وطالبُ علم النفس في الجامعة اللبنانيّة، والعامل في الجمعيات غير الحكوميّة والرياضيّ الطموح، لم يكن يتخيل وفي أسوأ السّيناريوهات المُمكنة أن يفقد حياته بغتةً، بسبب إهمال المعنيين والمسؤولين وتورطهم بجعل طرقات بيروت- المدينة التّي يقطن فيها الشاب، رديئة وخطرة.
وفي التّفاصيل المُتداولة، أفاد مقربون من الشاب، أن الأخير قد توفيّ إثر حادث سيرٍ مُروّع من على دراجته الناريّة، حيث تفاجأ بـ"ريغار" (فتحة قناة صرف صحيّ) من دون غطاء، مفتوحة وتقع تحت جسر سليم سلام في بيروت. وذلك عند ساعات الفجر الأولى من الاثنين، وبقيّ الشاب ينزف لساعات إلى أن تنبه له أحد المارّة مرميًا على الأرض ومغشيًا عليه، فقام العابر، بطلب سيارة إسعاف. وأفاد المسعفون، أن الشاب قد فارق الحياة. وقد جرت في اليوم نفسه، مراسم الدفن والعزاء في بلدة كفركلا التّي يتحدر منها.
الموت الغامض، ضاعفه التناقض في الرواية، فمفرزة سير بيروت، أعلنت وفق تحقيق أولي، أن الشاب فرحان كان يقود دراجته في نزلة صهيون، تحت جسر فؤاد شهاب، حين انزلقت به ليصطدم بحاوية نفايات، ما أدى إلى وفاته.
وخبر وفاة الشاب بهذه الطريقة، قد تسبب بخضّة واسعة وحالة حزن عامة في صفوف المقربين والذين اطلعوا على الخبر على حدٍّ سواء. لكون الشاب قد توفيّ بصورة اعتباطيّة ومجانيّة، مُتهمين البلديّة بالتقصير، وتهميش ظاهرة سرقة أغطية القنوات المائية وقنوات الصرف الصحيّ، التّي تتسبب في حوادث شبه دوريّة، تصلّ بعضها لحصول وفيات على شاكلة ما أصاب الشاب. وظاهرة سرقة أغطية القنوات المائية وقنوات الصرف الصحيّ، ليست الوحيدة التّي تتطاول الأملاك العامة، وبالتّالي ليست السّبب الوحيد الذي يؤثر على أوضاع الطرقات والشوارع، فغياب الإنارة اللازمة ليلاً وفي الأنفاق، فضلاً عن إشارات المرور ورداءة أرصفة المشاة والتوقف عن صيانة الطرقات، كل هذه تُسهم في تزايد حوادث السّير، التّي يدفع ضحيتها المواطنون والشباب.
المتابعة الرسميّة
وفي هذا السّياق تواصلت "المدن" مع وزير الأشغال العامة علي حمية، الذي أكدّ من جهته أن الوزارة غير معنيّة بصيانة الطرقات في بيروت، فهذا الأمر تتولاه بلديّة بيروت، مشددًا على أن ظاهرة سرقة أغطية قنوات الصرف الصحي والمياه، خطيرة ويجب معالجتها فورًا بسياقها الأمنيّ.
وعليه، تواصلت "المدن" مع رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني، الذي استهجن الاتهامات الموجهة ضدّ البلديّة، قائلاً إن البلديّة قد أرسلت فرق هندسية لموقع الحادث، في سليم سلام، وقال: "بعد الكشف الميداني، لم نجد أي قناة مفتوحة من دون غطاء في موقع الحادث كما هو متداول، ثم انتقلت هذه الفرقة للكشف على الأقنية نزولاً من شارع مونو باتجاه ساحة الشهداء، حيث تمّ الإشارة لموقع آخر للحادث، ولم تجدّ شيئًا، وتواصلت الفرق مع كافة المخافر في بيروت، وأفادت كلّها أنها لم تتبلغ بأي حادث سير، البارحة بهذا التوقيت". وتابع رئيس البلدية أن مُحافظ بيروت في صدّد متابعة القضيّة، وأنهم يعملون على التّحقيق بها، لحين توافر المعطيات اللازمة. هذا فيما تعذر التّواصل مع أهل الشاب، للاستفسار إن كانوا سيتقدمون بأي شكوى، (الأمر المتّوقع والمفهوم خصوصاً أن الأهل مفجوعون ومصعوقون بخبر وفاة ابنهم).
حتمًا، هذا الحادث المروّع ليس الأول ولن يكون بطبيعة الحال الأخير، فهو متصل بحوادث سبقته وأخرى ولم تعالج جذورها وأسبابها قط، لا معالجة أمنية ولا لوجيسية أو بلدية جديّة، أكان في بيروت أو على امتداد الطرقات اللبنانيّة التّي تتشارك الرداءة نفسها وغياب الصيانة والتفلت. فيما يبقى عداد قتلى الطرقات الرديئة بارتفاعٍ مُطرد، وينزف "لبنان" آخر ما تبقى له من رساميل شبابيّة.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|