العنف في الحضانة ليس الأول.. هنا منبع الأزمة والفشل
تكاد تكون قناة LBCI الوحيدة التي تحفظت عن نشر فيديو تعنيف أطفال حضانة Garderve في الجديدة، "بسبب بشاعة مضمونها، وإحترماً لخصوصية الأطفال وأهلهم". يفتح هذا الباب النقاش حول نشر صور الاطفال وفيديوهاتهم في وسائل الاعلام التي ستبقى في الذاكرة، وفي محركات البحث، بينما ستنتهي تداعيات أي قضية، مهما كان حجمها، مع مرور الوقت، وفي أروقة القضاء سواء بتحصيل حقوق الأطفال، أو بإهمالها.
يعيد فيديو حضان الجديدة الى الأذهان، حادثة شبيهة في 22 تشرين الثاني 2022، عندما نشرت الأم غيدا الدايخ منشوراً تحدثت فيه عن تعرض طفلها لعنف في حضانة في منطقة بشامون. الحادثة أخذت آنذاك ضجة إعلامية، وصدر قرار بإقفال الحضانة من قبل وزارة الصحة، والتعهد بمتابعة الموضوع لدى الجهات المختصة.
تقدمت العائلة بشكوى بحق الحضانة، وكانت القضية في عهدة القاضية المنفردة في قضايا أحداث في جبل لبنان، جويل أبي حيدر. وهذا ما أكدته الدايخ، في حديثها لـ"المدن"، بأن الشكوى جرت بسرعة وكذلك الإستدعاء، وقد لمست القاضية تضارب الإفادات التي قدمتها إدارة الحضانة وموظفاتها. لكن الحضانة تمكنت من فتح أبوابها بعد شهر من الحادثة، ولا معلومات عن طريقة إعادة فتحها، فيما تشير الأم الى أن الدعوى تحولت إلى النيابة العامة التمييزية، وقالوا لهم بأنهم سيتلقون إتصالاً من الجهة المختصة، ولا جواب حتى الساعة.
حين تثار قضايا مشابهة في الإعلام، غالباً ما لا تُتابع الملفات إلى خواتيمها. ونادراً ما يفتح الإعلام ملفات على الهامش، بينما إذا كانت الحضانات مستوفية للشروط، والمعايير التي يجب أن تتبع لدى إنشائها، وأهلية والدرجة العلمية التي يجب أن يتمتع بها المربّون/المربّيات، أو القائمون على الحضانة.
في نص القانون المنشور في موقع وزارة الصحة اللبنانية، سلسلة من الشروط التي تطلب لدى فتح دور الحضانة. بالتأكيد غالبية الأهالي لا يطلعون عليها، أو هي غير واضحة لمدراء بعض دور الحضانة.
أكثر من 500 حضانة مرخصة بلا رقابة
في لبنان 502 حضانة مرخصة، وفق ما تقول رئيسة نقابة دور الحضانة في لبنان، هنا جوجو، وتشير إلى أن العدد غير محدّث، منذ ثلاث سنوات، بسبب أزمة كورونا والأزمة الإقتصادية والإضرابات التي تطاول الوزارات، وقد تؤخر إنجاز معاملات تراخيص دور الحضانة.
وفي حديثها مع "المدن"، تشير إلى "إن النقابة لا تمتلك حق الكشف على الحضانات، بل هو دور محصور في وزارة الصحة"، وتضيف أن الكشف والرقابة الدائمة لا تنفعان في هذه الحالة، "فمراقبة الوزارة هي فقط من أجل تأمين الشروط والمواصفات المطلوبة في كل حضانة من دون إلتفات إلى قدرات المديرين والمربين في الحضانة على التعامل مع الأطفال".
وتشير الى ان الفحص الطبي الذي يتعلق بالصحة النفسية "يُجرى كل عامين تقريباً للمربين في الحضانة، إلا أن أزمة كورونا والأزمة الإقتصادية غيّرت المعايير، لا سيما ان بعض الحضانات أقفلت، وتم فتح دور حضانة في المنازل أو الشقق السكنية بلا حسيب أو رقيب".
أما في ما يخص موضوع تواجد الكاميرات في دور الحضانة، فتقول إنها ضرورة واجبة، لكن أن لا تكون موصولة مباشرة مع الأهل، بل يجب أن تعمل طوال فترة الدوام، ولا يتحجج أصحاب الحضانات بتعطلها، أو عدم تغطية الكاميرات لجميع زوايا الحضانة، وتقول إن للأهل صلاحية مطلقة بالإطلاع على تسجيل الكاميرات في حال ورود أي مشكلة، وفي حال تهربت دور الحضانة يمكن معقابتها وتقديم شكوى بحقها.
وإثر سؤال جوجو، عن تحقيق العدالة والمحاسبة، في أي قضية أثيرت إعلامياً خلال السنوات الماضية، تأسف لأن هذه القضايا كلها حُلّت بتدخل سياسي، أو بدفع تعويضات لأهل، أو لا تزال عالقة في دوائر القضائية.
