"متجرّد وفوق الاصطفافات".. هل تخلّى الراعي عن مفهوم "الرئيس القوي"؟
لم يطرأ جديد على مستوى الملف الحكوميّ خلال عطلة عيد الأضحى المبارك. وفي مقابل "المراوحة الحكومية" المستمرّة، رغم تقديم الرئيس المكلف تشكيلة يراها "مناسبة" منذ نحو أسبوعين، برز موقف "لافت" للبطريرك الماروني بشارة الراعي من ملفّ الانتخابات الرئاسية، من خلال دعوته مرّة أخرى إلى "عدم التلاعب" بهذا الاستحقاق، بل "احترام" وقته الدستوري، بما ينسجم مع موقفه السابق الذي "استفزّ" البعض، حين دعا إلى انتخاب رئيس جديد قبل شهرين من نهاية ولاية الرئيس ميشال عون.
أما الجديد الذي حمله موقف البطريرك الراعي، فهو دعوته إلى انتخاب رئيس "متمرس سياسيًا وصاحب خبرة، محترم وشجاع ومتجرد، رجل دولة حيادي في نزاهته وملتزم في وطنيته، ويكون فوق الاصطفافات والمحاور والأحزاب، ولا يشكل تحديًا لأحد"، وهو ما أثار تساؤلات عمّا إذا كان البطريرك الراعي يقطع الطريق بموقفه هذا على مفهوم "الرئيس القوي" الذي يقول "العونيّون" إنّهم كرّسوه بشكل نهائيّ في قصر بعبدا، قبل ستّ سنوات.
ليس خافيًا على أحد أنّ "التيار الوطني الحر" لا يبدو "مرتاحًا" بالحدّ الأدنى لمواقف البطريرك الماروني في الآونة الأخيرة، ولو تجنّب قادته الردّ عليها بشكل مباشر، فيما تبدي أوساطه "امتعاضها" من بعض دلالاتها، ويتولى جمهوره "الافتراضي" التصويب عليه بشدّة كما فعل مثلاً، يوم دعا البطريرك إلى إنجاز الاستحقاق قبل شهرين من موعده، رغم أنّ كلامه هذا جاء من وحي الدستور، والتزامًا بروحيّته، ومن باب "تفادي" الفراغ الذي لا يخدم أحدًا.
يقول بعض المحسوبين على "التيار" إنّ البطريرك الماروني فوق الاصطفافات، ومن حقّه أن يعبّر كما يرغب، لكنّ المشكلة معه ليست في "الشكل"، لناحية الموعد الذي يريد إنجاز الاستحقاق فيه، ولكن في "المضمون"، حيث إنّه حين يدعو إلى انتخاب رئيس يشرع في وضع البلاد "على طريق الإنقاذ الحقيقي والتغيير الإيجابي"، كما جاء في عظته أمس، فإنّه يلمّح إلى أنّ الرئيس عون لم يقم بذلك، أو أنّه يحمّله مسؤولية الانهيار الذي وصلت إليه البلاد.
وفي السياق عينه، يستغرب "العونيّون" أن يدعو البطريرك الراعي إلى رئيس "متجرّد" كما يصفه، ويفصّل ذلك بقوله أن يكون "فوق الاصطفافات والمحاور والأحزاب"، ما يوحي بانقلاب على "الرئيس القوي"، الذي يأتي مستندًا إلى "حيثية حزبيّة" في المقام الأول، ترقى لتكون "وطنية" بطبيعة الحال، وهم يذكّرون بـ"نادي المرشحين الأقوياء"، الذين كان البطريرك الراعي أول من "تبنّاهم" في انتخابات الرئاسة السابقة، والذين كان عون في صدارتهم.
جدليّة "الرئيس القوي"
يقود كلام الأوساط المحسوبة على "التيار"، بحسب العارفين بأدبيّات البطريرك الراعي، كما بعض خصوم "التيار"، إلى استعادة جدلية "الرئيس القوي" في الجوهر والعمق، فمن هو "الرئيس القوي" فعليًا؟ هل هو من ينطلق من حيثية حزبية ونيابية ويمتلك قاعدة شعبية فقط، أم أنه من يستطيع أن يفرض هيبة الرئاسة، ويكون "بيّ الكل" فعلاً ولا قولاً، وهو الشعار الذي "ارتضاه" أساسًا عون لنفسه عند انتخابه قبل ستّ سنوات، ولا يزال البعض يطلقه عليه؟
بالنسبة إلى هؤلاء، فإنّ المواصفات التي اعتبر الراعي أنّ "هناك الكثير ممّن يتمتّعون بها، ويكفي أن نبحث"، تنطبق على "الرئيس القوي" فعلاً لا قولاً، خصوصًا في المرحلة الاستثنائية والدقيقة التي تمرّ بها البلاد، والتي تتطلّب رئيسًا يكون قادرًا على إطلاق ورشة "الإنقاذ"، وعلى الجمع بين مختلف المكوّنات في البلاد، بما فيها الأفرقاء المتنازعين، لا أن يكون واحدًا من هؤلاء، بحيث يشكّل انتخابه "غلبة" لفريق على آخر، فيمدّد الأزمة ويفاقمها أكثر.
وإذا كان "العونيون" يعتبرون أنّ "مكسب" انتخاب ميشال عون رئيسًا للجمهورية، وهو على رأس كتلة نيابية وقاعدة شعبية واسعة، لا جدال في حيثيتها التمثيلية، هو بحدّ ذاته "إنجاز" لن يقبلوا بـ"التنازل أو التراجع عنه" اليوم، فإنّ ثمّة في المقابل من يعتبر أنّ التجربة أثبتت خلاف ذلك، حيث تحوّل "العهد القوي" عن مساره، وأضحى في الكثير من المحطّات عنوان "تعطيل" كرمى لعيون فريق سياسي محدّد، وهو ما لا ينبغي تكراره، وفق خصوم "التيار".
في النتيجة، قد يولّد مفهوم "الرئيس القوي" خلافًا في المقاربات بين مختلف الأطراف، إلا أنّ الأكيد أنّ البطريرك الماروني بمواقفه الأخير فتح ملف الرئاسة على مصراعيه، ليبقى "الثابت" بالنسبة إليه، أنّ الفراغ هو "المحظور"، والمطلوب انتخاب رئيس جديد في أسرع وقت ممكن. فهل يجد نداؤه الأصداء المطلوبة، أم "يلتهي" المعنيّون بذلك بسجالات "شكليّة" لا ينبغي أن تقدّم أو تؤخّر الكثير في المعادلة على الأرض؟!
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|