المجلس الأعلى للطفولة
هذه القضية المتشعبة وزارياً وإدراياً وتربوياً، يأخذ مسارها دوماً تقاذف المسؤوليات، وعدم الجدية في التعاطي معها. ففي حين عقد إجتماع بين الجهات المعنية في وزارة الصحة، ضمّ مديرة دائرة الأطفال والأم في الوزارة باميلا زغيب، وممثلة عن مجلس الأعلى لطفولة في وزارة الشؤون الإجتماعية، ونقابة دور الحضانة والمعنيين، إنتهى من دون تلخيص أو إصدار بيان رسمي بعد الإجتماع، يشرح مستجدات الملف.
في حين علمت "المدن" أن هناك موقفاً يُحضّر من قبل المجلس الأعلى للطفولة الأسبوع المقبل سيُقدم لرأي العام، بعد الحالات المتكررة للعنف تجاه الأطفال، وإنتهاك حقوقهم قانونياً وإعلامياً.
وقد حاولت "المدن" التواصل مع رئيسة دائرة الأم والطفل والمدارس في وزارة الصحة، باميلا زغيب، للحديث عن دورهم الرقابي، وآليات المحاسبة في مثل هكذا قضية، إلا إننا لم نلقَ جواباً.
اتهامات وتقصير رسمي
صوّب الإتهام الفعلي على الأمهات، اتّهمن بالتقصير في مهامهن بين الإنجاب والتربية والرعاية، وتخييرهن بين عملهن وأمومتهن. ثمة من رأى أن عمل الأم غير ضروري، ويجب أن تجالس طفلها في المنزل، وأن تنهي حياتها الإجتماعية، طبعاً من دون الحديث عن الدور الأب في المشاركة والتربية. كما حُصِرَ موضوع إدخال الأطفال الحضانة في الأم، كأنها وحدها صاحبة القرار، وكأنها تعمد إلى ذلك للتهرب من مسؤوليتها في الرعاية والإهتمام.
غير أن النقاش الدائر، تخطى المألوف والإتزان في عرض إشكالية الجريمة التي حصلت أخيراً، أولها ضرورة التأكد من مواصفات الحضانة وأهليّة العاملين فيها، وأن تكون القوانين التي توضع للأمهات بعد الإنجاب، تراعي الفترة التي يجب أن تجالس الأم طفلها بعد الولادة، فلا تنحصر في ثلاثة أشهر بعد الولادة، طبعاً مع عدم ذكر إجازة الأبوة والتي هي في القانون اللبناني 3 أيام. إضافة إلى أن هناك قانوناً يفرض أن تكون أماكن العمل التي تحوي نسبة 10% من الأمهات أن تعمد إلى فتح حضانة في أماكن العمل لتبقى الأم على مقربة من ولدها، وتتمكن من ممارسة الرضاعة الطبيعية. وهذا ما أنشأته المديرية العامة في الأمن العام في العام 2018، في مركزها، في حين تم تغييب الأمر في كبرى الأماكن التي يعتمد كادرها على النساء والأمهات، لا سيما في المسشتفيات والجامعات والمدارس..
ورأى العديد من النشطاء في مواقع التواصل أن لا ضرورة لتسجيل الأطفال في الحضانة، باعتبارها "ترفاً" يعتمده الأهل من أجل "عيش حياتهم" الإجتماعية بلا قيود.
لكن الواقع أن دور الحضانة الأساسي، وفق ما تنقله المتخصص بالشأن التربوي ربى الحسن، يتمثل في فترة تحضيرية وتأسيسية للطفل، لاختبار قدراته الإجتماعية والسلوكية وبعض المهارات التعليمية التي يجب أن يتعلمها قبيل الدخول إلى المدرسة. وتلفت الحسن، الى أن الحضانات التي تراعي الشروط المطلوبة ويتمتع كادرها بالشروط التعليمية والأكاديمية، تُمكن من إكتشاف حالات تأخر النطق للطفل، أو أي عوارض لحالات التوحد، وتعسر التعلم.
ولا تغفل الحسن عن أن تواجد الحضانات يساعد مسيرة الأم العاملة وغير العاملة، وليست ترفاً إجتماعياً، قائلة: "هناك ذهنية في التجارب اللبنانية بدور الحضانة تجعل المجتمع يعيش ما يسمى تروما الحضانة، أو أن يكون لديه رد فعل قاس إزاء عمل الحضانات، بسبب غياب المسوؤلية والعقاب، وعدم المتابعة من الجهات المختصة".
والفيديو العنيف الصادم الذي هز الرأي العام، يجب أن يكون موضوع متابعة جدية ويستكمل بتحقيق جدي من قبل المعنيين، وتنشر تفاصيله للرأي العام. كما يحتم مسوؤلية أخلاقية وإجتماعية على وسائل الإعلام ممارستها بالملاحقة والمتابعة، وأن لا يكون حدثاً يُنسى بعد انطفائه إعلامياً وفي وسائل التواصل الإجتماعي.
رغم ذلك، لا تشي السوابق بذلك الدور الفعلي، وهو ما يحصل فعلياً مع قضية مقتل الفتاة لين طالب، التي ما زال الإعلام يفتح منابره لتقاذف التهم بين الأهل. في حين أن التحقيقات حتى الآن لم تتمكن من توقيق شخص مدان في الجريمة التي مُورست بحق الطفولة، والتي قد نرى جرائم مماثلة لها في المستقبل.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|